سرعة زوال الدنیا

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم الثانیالقسم الثالث

بعد أن حمد الإمام(علیه السلام) الله وأثنى علیه شرع فی هذا المقطع من الخطبة حث الناس على الزهد فی هذه الدنیا بعبارات نافذة مؤثرة، إلى جانب تصویره لتفاهة هذه الدنیا فقال(علیه السلام): «عباد الله أوصیکم بالرفض(1) لهذه الدنیا التارکه لکم وان لم تحبوا ترکها».

ویالها من فاجعة ان یسعى الإنسان بکل کیانه وذاته نحو معشوق یسعى بکل ما أوتی من قوة للهروب منه! فقد قال(علیه السلام): إذا کانت الدنیا تارکة لکم فاترکوها، وان شق ذلک على أهوائکم ورغباتکم، وذلک امتثالاً لقوله سبحانه: (وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَیْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَکُمْ)(2)، فلعل هناک بعض الاُمور التی تبدو حسنة الظاهر یحبها الإنسان، بینما تستبطن السم الزعاف.

ثم قال(علیه السلام): «والمبلیة(3) لأجسامکم وإن کنتم تحبون تجدیدها».

فکل فرد یلاحظ على نفسه آثار العجز والتعب بمرور الزمان من قبیل ذهاب النشاط والحیویة وذبول الجلد وضعف العظام وضعف البصر وثقل السمع وتمتمة اللسان وانحناء الظهر وضعف العضلات والاعصاب وما إلى ذلک من الاُمور التی تؤرق الإنسان وتجعله یشعر بالاسى والحزن. ومن هنا یسعى احیانا وبشتى الوسائل لا ستعادة حیویته ولکن هل یصلح العطار ما أفسد الدهر، طبعاً قد یحقق بعض النجاحات الطفیفة فی هذا المجال، إلاّ أنّ هناک مسیرة لابدّ له من اجتیازها والوصول إلى مصیره المحتوم، فهل من الصحیح أن یولی الإنسان ظهره لکل هذه الاُمور ویتعلق بالدنیا؟! الجدیر بالذکر أن الدنیا لاتبلی الکائنات الحیة ولاسیما بدن الإنسان فحسب، بل یشمل هذا القانون عالم المادة برمته من المجرات حتى الذرات. بل حتى هذه الشمس المشرقة التی تبعث بأشعتها إلى کل مکان إنّما تبلى بالتدریج حتى تنتهی یوماً إلى الزوال; الأمر الذی أشار إلیه القرآن الکریم «تکویر الشمس» وأیده العلم الحدیث.

ثم قال(علیه السلام): «فانما مثلکم ومثلها کسفر(4) سلکوا سبیلاً فکأنّهم قد قطعوه، وأمو(5) علماً فکأنّهم قد بلغوه، وکم عسى المجری(6) إلى الغایة أن یجری إلیها حتى یبلغها».

ثم أکد ذلک(علیه السلام) بقوله، کیف یمکن أن یؤمل البقاء من کان له یوم لابدّ من بلوغه ولایمکنه تجاوزه، والموت یجری خلفه لیسوقه إلى حتفه وان کان کاره: «وما عسى أن یکون بقاء من له یوم لا یعدوه، وطالب حثیث(7) من الموت یحدوه(8)، ومزعج(9) فی الدنیا حتى یفارقها رغم(10)».

فالعبارات بمجموعها تکشف النقاب عن ذات الحقیقة وهى تقلب الدنیا وانعدام قیمتها; الحقیقة التی یغفلها أغلب الناس، فتقودهم هذه الغفلة إلى البؤس والشقاء والحرمان من السعادة.

ثم یخلص الإمام(علیه السلام) من هذا البحث بشأن تفاهة الدنیا إلى نتیجة ینبغی أن یبلغها الجمیع، وهى مادامت الدنیا کذلک فلا ینبغی اضاعة الجهود من أجل الحصول على مفاخرها الزائفة وعزتها الموهومة، کما لاینبغی الانخداع بزینتها وزخارفها الزائلة، ولاینبغی الشعور بالامتعاض والغصة على آلامها وأحزانه: «فلا تنافسو(11) فی عز الدنیا وفخرها، ولا تعجبوا بزینتها ونعیمها، ولاتجزعوا من ضرائها وبؤسها».

وذلک لأنّ فخرها آیل إلى الزوال ونعمتها إلى الفناء، وآلامها إلى انقضاء «فان عزها وفخرها إلى انقطاع، وان زینتها ونعیمها إلى زوال، وضراءها ویؤسها إلى نفاد(12)، کل مدة فیها إلى انتهاء، وکل حی إلى فناء».

فقد رکز الإمام(علیه السلام) فی هذه العبارات الرائعة على عزة الدنیا وفخرها ونعمها وزینتها وآلامها ومصائبها، لیرى فناء کل شیء فیها وزواله، ثم عرض لقانون کلی إلى أنّ کل عز فیها إلى انقطاع وزینة ونعیم إلى زوال وضراء وبؤس إلى نفاد وکل مدة فیها إلى انتهاء، وکل حی فیها إلى فناء; فاذا کان الأمر کذلک فما معنى کل هذا النزاع والتنافس والجزع؟! فقد صرح أحد شرّاح نهج البلاغة بأن الماضین قد ذهبوا وأصبحوا ترابا واننا لنطى ترابهم ثم نکون مثلهم، ثم یعبر علینا الآخرون من بعدنا. ومع کل هذا لا نفیق من غفلتنا!! وما أروع حدیث الإمام الباقر(علیه السلام) الذی شبه نعم الدنیا بالمال الذی یراه النائم فان نهض من نومه لم یر شیئ: «أو کمال وجدته فی منامک، فاستیقظت ولیس معک منه شیء»(13).

أو کما صورها الشاعر:

ألا إنّما الدنیا کمنزل راکب *** أناخ عشیاً وهو فی الصبح راحل

وکل شباب، أو جدید إلى البلاء *** وکل امرء یوماً إلى الله صائر


1. «رفض» تعنی فی الأصل ترک الشیء، ومن هنا سمیت الشیعة بالرافضة لترکها الخلفاء الثلاثة، وقیل استعملت هذه المفردة لأول مرة على عهد زید بن علی، حیث نهاهم زید عن سب الشیخین، ولهذا ترکوه.
2. سورة البقرة/216.
3. «مبلیة» من مادة «بلاء» منهکة.
4. «سفر» جمع «مسافر» بمعنى مسافر.
5. «أموا» من مادة «أم» على وزن غم القصد.
6. «مجرى» من مادة «اجراء» کنایة عن المسافر، وقد وردت فی تفسیره عدة أقوال، الأنسب ما أوردناه فی المتن.
7. «حثیث» من مادة «حث» بفتح الحاء السرعة فی العمل.
8. «یحدو» من مادة «حدى» یسوق.
9. «مزعج» من مادة «ازعاج» السوق والاضطراب والاجتثاث.
10. «رغم» بمعنى الاجبار، ومنه تمریغ الأنف بالتراب حین یضاف للأنف فیقال رغم أنفه.
11. «تنافسوا» من مادة «تنافس» بمعنى بذل الجهد والسعی، ومحاولة شخصین او مجموعتین للحصول على شیء نفیس.
12. نفاد بمعنى الفناء والزوال.
13. بحارالانوار 70/36. 
القسم الثانیالقسم الثالث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma