ذکر بعض شرّاح نهج البلاغة أنّ الإمام(علیه السلام) خطب هذه الخطبة حین تراجعت میمنة أهل العراق، ثم عادت لتهجم ثانیة بعد أن قادها مالک الاشتر وحمل على أهل الشام ففرقهم.(1)
فلما رأى ذلک الإمام(علیه السلام) خطب بهذا الکلام. فقد قال(علیه السلام): إنّی شاهدت فرارکم وهزیمتکم وتراجعکم عن صفوفکم بعد أن ذادکم عنها الجفاة من العرب من أهل البادیة: «وقد رأیت جولتکم(2)، وانحیازکم(3) عن صفوفکم تحوزکم الجفاة(4) الطغام(5) وأعراب أهل الشام».
والحال لا یلیق هذا بکم «وأنتم لها میم(6) العرب، ویا فیخ(7) الشرف، والانف(8) المقدم، والسنام الاعظم».
ولم أکن أتوقع هذا التراجع منکم، کما لا یلیق بکم، إلاّ أنّ الذی اثلج صدری معاودتکم الکر وازاحتکم لهم عن مواضعهم: «ولقد شفى وحاوح(9) صدری أن رأیتکم بأخرة تحوزونهم کما حازوکم، وتزیلونهم عن مواقفهم کما أزالوکم».
ثم وصف ذلک(علیه السلام) بقوله «حس(10) بالنصال(11)، وشجر(12) بالرماح، ترکب أولاهم أخراهم کالابل الهیم(13) المطرودة، ترمى عن حیاضها، وتذاد(14) عن مواردها».
وممّا لا شک فیه أن صفین کانت مقابلة بین عسکرین، ضم أحدهما أغلب الشخصیات الإسلامیة من قبیل بعض صحابة النبی(صلى الله علیه وآله) وابناء الصحابة ومن البیوتات الصالحة السابقة إلى الإسلام والإیمان، وقد کانت هذه الجماعة تحت إمرة الإمام علی(علیه السلام). وبالمقابل کان الطرف الآخر یتمثل فی الواقع ببقایا الجاهلیة والشرک والاراذل والاوباش من طلاب الدنیا وعبدة الأهواء الذین قدموا المیدان بدینار معاویة ودرهمه واجزل لهم فی العطاء، وفی مقدمتهم عمرو بن العاص الذی لم یبایع لمعاویة حتى اشترط علیه ولایة مصر.
وعلیه فعبارات الإمام(علیه السلام) بشأن أهل الشام والعراق کانت تمثل عین الواقع، بعیداً عن اُسلوب الحث والتشجیع والمبالغة.