إحیاء الأرض المیتة بالسحب الممطرة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم التاسع عشرسعة قاعدة اللطف فی التکوین والتشریع

أشار الإمام(علیه السلام) فی هذا المقطع من الخطبة إلى نعمة مهمّة اُخرى لا تتمّ الحیاة بدونها على سطح الأرض، حیث شرحها بعبارات لطیفة رائعة، فقال(علیه السلام): «ثم لم یدع جرز(1) الأرض التی تقصر میاه العیون عن روابیه(2)، ولاتجد جداول الأنهار ذریعة إلى بلوغها، حتى أنشأ لها ناشئة السحاب تحیی، مواتها وتستخرج نباتها».

الجدیر بالذکر أنّ الإمام(علیه السلام) أشار بصورة عابرة إلى الاقسام الثلاثة للری والسقی: السقی الطبیعی بواسطة العیون الملیئة بالمیاه، والسقی عن طریق الجدوال والآبار وتوجیه میاه الأنهار الطبیعیة، والسقی عن طریق الأمطار الأهم من کل ذلک، وذلک لوجود بعض المناطق فی الأرض التی یتعذر سقیها بغیر الأمطار، وهى المناطق الکثیرة، فلولا میاه الأمطار لماتت أجزاء واسعة من الأرض. اضف إلى ذلک فما لاشک فیه أنّ الأنهار والعیون إنّما تکتسب میاهها من الأمطار. على کل حال فانّ السحب وبالتالی الأمطار تقوم بهذه المهمة فی السقی و التی کلفها بها الله فقال(علیه السلام): «الف غمامها بعد افتراق لمعه(3)، وتباین قزعه(4)، حتى إذا تمخصت(5)لجة المزن(6) فیه والتمع برقه فی کففه(7)، ولم ینم ومیضه(8) فی کنهور(9) ربابه(10)، متراکم سحابه، أرسله سح(11) متارکاً، قد أسف(12) هیدبه(13)، تمریه(14) الجنوب درر(15) أهاضیبه(16)، ودفع شابیبه(17)»، فقد استبطنت هذه العبارات عدّة مواضیع علمیة مهمة: ومنها الإشارة إلى مهمّة الریح التی تؤلف بین السحب المتفرقة المنبعثة من البحار لتتکون منها الأمطار الغزیرة. ثم تطرق(علیه السلام) إلى تجمع السحب والغیوم والضغط الذی تسلطه کل واحدة على الأرض تأهباً لهطول الأمطار إلى جانب دور البرق فی ذلک الهطول، لاننا نعلم أنّ البرق إنّما یحصل من خلال الکهربائیة الموجبة والسالبة، فیجذب إلیه مقداراً کبیراً من الهواء ویقلل من ضغطه فاذا قلّ ضغط الهواء تمهدت الظروف لسقوط الأمطار. ثم واصل الإمام(علیه السلام)الکلام فی دور الریاح وأنّها بمثابة الأصابع التی تستخرج الحلیب من ضرع الثدی، فتفصل السحب والغیوم عن الهواء وتبعث بمیاه الأمطار هنا وهناک. فکل هذه الاُمور تشیر إلى أن الخالق الحکیم قد أعدّ جمیع المقدمات ودبر کافة الاسباب من أجل ری الاراضی المرتفعة والجافة. ثم أشار الإمام(علیه السلام) إلى آثار المطر على الأرض وما ینطوی علیه من برکات وفوائد فقال: «فلما ألقت السحاب برک(18)بوانیه(19) وبعاع(20) ما أستقلت(21) به من العبث(22) المحمول علیه، أخرج به من هوامد(23) الأرض النبات، ومن زعر(24) الجبال الأعشاب»، فقد أشارت هذه العبارات الرائعة إلى مسألة وهى أنّ السحب کأنّها حبلى فاذا هطلت الأمطار الثقلیة وضعت حملها; الحمل الذی یفیض الحیاة والبرکة والجمال لکی تشمل الصحاری الجرداء أطراف قمم و سفوح الجبال ـ التی یصعب على الإنسان سقیها ـ فتخرج منها النباتات التی تعود بالفائدة على الناس. ثم واصل(علیه السلام)حدیثه برسم صورة رائعة عن الطبیعة التی تتمخض عن ذلک المطر، فقال «فهى تبهج(25) بزینة ریاضها، وتزدهى(26) بما البسته من ریط(27) أزاهیره(28) وحیلة ما سمطت(29) به من ناضر(30)أنواره(31)».

ومن الواضع جداً دور الطبیعیة وجمالها فی صفاء روح الإنسان وإزالته لتعبه وارهاقه إلى جانب تفعیل قوته وطاقته; وعلیه فالحدیث لایقتصر على مسألة الجمال، وإن کان هذا الجمال یمثل جانباً من جمال الحق سبحانه وجلاله; بل إنّ هذا الجمال یعد أحد عوامل بقاء الحیاة ودیمومتها، بل ذهب بعض العلماء إلى أهمیة دروه حتى فی نشاط الحیوانات. ثم قال(علیه السلام)بأنّ کل ذلک زاد ومتاع للإنسان ورزق للانعام: «وجعل ذلک بلاغ(32) للأنام، ورزقاً للأنعام»، فالإنسان لا یستفید من نعم الطبیعیة على مستوى الغذاء فحسب، بل یؤمن عن طریقها لباسه ومسکنه ومرکبه، وبصورة عامة کافة حاجاته ومتطلباته. قال القرآن الکریم بهذا الشأن: (أَنّا صَبَبْنا الْماءَ صَبّاً * ثُمَّ شَقَقْنا الأَرْضَ شَقّاً * فَأَنْبَتْنا فِـیها حَبّاً * وَعِنَباً وَقَضْباً* وَزَیْتُوناً وَنَـخْلاً* وَحَدائِقَ غُلْباً * وَفاکِهَةً وَأَبّاً * مَتاعاً لَکُمْ وَلاَِنْعامِکُمْ)(33).

نعم فالإنسان لایتغذى على النباتات وثمارها، وینسبح مفروشاته من مختلف ألیافها فحسب، بل یبنی بیوته من خشبها وینصب الخیام من ألیافها، کما یغطی أغلب حاجاته ومتطلباته عن طریق منتجات الحیوانات التی تتغذى على النباتات. ثم اختتم خطبته(علیه السلام)بالاشارة إلى مسألة مهمّة اُخرى خلقها الله فی الأرض من أجل الإنسان: «وخرق الفجاج(34)فی آفاقها وأقام المنار للسالکین على جواد(35) طرقها». فادنى نظرة إلى الأرض وکل بقعة من هذه الکرة الأرضیة یتضح من خلالها بأنّ الجبال لم تحول دون الحرکة على الأرض أو بفصل بعض بقاعها عن البعض الآخر فحسب، بل جعل فی کافة مواضعها الاودیة والشقوق لا یصالها مع بعضها عن طریق السبل والجادات وما إلى ذلک: و قلما یلتفت الإنسان أنه لولا وجود هذه الجادات و الجبال العملاقة المتصلة مع بعضها و التی تشکل جدارا لمنع عبور الناس و الحیوانات و تقسم الأرض إلى إقسام متناثرة لتعرض لعظیم البلاء و عاش أشد الفاقة (وَجَعَلْنا فِی الأَرْضِ رَواسِىَ أَنْ تَمِـیدَ بِـهِمْ وَجَعَلْنا فِـیها فِـجاجاً سُبُلاً لَعَـلَّهُمْ یَهْـتَدُونَ)(36)، وقال: (وَمِنَ الجِبالِ جُـدَدٌ بِیضٌ وَحُـمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِیبُ سُودٌ)(37).


1. «جرز»; تطلق على الأرض التی تمر علیها میاه العیون فتنبت.
2. «روابی» جمع «رابیة» من مادة «ربو» على وزن غلو مرتفعات الأرض.
3. «لمع» جمع «لمعة» على وزن لقمة بمعنى قطعة من السحاب أو شیء آخر.
4. «قزع» جمع «قزعة» على وزن ثمرة القطعة من الغیم.
5. «تمخضت» من مادة «مخض» على وزن فرض، بمعنى الحرکة الشدیدة، مثل حرکة الشُکیة - و هو الوسیلة التی یخض فیها اللبن لفصل الزبد عنه - عند ما نرید فصل الزبد عن اللبن.
و المخاض: یطلق على حرکة الطفل الشدیدة فی بطن أمه فی حالة الطلق و الوضع.
6. «مزن» السحب الماطرة.
7. «کفف» جمع «کفه» على وزن قبة حاشیة شیء واطرافه.
8. و«میض» من مادة ومض على وزن رمز التشعشع.
9. «کنهور» القطع العظیمة من السحاب.
10. «رباب» جمع «ربابة» السحاب الابیض.
11. «سح» متلاحق متواصل.
12. «أسف» من مادة إسفاف الدنو من الأرض.
13. «هیدب» السحاب المتدلی الذی یقترب من الأرض.
14. «تمرى» من مادة «مرى» من مرى الناقة مسح على ضرعها لیحلب لبنها.
15. «درر» جمع «درة» اللبن.
16. «أهاضیب» جمع «أهضوبة» الحلب المتواصل.
17. «شابیب» جمع «شؤبوب» ما ینزل من المطر بشدة.
18. «برک» بالفتح مایلی الأرض من جلد صدر العبیر.
19. «بوانی» مثنى «بوان» على وزن لسان عمود الخیمة.
20. «بعاع» بالفتح ثقل السحاب من الماء.
21. «استقل» من مادة «استقلال» الحمل.
22. «عِبء» الحمل.
23. «هوامد» جمع «هامدة» من مادة «همود» انطفاء النار والهوامد من الأرض ما لم یکن بها نبات.
24. «زعر» جمع «أزعر» الموضع القلیل النبات.
25. «تبهج» من مادة «بهجت» سر وفرح.
26. «تزدهی» من الأزدهاء العجب.
27. «ریط» جمع «ریطة» الثوب الرقیق.
28. «أزاهیر» جمع «زهرة» النبات.
29. «سمطت» من مادة «سمط» التعلیق.
30. «ناضر» من مادة «نضارة» النشاط، ولا سیما الحاصل من وفور النعمة.
31. «أنوار» جمع «نور» البرعم والزهر.
32. «بلاغ» من مادة «بلوغ» الوصول إلى الشیء وهو هنا ما یتبلغ به من قوت.
33. سورة عبس/25 ـ 32.
34. «فجاج» جمع «فج» بمعنى الوادی بین الجبلین.
35. «جواد» جمع «جادة» الطریق الواسع الواضح.
36. سورة الأنبیاء/31.
37. سورة فاطر/27. 
القسم التاسع عشرسعة قاعدة اللطف فی التکوین والتشریع
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma