استهل الإمام(علیه السلام) الخطبة ـ بعد الحمد والثناء الذی لم یذکر فی العبارة ـ بالحدیث عن بعثة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) فی ذلک الوسط الجاهلی فقال(علیه السلام): «أمّا بعد، فان الله سبحانه بعث محمد(صلى الله علیه وآله)ولیس أحد من العرب یقرأ کتاباً، ولا یدعی نبوة ولا وحیاً».
فالعبارة إشارة إلى الأغلبیة الساحقة من العرب آنذاک التی کانت تعبد الأوثان والأصنام وقد تناست دعوة الأنبیاء السابقین. وبناءاً على هذا فلیس هناک من منافاة بین هذا الحکم العام الناظر للأغلبیة العظمى ووجود الأقلیات الدینیة آنذاک کالیهود والنصارى. أضف إلى ذلک فانّ الأقلیة الیهودیة کانت مهاجرة أتت إلى الحجاز من الشام، کما قدمت الأقلیة النصرانیة من الیمن، فهما لا تنتمیان إلى العرب. کما یحتمل أن یکون المراد بالکتاب، الکتاب السماوی غیر المحرف، الذی لم یکن موجودا آنذاک. أمّا ما قیل من أنّ المراد بالکتاب هنا هو القراءة والکتابة فیبدو بعیداً، لا سیما أنّ العبارة القادمة على الخلاف من ذلک.
أضف إلى ذلک فقد کا هناک من یحسن القراءة والکتابة آنذاک.
ثم واصل الإمام(علیه السلام) کلامه بتقسیم الناس ازاء الدعوة الإسلامیة إلى ثلاث طوائف: الطائفة التی تقبلت الإسلام بکل کیانها، واُخرى التی استجابت بعد جهود، والثالثة التی اعتمدت التعصب واللجاجة فوقفت بقوة بوجه الدعوة، فلم تتعاطف معها أبدا، وقد قضی علیها.
فقال(علیه السلام) بشأن الطائفة الاولى: «فقاتل بمن أطاعه من عصاه، یسوقهم إلى منجاتهم، ویبادر بهم الساعة أن تنزل بهم».
والمراد بالساعة فی هذه العبارة القیامة الصغرى یعنی الموت، لا القیامة الکبرى التی تقوم بعد نهایة العالم.
وقال بشأن الطائفة الثانیة: «یحسر الحسیر(1)، ویقف الکسیر، فیقیم علمه حتى یلحقه غایته».
ثم أشار إلى الطائفة الثالثة وهى الطائفة الضالة التی لایؤمل هدایته: «إلاّ هالکاً لا خیر فیه».
فما ورد فی الحدیث الشریف هو عین ماورد فی عبارة أمیرالمؤمنین(علیه السلام)، ثم عاد(علیه السلام) إلى أصل المطلب: «حتى أراهم منجاتهم وبوأهم محلتهم، فاستدارت رحاهم(2)، واستقامت قناتهم(3)».