زوال حکومة بنی أمیة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم الثانیالقسم الثالث

صرح أغلب شرّاح نهج البلاغة بأنّ هذا المقطع من الخطبة ـ والذی یبدو أنّ هناک حذف بینه وبین القسم الأول، جریا على عادة السید الرضی فی اقتطاف بعض کلمات الإمام(علیه السلام) ـ فی بنی أمیة، والشاهد على ذلک أن اسمهم ورد صراحة فی أواخر هذا القسم، بینما یرى جمع من شرّاح نهج البلاغة أنّ المخاطب هو من تبقى من الصحابة والتابعین، وذیلها فی بنی أمیة، والعبارات التی استهل بها هذا القسم إنّما تؤید المعنى الثانی; لأنّ هذه العبارات تبین أن الإمام(علیه السلام) إنّما عاتب أفرادا لم یکن یتوقع منهم الانحراف عن جادة الحق، ونعلم أنّ بنی أمیة طائفة ظالمة طیلة التاریخ معروفة بانحرافها عن الإسلام. على کل حال قال الإمام(علیه السلام): «فما احلولت(1) لکم الدنیا فی لذتها، ولا تمکنتم من رضاع اخلافه(2) إلاّ من بعد ما صادقتموها جائل(3) خطامها،(4) قلق(5) وضینه(6)».

المراد أنّکم تکالبتم على لذات الدنیا وزخارفها فی عهد عثمان وبعد الفتوحات الإسلامیة والتطاول على بیت المال، وهذا ماجعلکم تبتعدون عن الله، فقد انهمک الحکام بجمع الثروات، بینما انشغلت الاُمّة بدنیاها ولذاتها.

ومن هنا قال(علیه السلام) أنّ حرام الدنیا أصبح سهلاً یسیراً کالسدر الخالی من الشوک، بینما أصبح الحلال بعیداً غائب: «قد صار حرامها عند أقوام بمنزلة السدر المخضود، وحلالها بعیداً غیر موجود»، فقد انهال البعض على بیت المال فنهب ماشاء، ثم اتسعت هذه الأموال الحرام بین الناس.

العبارة «السدر المخضود» إشارة إلى أن نهی الله وتحریمه کالشوک تجاه لذات الدنیا المحظورة، أمّا الأفراد من عدیمی الورع والتقوى فهم لایکترثون للنواهی الإلهیة، والحرام عندهم کالسدر المخضود، وقد صرح ارباب اللغة أنّ شجرة السدر أنواع، لبعضها ثمار شدیدة الحلاوة فواحة العطر تفیض رائحته على ید الإنسان وثیابه إذا ما تناول منه.(7)

نعم فاصحاب الدنیا یبتلعون الأموال الحرام وکأنّها ثمار لذیذة کالسدر المنضد الذی قطع شوکه، ولا یلتفتون إلى أوامر الله ونواهیه، وبالطبع فانّ الحرام إنّما ینتشرویعم مثل هذا الوسط فلا یبقى للحلال من مکان.

ثم قال(علیه السلام): «وصاد فتموها والله، ظلاً ممدوداً إلى أجل معدود، فالأرض لکم شاغرة(8)، وأیدیکم فیها مبسوطة; وأیدی القادة عنکم مکفوفة، وسیوفکم علیهم مسلطة، وسیوفهم عنکم مقبوضة».

فهذه العبارات تبیّن أنّ الکلام هنا بخصوص فریق من المؤمنین من بقیة الصحابة والتابعین الذین لم یتمالکوا أنفسهم حین الاختبار الإلهی، فیمیلون حیثما مالت الریح.

فقد شغلتهم الدنیا وغرتهم بزینتها وزخرفها وبالطبع قد حصل هذا فی وقت لم یسع الإمام(علیه السلام) حتى فی زمان حکومته أن یصدهم عنه; وذلک لأنّهم غرقوا فی هذه الدنیا على عهد عثمان بالشکل الذی لم یبق معه من أمل لانقاذهم بسهولة.

ثم هددهم(علیه السلام) لیعلموا أن المسألة لیست بهذه السهولة وهناک الحساب الذی ینتظرهم، محذرهم قائلاً: اعلموا أنّ لکل دم شائراً، ولکل حق طالباً: «ألا وإن لکل دم ثائراً،(9) ولکل حق طالباً، وإن الثائر فی دمائنا کالحاکم فی حق نفسه، وهو الله الذی لایعجزه من طلب، ولا یفوته من هرب».

فاذا تأخر العذاب والانتقام الإلهی عن بعض العصاة المردة الذین یجاهرون بجنایاتهم، فهذا لایعنی نسیان هذه الأعمال الشائنة، أو قدرة هؤلاء الجناة على الفرار من مخالب العدل الإلهی.

والعبارة «إن الثائر فی دمائنا...» تعنی أنّ الثائر لدمائنا أهل البیت والتی تسفک بغیر حق هو الله سبحانه وتعالى، فهى تسفک فی سبیل الله ومن أجل إعلاء کلمته، فلا تشتمل هذه الدماء على جانب شخصی أو قبلی، وقطعاً أن مثل هذا الثائر لایعجزه شیء، ولایفوته شیء وهو بالمرصاد.

ثم حذر بنی أمیة قائل: «فاقسم بالله، یا بنی أمیة، عما قلیل لتعرفنها فی أیدی غیرکم وفی دار عدوکم».

إیّاکم والظن بأنّکم أن سفکتم دماء الأبریاء ولم ترحموا صغیراً وتوقروا کبیراً، ورسختم دعائم حکومتکم على الظلم والعدوان ونهب الأموال وقتل الناس، فانّ هذه الحکومة دائمة لکم! فسرعان ما ینهض لکم الأعداء ویسددوا لکم ضرباتهم الماحقة حتى یطیحوا بحکومتکم ویقضوا علیکم، بل سوف لن یرحموا حتى موتاکم، فسیخرجونهم من قبورهم ویحرقون أجسادهم.

ویشیر التأریخ إلى تحقق کل ما أخبر به الإمام(علیه السلام)، وقد مر شرح ذلک فی الخطبة 87.(10)

ثم إختتم الکلام بقوله(علیه السلام): «ألا إنّ أبصر الأبصار ما نفذ فی الخبر طرفه! ألا إنّ أسمع الاسماع ما وعى التذکیر وقبله».

أی إن کان لکم بصر وسمع مفتوح، لم تعد علیکم من صعوبة فی الظفر بسبیل الخیر والسعادة، غیر أنّه لمن المؤسف أن أهوائکم النفسیة وطغیانکم قد غطى أبصارکم وأسماعکم بالحجب، بحیث لایسعکم رؤیة الحق ولاسماع المواعظ.

جدیر ذکره سئل بعض شیوخ بنی أمیة عقیب زوال الملک عنهم:

ما کان سبب زوال ملککم؟ فقال: جار عمالنا على رعیتنا، فتمنوا الراحة منا، وتحومل على أهل خراجنا فجلوا عنا، وخربت ضیاعنا فخلت بیوت أموالنا، ووثقنا بوزرائنا فآثروا مرافقهم على منافعنا، وأمضوا أموراً دوننا، أخفوا علمها عنا، وتأخر عطاء جندنا فزالت طاعتهم عنا، واستدعاهم عدونا فظافروه على حربنا، وطلبنا أعداءنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا، وکان استتار الأخبار عنّا من أوکد أسباب زوال ملکنا.(11)

ونرى هنا یوضوح عمق ما أخبر به الإمام(علیه السلام) فی هذه الخطبة.


1. «احلولت» أصبحت حلوة من مادة «حلو».
2. «اخلاف» جمع «خلف» على وزن جلف حلمة ضرع الناقة.
3. «جائل» من مادة «جولان» تعنی فی الأصل إزالة الشی من مکانة، وتطلق على الحیوان الذی ینزل عنانه وینطلق اینما یشاء.
4. «خطام» ما یوضع فی أنف البعیر لیقاد به.
5. «قلق» من مادة «قلق» الاضطراب وتحریک الشیء.
6. «وضین» بطان عریض منسوج من سیور أو شعر یکون للرحل کالخرام للسرج.
7. لسان العرب، مادة سدر.
8. «شاغرة» من مادة «شغور» خالیة.
9. «ثائر» من مادة «ثأر» على وزن قعر «وقد بُدلت الهمزة بألف. و «ثأر» تقرأ على وزن غار.
وفی الاصل جاءت بمعنى الثأر والانتقام، وتأتی أحیانا بمعنى الدم، وهو کنایة عن الثأر أیضاً.
وتعبیر «ثاراللّه» اُطلق على الإمام الحسین والإمام على(علیهما السلام) «یا ثاراللّه وابن ثاره»، ومعنى ذلک ان ثأر هذین الامامین لا یتعلق بعائلة او قبیلة، بل یرتبط باللّه سبحانه وتعالى وبکل بنی الانسان فی هذا العالم.
10. المجلد الثالث من هذا الکتاب فی الخطبة 87; ج 4 الخطبة 93.
11. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 7/136. 
القسم الثانیالقسم الثالث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma