خلق السموات

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم التاسع خصائص السماوات

أشار الإمام(علیه السلام) فی المقطع السابق من هذه الخطبة إلى الکلیات فی تدبیر عالم الخلق والقوانین التی تسوده، إلى جانب تنوع الموجودات وکثرتها. ویخوض(علیه السلام) فی هذا الجزء من الخطبة والجزء القادم فی جزئیات ذلک. فیتعرض بصورة عمیقة بعیدة المعنى لخلق السموات والملائکة والأرض والعالم السفلى وخلق آدم وما إلى ذلک. فقد استهل کلامه بادئ ذى بدء بخلق السموات فقال(علیه السلام): «ونظم بلا تعلیق رهوات(1) فرجها، ولاحم(2) صدوع(3) انفراجها» فالواقع هو أنّ الإمام(علیه السلام) قد أشار بالعبارة الاولى إلى ما ورد فی القرآن الکریم: (اللّهُ الَّذِی رَفَعَ السَّمـواتِ بِغَیْرِ عَمَد تَرَوْنَه)(4) ویصرح علماء الفلک بان الکرات السماویة منفصلة عن بعضها وأنّ التوازن القائم بین القوة الجاذبة والطاردة هى التی تبقى على کل واحدة فی موضعها. بینما أشارت العبارة الثانیة إلى إرتباط أجزاء کل کرة وتماسکها مع بعضها. وعلیه فلیس هنالک من تضاد بین العبارتین «ونظم بلا تعلیق رهوات فرجها، ولاحم صدوع انفراجها». فالاولى ناظرة للکل والاخرى للأجزاء (ووحدة الضمائر هنا لا تسبب أى اشکال، لأنهما تعودان إلى السموات، أحدهما إلى المجموع والآخر إلى الجزاء) (لابدّ من الدقة والتمعن هنا).

ثم أشار فی العبارة الثالثة إلى الرابطة بین الکرات السماویة القرینة لبعضها، فقال(علیه السلام): «ووشج(5) بینها وبین أزواجها»یمکن أن تکون هذه العبارة إشارة إلى منظومات العالم العلوى المتألف من کرات شبیهة لبعضها إلى جانب النظام الذی کل کرة(6) ثم أشار(علیه السلام) فی العبارة الرابعة إلى طرق هبوط وصعود الملائکة إلى السموات: «وذلل للهابطین بأمره، والصاعدین بأعمال خلقه، حزونة معراجها»(7).

وهنا یتبادر هذا السؤال: هل الملائکة وجودات مادیة ولها صعود وهبوط مادى من وإلى السموات، أم أنّ المراد بهذا الصعود والهبوط هو الصعود والهبوط المعنوی؟ هنالک عدّة أقوال لشرّاح نهج البلاغة بهذا الخصوص.

ظاهر هذه العبارات الواردة فی الخطبة وأغلب الروایات والأخبار والآیات القرآنیة، أنّ الملائکة وجودات نوریة لها بعد جسمی رغم لطافتها التی تحول دون قدرتنا على مشاهدتها، وعلى هذا الأساس یجوز علیها الصعود والنزول والذهاب والایاب. وسنخوض أکثر فی هذا الموضوع فی المقطع القادم من الخطبة بأذن اللّه السؤال الآخر الذی یطرح نفسه هنا: هل هناک من مکان یضم اللّه فی السموات لتهبط منه الملائکة فتوصل الرسالات والأوامر ثم تصعد إلیه باعمال العباد؟ قطعاً لا یمکن تصور مثل هذا الأمر على الحق سبحانه الذی یفوق عالم المادة ولا یجری علیه زمان ولا یحویه مکان ولا یترکب من أجزاء. اذن فما معنى هذا الصعود والهبوط؟ یبدو أنّ الإجابة على هذا السؤال تتضح من خلال الالتفات إلى هذه المسألة الدقیقة وهى: صحیح أنّ السموات والأرضین مخلوقات اللّه، إلاّ أنّ هناک بعض المراکز فی هذا العالم المادی التی تعد من مواضع إنعکاس الأنوار الإلهیة. أو بعبارة اُخرى هناک بعض المواضع التی لها قداسة خاصة. على غرار الأرض التی لا تتساوى جمیع بقاعها. على سبیل المثال فقد اتجه موسى بن عمران(علیه السلام) إلى الطور حین أراد أن یأخذ الألواح، کما کان نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) یتجه قبیل انبثاق الدعوة إلى غار حراء; والحال هذان الموضعان لیسا باقرب من غیر هما إلى اللّه، إلاّ أنّ قدیسة بعض المواضع تجعلها أعظم اشعاعاً للأنوار الإلهیة کالطور وحراء والمسجد الحرام. وهکذا الأمر بالنسبة للملائکة، فهناک بعض المراکز القدسیة فی العالم العلوى تتسلم فیها الملائکة الأوامر الإلهیة، وهى المراکز التی بلغها رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) فی معراجه، بل جاوزها لما هو أقرب لیفیض اللّه علیه من لطفه وعنایته، وهناک تستودع الأعمال الخیرة للعباد وتحفظ إلى یوم القیامة.

ثم خاض الإمام(علیه السلام) فی تفاصیل ما أورده سابقا على نحو الاجمال، حیث عرض بالشرح بخمس عبارات لمراحل خلق السموات. فأشار فی العبارة الاولى إلى أمره (ویراد به الأمر التکوینی لا جتیاز مراحل الخلقة والتکامل) السماء حین کانت على هیئة دخان «وناداها بعد إذ هى دخان» فهذه العبارة فی الحقیقة أشارت إلى أولى مراحل خلق العالم التی تعرضت لها الآیة من سورة فصلت (ثُمَّ اسْتَوى إِلى السَّماءِ وَهِىَ دُخانٌ)(8) وهو الأمر الذی یقره العلم المعاصر فی أنّ العالم برمته کان فی البدایة کتلة عظیمة جداً من الغاز. وقال فی العبارة الثانیة (حیث وردت الخلقة مرحلة جدیدة) «فالتحمت عرى أشراجها».

فبالنظر إلى أنّ معنى الالتحام هو الوصل، والعرى جمع عروة بمعنى المقبض، والاشراج جمع شرج بمعنى الشق. فانّ مفهوم الجملة المذکورة هو أنّ اللّه ضغط تلک الکتلة العظیمة للدخان. ثم أدال الشقوق وربط أطرافها مع بعضها، وکأنّ هذه الشقوق کالصنادیق التی تغلق مقابضها وتوصل مع بعضها لحفظ ما فیها. والعبارة تتفق و ما توصل إلیه العلم الحدیث الذی صرح بضغط کتلة الغاز بفعل الجاذبیة الداخلیة. ثم واصل کلامه(علیه السلام) حول فصل السموات عن بعضها وفتح أبوابها المؤصدة (وقد جعل مسافة بینها) «وفتق بعد الارتقاء صوامت أبوابها». ولعل هذه العبارة إشارة إلى ما توصل إلیه العلماء الذین یعتقدون أنّ تلک الکتلة الغازیة الهائلة قد شهدت انفجارا داخلیا عظیما لتتلاشى وتظهر منها الکواکب والمجرات. وعلى ضوء الفرضیة الاخرى فان بعض أجزائها أخذت بالانفصال عن البعض الآخر إثر حرکتها الدورانیة الشدیدة والقوة الطاردة عن المرکز، فابتعدت عن بعضها البعض فی هذا الفضاء لتتشکل منها الأجرام السماویة. فقد قال القرآن الکریم بهذا شأن (أَوَ لَمْ یَرَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّ السَّمـواتِ وَالأَرضَ کانَتا رَتْقاً فَفَـتَقْناهُم)(9).

ثم أشار فی العبارة الرابعة إلى خلق الشهب السماویة (التی تشاهد فی السماء على هیئة خطوط من النور تتحرک بسرعة) ثم تنطفئ، فقال(علیه السلام): «وأقام رصدا من الشهب الثواقب على نقابها»(10).

لابدّ من الالتفات هنا إلى أنّ الرصد على وزن الصدف ذات معنى مصدرى فی الأصل وتعنى الاستعداد والتأهب لمراقبة الشی وحراسته. کما تطلق على الفاعل وتستخدم فی المفرد والجمع. ونقاب جمع نقب بمعنى الطریق أو الفاصلة بین شیئین. وعلیه فالعبارة تعنى أنّ اللّه زود طرق السموات بهذه الشهب لتحول دون نفوذ الشیاطین إلى السموات; الأمر الذی أشیر إلیه کرارا فی عدة آیات من القرآن الکریم، ومن ذلک الآیة الثامنة من سورة الصافات «لایسمعون إلى الملأ الأعلى ویقذفون من کل جانب دحوراً ولهم عذاب واصب إلاّ من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب»، فالذی یستفاد إجمالاً من هذه الآیات وسائرها الواردة بهذا الشأن أنّ هناک أحادیث تدور فی العالم العلوى بین الملائکة المأمورة من قبل اللّه سبحانه فی إدارة شؤون العالم بشأن بعض الأخبار المهمة لهذا العالم، وأنّ الشیاطین تحاول أحیاناً الاقتراب من السماوات لاستراق السمع، إلاّ أنّ الشهب تدفعها عن السماوات.

طبعا صحیح أنّ الشهب على ضوء العلم الحدیث، لیست إلاّ صخوراً تائهة تشتعل حین تقترب من الکرة الأرضیة وتصطدم بها، إلاّ أنّ هذا لا یمنع أن تکون هذه الشهب ماُمورة بحراسة فضاء السماء من الشیاطین; وأنّ تعذرت علینا رؤیة الشیطان، وخفیت علینا على وجه الدقة حرکات الشهب (للوقوف بصورة أعمق على هذا الموضوع المهم، علیک بمراجعة الجلد 19 من التفسیر الأمثل ذیل الآیات المذکورة) ثم أشار فی العبارة الخامسة إلى موضوع مهم آخر ذا صلة بنظام کواکب السماء فی أن اللّه سبحانه أمسکها بید القدرة من الحرکات الطائشة فی الفضاء، وأمرها بالتسلیم لأمره: «وامسکهامن أن تمور(11) فی خرق الهواء بأیده(12)وأمرها أن تقف مستسلمة لأمره».

فالعبارة تنجسم تماما والعلم الحدیث الذی صرح بأنّ الکواکب والمنظومات والمجرات فی حالة حرکة حول مداراتها بفعل تاثرها بالقوة الجاذبیة المتناسبة مع کتلتها والقوة الدافعیة التی تظهر فیها من جراء الحرکة وقوة الطرد المرکزى، دون أن تستند إلى شی أو ادنى انحراف عن مدارتها. بعبارة اُخرى فان التوازن الدقیق للقوة الجاذبیة و الطاردیة لاتدعها تبتعد عن بعضها لتصبح کتلة واحدة. وقد یتضح هذا المطلب من خلال مفردة تمور (الحرکة الطائشة) وخرق الهواء. إلاّ أنّ بعض قدماء شرّاح نهج البلاغة الذین عاشوا أجواء نظریة الهیئة البطلیموسیة القائلة بالأفلاک التسع کقشور البصل، شهدوا بعض المشاکل فی تفسیر هذه العبارات، فاضطروا لحمل بعض الألفاظ المذکورة على معناها المجازى، والحال أنّ تفسیرها على ضوء الهیئة المعاصرة لم یعد خافیاً على أحد.

والعبارة «أمرها» و«لأمره» أشارة إلى معنیین; فالأمر فی بدایة العبارة الأخیرة یعنى الأمر الإلهی التکوینی، والأمر فی آخر الجملة یعنى قوانین الخلق. أی أنّ اللّه خلقها بهذا الشکل لتکون منقادة مستسلمة لهذه القوانین.


1. «رهوات» جمع «رهوة»، قال بعض أرباب اللغة (کتاب العین) تعنى المرتفع فوق الجبال، بینما فسرها أغلب أرباب اللغة على انها من مادة «رهو» على وزن سهو بمعنى المکان الخالى والمفتوح. والانسب أن یکون معناها فی الخطبة النقاط المفتوحة. وأخیر اعتبرها البعض من الأضداد; أی تعنی المکان المرتفع والمنخضض أیضاً.
2. «لاحم» من مادة «لحم» بمعنى ملأ فراغ الشی، مایصطلح علیه باللحیم، ولعل أصلها اللحم الذی یملأ الفاصلة بین العظام.
3. «صدوع» جمع «صدع» على وزن حرف بمعنى الشق.
4. سورة الرعد/2.
5. «وشج» من مادة «وشج» على وزن نسج أى شبک.
6. فسّر البعض «الأزواج» هنا بمعنى الأرواح (النفوس الفلکیة) وترمز إلى عقیدة بعض الفلاسفة الذین یرون لکل فلک روحا مجردة، إلاّ أنّ الانصاف هو عدم ثبوت هذه النظریة بدلیل واضح، کما لا تدل العبارة المذکور على هذا الأمر.
7. «حزونة» (ولها معنى المصدر واسم المصدر) بمعنى الصعوبة، وقدوردت فی الخطبة بمعنى المشاکل والصعاب.
8. لابدّ من الالتفات هنا إلى أنّ ثم الواردة فی الآیة تعنى التأخیر فی البیان لا الزمان. وعلیه فهى لا تدل على أنّ خلق السموات جاء بعد خلق الأرض (راجع التفسیر الأمثل/11 من سورة فصلت).
9. سورة الأنبیاء/30.
10. المراد بالرؤیة هنا تلک التی تحصل عن طریق الفکر والتأمل، لا عن طریق المشاهدة الحسیة; وذلک لأنه لم یکن الإنسان فی ذلک الزمان کما احتمل فی تفسیر هذه الآیة ان المراد من رتق السموات عدم وجود المطر ونمو النباتات، والمراد بفتقها هو نزول المطر ونمو النباتات.
11. «تمور» من مادة «مور» على وزن قول بعدّة معانی فی اللغة ومنها الحرکة السریعة والغبار الذی تبعثره الریاح هنا وهناک، والذی یستفاد من تعبیرات أرباب اللغة أنها تعنى الاضطراب فی الهواء.
12. «أید» على وزن صید بمعنى القدرة والنعمة، وجاء فی القرآن ذا الأید بمعنى صاحب القوة وهذا هو المعنى المراد بها فی الخطبة.  

 

القسم التاسع خصائص السماوات
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma