معرفة اللّه عن اللّه

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم الثانیالراسخون فی العلم وتفسیر المتشابهات

أشار الإمام(علیه السلام) فی هذا الکلام إلى قاعدة کلیة مهمّة وخالدة فی فهم صفات الحق سبحانه وتعالى، بحیث لو انطلق الجمیع فی حرکتهم الفکریة من خلالها لما بقی هناک من اختلاف بما یرتبط بصفاته سبحانه، فقال(علیه السلام): «فانظر أیّها السائل فما ذلک القرآن علیه من صفته فأنتم به، واستضئ بنور هدایته، وما کلفک الشیطان علمه ممّا لیس فی الکتاب علیک فرضه، ولا فی سنة النبی(صلى الله علیه وآله) وائمة الهدى أثره; فکل عمله إلى اللّه سبحانه، فان ذلک منتهى حق اللّه علیک». فالواقع أنّ الإمام (علیه السلام) قد حدد وظیفة الجمیع فی ضرورة معرفة صفات اللّه بالاستناد إلى القرآن وسنة النبی(صلى الله علیه وآله) وهدى أئمة العصمة(علیهم السلام)، والابتعاد تماماً عن الاستبداد والتمسک بالرأی والتعویل على الأفکار الإنسانیة المحدودة بهذا الخصوص، فکل هذه الاُمور من وساوس الشیطان ومکائده. لأنّ صفات اللّه مطلقة کذاته لیست محدودة من جانب، ومن جانب آخر فانّ معارف الإنسان وعلومه إنّما تقتصر على المخلوقات، فاذا اتجهوا صوب صفات اللّه خشى علیهم السقوط فی مستنقع التشبیه على غرار صفات مخلوقاته، ومن هنا فانّ أغلب من ولى ظهره لهذا الأصل الأساسی المتمثل بالرجوع إلى القرآن والوحی وکلمات المعصومین(علیهم السلام)بُلی بالانحراف وإجراء صفات المخلوق على الخالق، من جهة اُخرى فهذا القرآن یهتف بأندیتنا صباح مساء: (لَیْسَ کَمِثْلِهِ شَیءٌ)(1) و(وَلا یُحِـیطُونَ بِهِ عِلْم)(2) فأنى للإنسان بهذا الفکر القاصر أن یطمع فی معرفة ذات اللّه وصفاته ولا یکتفی بمعرفته الإجمالیة على ضوء نور الوحی وهدى العصمة الذی ینأى به بعیدا عن الزلل. فلا یمکن معرفة اللّه إلاّ به، وهو کما عرف نفسه وصفاته. وهنا یبرز هذا السؤال: هل صفات اللّه توقیفیة؟

یعنى لا یجوز وصفه إلاّ من خلال ما ورد فی الکتاب والسنة؟

ونقول فی الإجابة على هذا السؤال نعم هذا ما علیه أغلب المحققین والعلماء الأعلام، إلى جانب ضرورة مراعاة الحیطة والحذر فی مبحث صفات اللّه والانفتاح علیها انطلاقاً من الوحی وکلمات المعصومین(علیه السلام). بعبارة اُخرى فانّ السبیل إلى معرفة اللّه وصفاته إنّما یمر عبر خط مستقیم یقع على جانبیه مطبین عظیمین; مطب التشبیه ومطب التعطیل.

وتوضیح ذلک: إنّ مبحث معرفة ذات اللّه وصفاته کسائر المباحث التی اکتنفها الإفراط والتفریط. فقد شبه البعض صفات اللّه بصفات مخلوقاته، حتى اعتبروا صفاته سبحانه زائدة على ذاته على غرار صفاتنا الزائدة على ذاتنا من قبیل العلم والقدرة وسائر الصفات، فقد کنا لانعلم یوماً ثم أصبح لنا علم، ولم نکن أقویاء ثم أصبحنا کذلک، وهکذا اعتقدوا اشتماله سبحانه على هذه الصفات المشوبة بأنواع النقص، ثم اندفعوا أکثر من ذلک لیصوروا له سائر ما لخلقه من جسم وزمان ومکان وجهة، بل وید ورجل وشعر مجعد وأمثال ذلک.

بینما خالف البعض الآخر هذا الاتجاه تماماً حتى قال بتعطیل معرفة صفات اللّه، فزعم أننا لانعرف شیئاً عن صفات اللّه ولا یسعنا ادراکها، وکل ذلک حذراً من التورط فی مستنقع التشبیه الذی هوى فیه الفریق الأول.

والحق أنّ الفریقین الأول والثانی على خطأ، فهما لم یستضیئا بنورالوحی وهدى أئمة العصمة(علیهم السلام)، ومن هنا غرقا فی هالة من الظلام الدامس والجهل المطلق. ولو التزما وصیة أمیرالمؤمنین علی(علیه السلام) لما قالا بالتعطیل ولا التشبیه، ولا قتنعا بالمعرفة الإجمالیة ـ التی وردت فی العبارات القادمة من هذه الخطبة ـ ولرکنا إلى القرآن وکلمات المعصومین(علیهم السلام)لیصونا أنفسهما من الزلل والانحراف ولاکتفیا بما وردت عنهم(علیهم السلام) من کلمات فی صفاته سبحانه، دون أن یحکموا عقولهم القاصرة بهذا المجال فلیس للعقل من فعالیة تذکرفی هذا الخصوص دون الاستناد إلى الوحی ومعادنه الواضحة، فالحق أنّ هذا الوادی خطیر فلا ینبغی أن یقتصوه، وأنّه بحر لجى لا ینبغی لسهم أن یلجوه. فهى ظلمات بعضها فوق بعض ولا یمکن اختراقها الا بمعونة من کشفت له.

جدیر بالذکر أنّ الإمام(علیه السلام) عبر عما ورد فی القرآن بالفرض وسنة المعصومین(علیهم السلام) بالأثر، ولعل هذا الاختلاف فی التعبیر بینها یشیر إلى حقیقة وهى لزوم ووجوب التعرف على ما جاء فی القرآن فی باب صفات اللّه سبحانه. وما وصل عن المعصومین(علیهم السلام)إنّما هو مبین ذلک الذی جاء فی القرآن.

ثم أشار الإمام(علیه السلام) إلى نقطة بالغة الأهمیة وهى هدایة الراسخین فی العلم عن الانحراف فی معرفة الحقائق القرآنیة وذلک لتسلیمهم واقرارهم بما خفی عنهم، فاذعنوا لعجزهم عن الخوض فیما غاب عن علمهم. فمدح اللّه سبحانه هذا الاذعان والاعتراف «واعلم ان الراسخین فی العلم هم الذین اغناهم عن اقتحام السدد المضروبة دون الغیوب، الاقرار بجملة ما جهلوا تفسیره من الغیب المحجوب فمدح اللّه تعالى اعترافهم بالعجز عن تناول ما لم یحیطوا به علماً، وسمى ترکهم التعمق فیما لم یکلفهم البحث عن کنهه رسوخاً»، ثم أوصى(علیه السلام) بالاکتفاء والقناعة بهذا المقدار دون تحکیم العقل فی الاحاطة بعظمة اللّه; الأمر الذی یؤدی إلى الهلاک «فاقتصر على ذلک، ولا تقدر عظمة اللّه سبحانه على قدر عقلک فتکون من الهالکین». فالواقع هو أنّ الإمام(علیه السلام) قد حذر ذلک السائل الذی سأل عن صفات اللّه فی أنّ صفات الله ـ وعلى غرار کنه ذاته ـ لیست میسرة لأی من الناس; وذلک لأنّها غیر محدودة، بینما محدود هو الإنسان فی وجوده وذاته وعلمه، لیس للمحدود أن یحیط بکنه وحقیقة الذات والصفات اللامحدودة. وبناءاً على ماسبق فالسبیل الوحید فی مثل هذه الاُمور هو الاکتفاء بالمعرفة الإجمالیة، ونعنى بذلک الوقوف على هذا الأمر من خلال آثاره سبحانه التی ملأت عالم الوجود، دون إدعاء معرفة کنه الذات، فنقف على علمه سبحانه وقدرته وسائر صفاته على نحو الإجمال دون الاحاطة بهذا العلم والقدرة وما إلى ذلک من الصفات، من خلال تأمل النظام العجیب والمذهل الذی یسود عالم الوجود. ولا بأس هنا بالاستعانة بهذا المثال من عالم المخلوقات; فاننا نعلم بوجود ذات وصفات أغلب موجودات وکائنات عالم الخلقة، بینما لانعلم کنهها وحقیقتها. کما نعلم بوجود الزمان والمکان الذان یجریان على حیاتنا، ولکن ماحقیقة الزمان والمکان؟ هذا هو الموضوع الذی عجز عن إدراکه کبارالفلاسفة فقدموا لهما عدّة نظریات. کلنّا نعلم بوجود الجاذبیة و نلمس آثارها إلاّ أنّ أحد لا یعرف ماهى حقیقة الجاذبیة؟ فهل هى أمواج خاصة؟ أم ظاهرة مجهولة تؤثر من مسافات بعیدة؟ وأوضح من ذلک أننا ندرک جمیع الأشیاء بعقولنا، لکن ماحقیقة العقل؟ لیس هناک من إجابة واضحة فالواقع هو أننا نکتفی بالمعرفة الإجمالیة فی أغلب ظواهر عالم الممکنات دون العلم التفصیلی بها، وعلیه فلیس من الغرابة أن نتعرف سطحیا على نحو الإجمال على ذات وصفات الحق سبحانه واجب الوجود دون أن یکون لنا علم تفصیل بها.

وعلیه فمن الواضح أنّ الاصرار على إدراک کنه هذه الذات والتعمق فی الصفات امّا أن تزید من حیرتنا وذهولنا، أو أن تقذف بنا فی متاهات الضلال ومستنقع التشبیه و تشبیه الخالق بالمخلوق; و هو الهلاک المعنوى الذی حذر منه الإمام(علیه السلام) بقوله: «فتکون من الهالکین».


1. سورة الشورى/11.
2. سورة طه/110. 

 

القسم الثانیالراسخون فی العلم وتفسیر المتشابهات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma