أنا فقأت عین الفتنة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم الاوّلالقسم الثانی

بعد أن حمد الإمام(علیه السلام) الله وأثنى علیه خاطب الناس قائل: « أمّا بعد حمدالله، والثناء علیه، أیها الناس! فانى فقأت(1) عین الفتنة، ولم یکن لیجترىء علیها أحد غیری بعد أن ماج غیهبه(2) واشتد کلبه(3)».

وقد اختلفت أقوال الشرّاح فی المراد بهذه الفتنة، فقد ذهب البعض إلى أنّ المراد بها وقعة الجمل، حیث أصابت فیه الحیرة السذج من الأفراد وحتى من لم یکن یمتلک الإیمان والعلم العادی، فی أنّه هل یجوز قتال فئة تنتحل الإسلام ظاهرا و هى من أهل القبلة؟ کیف وفیها بعض کبار الصحابة کطلحة والزبیر، وکذلک زوج رسول الله(صلى الله علیه وآله) عائشة، وناهیک عما سبق فاذا تمت الحجة ونشبت الحرب، فهل یمکن السیطرة على أموالهم کغنائم؟ وکیف سیعامل أسراهم؟ إلاّ أنّ الإمام(علیه السلام) کان یعلم بأنّ هذا النقض للعهود والمواثیق، وشق عصا الاُمّة وتمزیق وحدتها، إذا استمر فانّ الفتنة ستعم کافة البلاد الإسلامیة حتى لایبقى من الإسلام إلاّ اسمه، ومن القرآن إلاّ رسمه وستطمس معالم الدین. فبذل الإمام(علیه السلام) بادىء الأمر قصارى جهده من أجل اتمام الحجة محذرا الطرف المقابل من العواقب الوخیمة وذلک من خلال الکتب والرسل التی کان یبعث بها إلیهم، فلما لم یستجیبوا، لم یکن أمام الإمام(علیه السلام) من سبیل إلا القتال، ومن هنا واجههم الإمام(علیه السلام)بتلک الشدة والصرامة حتى أخمد فتنة الجمل، بینهما ذهب البعض الآخر إلى أنّ المراد بها فتنة الخوارج من النهروان لأن ظاهر الخوارج کان یتصف بنوع من الصلاح والقدسیة، رغم انحرافهم الباطنی وحماقتهم وجهلهم بالتعالیم الإسلامیة، بینما کانوا یولون عنایة فائقة لأدنى المستحبات والمندوبات، ولذلک تردد الکثیر من السذج فی قتالهم، بینما نهض الإمام(علیه السلام)بالأمر لیواجه هذه الفتنة ویفقأ عینها، کما ذهب بعض الشرّاح إلى أنّ المراد بها الفتنة بمفهومها العام، حیث یعتقدون أنّ هذه الفتن قد بدأت على عهد رسول الله(صلى الله علیه وآله)فی موقعة بدر واستمرت فی سائر الغزوات، ثم استفحلت وتفاقم خطرها بعد رسول الله(صلى الله علیه وآله)، ثم امتدت لتشتد فی زمان عثمان، فلما قتل وبایع الناس الإمام(علیه السلام) تجذرت هذه الفتنة لتتخذ أشکالاً اُخرى، لیواجهها الإمام(علیه السلام) بالسیف أحیاناً، وبالصبر والتحمل والتحذیر والنذیر أحیاناً اُخرى ولکن یبدو تفسیرها بالجمل أنسب من غیره أمّا التعبیر: «عین الفتنة» فیفید أنّ الإمام(علیه السلام)قد شبه الفتنة بشبح وحشی کاسر، وإذا فقأت عینه سلبت قدرته وحیویته، کما تشیر إلى أنّ الإمام(علیه السلام) کان یتجه فی مجابهته للفتنة إلى مراکزها الأصلیة ورموزها الأساس، ولایقصد العناصر الثانویة هناوهناک، فالفتنة تزول إذا مازال مرکزها; وهذا هو الطریق الافضل الذی ینبغی اتخاذه فی مواجهة الفتن والدسائس. ثم تطرق الإمام(علیه السلام) إلى مسألة ذات أهمیة بالغة جدا فقال(علیه السلام): «فاسألونى قبل أن تفقدونی». کما ذکر سابقا فقد قال المحققون لم یکن لیقول هذا الکلام غیر علی بن أبی طالب، و ذلک لأنه کان واسع العلم بأحداث الماضی و الحاضر و المستقبل بحیث یجیب یرد على کل سؤال بشأن المعارف و الأحکام، و هو العلم الذی تعلمه من رسول الله(صلى الله علیه وآله) الذی أخذه عن الوحی.

قال الشارح المعتزلی روى صاحب کتاب الاستیعاب عن جماعة من الرواة والمحدثین قالوا لم یقل أحد من الصحابة عنهم سلونی إلاّ علی بن أبی طالب، وقال أبو جعفر الاسکافی فی کتاب نقض العثمانیة: لیس لأحد من الناس أن یقول على المنبر سلونی إلاّ علی بن أبی طالب(علیه السلام).

وقیل إنّ ابن الجوزی قال یوماً على منبره: سلونی قبل أن تفقدونی، فسألته أمرأة عما روى أنّ علیاً سارفی لیلة إلى سلمان فجهزه ورجع، فقال: روى ذلک، قالت: فعثمان ثم ثلاثة أیام منبوذاً فی المزابل وعلی(علیه السلام) حاضر، قال: نعم، فقالت: قد لزم الخطاء لأحدهما، فقال: ان کنت خرجت من بیتک بغیر اذن زوجک فعلیک لعنة الله وإلاّ فعلیه، فقالت: خرجت عائشة لحرب علی باذن النبی(صلى الله علیه وآله) أم لا؟ فانقطع ولم یحر جواب(4) ثم قال(علیه السلام): «فو الذی نفسی بیده! لاتسألونی عن شیء فیما بینکم وبین الساعة، ولاعن فئة تهدی مئة وتضل مئة إلاّ أنبأتکم بناعقه(5) وقائدها وسائقها، ومناخ(6) رکابها، ومحط رحالها، ومن یقتل من أهلها قتلاً، ومن یموت منهم موتاً» ربّما یتکهن الکثیر من الناس بصورة کلیة ومبهمة عن بعض حوادث المستقبل، وهذا ما نلمسه بوضوح لدى الساسة الذین یتکهنون ببعض الاُمور التی قد تصیب وقد تخطىء. إلاّ أنّ أحداً لم یتمکن بالتکهن بدقائق الاُمور وأدنى التفصیلات وبالنسبة لتلک الأزمان البعیدة، إلاّ لمن ارتبط بمصادر الوحی واستند إلى المدد الإلهی والعلم المطلق.

والعجیب فی الأمر أنّ الإمام(علیه السلام) أکد فی هذه العبارة أنی أستطیع أن أخبرکم بکافة الحوادث القادمة إلى یوم القیامة من جانب، ومن جانب آخر أشار إلى جزئیات هذه الحوادث وتفاصیلها. الأمر الذی لا یتیسر إلاّ للنبی ومن یستقی علومه ومعارفه منه، وهنا یبرز هذا السؤال: هل للنبی أو الإمام العلم بالغیب، وبهذه السعة والشمولیة، والحال هذا القرآن یصرح: (قُـلْ لا یَعْـلَمُ مَنْ فِـی السَّمـواتِ وَالأَرْضِ الغَـیْبَ إِلاّ اللّهُ)(7)، وتبدو الاجابة واضحة ومعروفة على هذا السؤال، على ضوء ما ورد فی الآیات القرآنیة، وکلمات الائمة(علیه السلام)ولاسیما الإمام(علیه السلام) فی أن علم الغیب بالذات مختص بالله سبحانه، والله سبحانه یطلع من یشاء من أولیائه على ذلک العلم، کما ورد ذلک فی الآیة 26 ـ 27 من سورة الجن: (عالِمُ الغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلى غَیْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُول)، وسیأتى عما قریب أنّ الإمام(علیه السلام) حین أخبرعن بعض الحوادث، فتبادر هذا السؤال إلى ذهن أحد الأفراد بشأن علم الإمام(علیه السلام)للغیب، ردّ علیه(علیه السلام) بالقول: «لیس هو بعلم غیب، وإنّما هو تعلم من ذی علم»، فی إشارة واضحة إلى أنّ الغیب الذاتی لله، وعلم الإمام(علیه السلام)إکتسابی، فقد تعلم جمیع هذه الاُمور من رسول الله(صلى الله علیه وآله) الذی تعلمها من الله سبحانه وتعالى (وسیمر علینا فی البحث القادم شرح هذا الکلام). على کل حال، لم یقل مثل هذا الکلام بعد رسول الله أحد سوى أمیرالمؤمنین، إلاّ أنّ الإمام أورد ذلک کراراً ومراراً لیقع عین ما کان یخبر به(علیه السلام).وقد أفرد ابن أبی الحدید فی شرحه لنهج البلاغة فصلاً أسماه الاُمور الغیبة التی أخبر عنها الإمام(علیه السلام)أورده فی ذیل هذه الخطبة، وسنشیر إلیه فی البحث القادم.

والعبارة: «ولاعن فئة تهدى مئة...» إشارة إلى أنّ الإمام(علیه السلام) لایخبر عن الجماعات الکثیرة والوقائع الخطیرة فحسب، بل یستطیع الأخبار عن صغائر الحوادث ببرکة ذلک التعلیم الإلهی. ثم أشار(علیه السلام) إلى نقطتین بهذا الشأن:

الاولى: لتشجیع أولئک على السؤال عن المسائل المصیریة، حذراً من ندمهم یوماً حین تضطرب علیهم الاُمور فیحل مشاکلهم: «ولو فقدتمونی ونزلت بکم کرائه(8) الاُمور، وحوازب(9) الخطوب، لأطرق کثیر من السائلین، وفشل کثیر من المسؤولین» أی أسألونی مادمت بینکم، فلیس لأحد بعدی أن یرد على ما یدور فی أذهانکم، آنذاک لیس لکم سوى الندم.

الثانیة: إشارة إلى الأزمات والخطوب المرتقبة، لیستعدوا لها، کما تبشر من جانب آخر الأخیار والصالحین بالفتح «وذلک إذا قلصت(10) حربکم، وشمرت(11) عن ساق، وضاقت الدنیا علیکم ضیقاً، تستطیلون معه أیام البلاء علیکم، حتى یفتح الله لبقیة الأبرار منکم»، فالإمام(علیه السلام)أشار ـ إلى سیطرة الجناة من حکام بنی أمیة وسیطرتهم على مقدرات الاُمّة الإسلامیة وغصب أموالها، ولیس لمن یقف بوجههم سوى الضربات الماحقة الشدیدة، والحق أنّ جرائمهم وجنایاتهم لتفوق الخیال والتصور، وما أروع عبارة الإمام(علیه السلام) بهذا الشأن حین قال: «ضاقت الدنیا علیکم ضیقاً» لتصور بعض الفضائع التی ارتکبها بنی أمیة بحق الناس.

أمّا قوله(علیه السلام): «حتى یفتح الله لبقیة الابرار منکم»، فیمکن أن یکون إشارة إلى زوال حکومة بنی أمیة، لیتنفس المسلمون بعدها الصعداء، حیث سیتربص بهم العباسیون الذین لم تشتد قوتهم آنذاک. کما یمکن أن تکون إشارة إلى الحکومة العالمیة للإمام المهدی(علیه السلام)التی تقتلع جذور الظلم والجور وتنهی کافة أشکال التسلط والهیمنة وترسی قواعد العدل والقسط، وإلیک طائفة من الاُمور الغیبیة التی أخبر عنها الإمام(علیه السلام) ثم تحققت، تأمل نبوءات الإمام(علیه السلام)أفرد ابن أبی الحدید فصلاً بهذا الشأن فقال: واعلم أنّه علیه السّلام قد أقسم فی هذا الفصل بالله الذی نفسه بیده أنّهم لایسألونه عن أمر یحدث بینهم وبین القیامة إلاّ أخبرهم به، وأنّه ما صحّ من طائفة من الناس یهتدى بها مائة وتضلّ بها مائة، إلاّ وهو مخبرٌ لهم ـ إن سألوه ـ برعاتها وقائدها وسائقها ومواضع نزول رکابها وخیولها; ومَنْ یقتل منها قتلاً، ومَنْ یموت منها موتاً; وهذه الدعوى لیست منه علیه السلام ادّعا الرّبوبیة، ولا إدّعاء النبوة; ولکنه کان یقول: إنّ رسول صلى الله علیه وآله أخبرَه بذلک; ولقد امتحنّا إخباره فوجدناه موافقاً، فاستدللنا بذلک على صدق الدعوى المذکورة، کإخباره عن الضربة التی یضرب بها فی رأسه فتخضب لحیته، وإخباره عن قتل الحسین ابنه علیهما السلام; وما قاله فی کربلاءِ حیث مرّبها، وإخباره بملک معاویة الأمر من بعده، وإخباره عن الحجاج; وعن یوسف بن عمر; وما أخبر به من أمر الخوارج بالنهروان، وما قدمه إلى صحابه من إخباره بقتل من یقتل منهم وصلب من یصلب وإخباره بقتال الناکثین والقاسطین والمارقین، وإخباره بعدّة الجیش الوارد إلیه من الکوفة لما شخص علیه السلام إلى البصرة لحرب أهلها، هذه شهادة ضد من لایعتقد بإمامته(علیه السلام) على أنه الإمام المعصوم; بینما المسألة واضحة لنا تماما. فالائمة ورثة علوم النبی(صلى الله علیه وآله) إلى جانب إدراکهم للحقائق القرآنیة التی یعجز عن درکها الاخرون، مع مالهم من إلهامات غیبیة و سنبحث فی حینه فی ذیل بعض الخطب بشأن سعة علم الإمام.


1. «فقأت» من مادة «فقأ» على وزن فقر القلع بمعنى تغلبه علیها.
2. «غیهب» من مادة «غهب» على وزن وهب الظلمة وشدة السواد، وتستعمل فی اللیالی الدامسة الظلام، کما تعنی فی الأصل الغفلة والنسیان المناسب للظلمة.
3. «کلب» على وزن طلب من مادة «کلب» على وزن قلب داء معروف یصیب الکلاب، فکل من عضته 2أصیب به فجن ومات إن لم یبادر بالدواء. ومن هنا یستعمل فی الحوادث الألیمة والحروب الطاحنة وهجوم الحیوانات الوحشیة المفترسة.
4. منهاج البراعة 7/74.
5. «ناعق» من مادة «نعق» على وزن ضرب من نعق بغنمه صاح بها لتجتمع وتستعمل فی الافراد السذج الذین یتحرکون بواعز من المفسدین.
6. «مناخ» من مادة «نوخ» بمعنى أقام، و «مناخ» یطلق على المکان الذی یبرک فیه البعیر، وتستعمل بشکل واسع ککنایة عن محل الإقامة.
7. سورة النمل/65 (کما ورد شبیه هذا المضمون فی آیات متعددة اُخرى).
8. کرائه جمع کریهة.
9. حوازب جمع حازب من مادة حزب على وزن جذب الأمر الشدید.
10. «قلص» من مادة «قلوص» بتشدید اللام تمارت واستمرت.
11. «شمر» من مادة «تشمیر» ویطلق على عملیة رفع الثوب عن الساقین و التهیؤ والاستعداد للقیام بعمل ما.
و «شِمر» تطلق على الاشخاص ذوی الجد و التجربة، وکذلک تطلق على الاشرار. 
القسم الاوّلالقسم الثانی
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma