فتنة بنی أمیة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم الثانی1ـ ممیزات الفتنة

أخبرالإمام(علیه السلام) فی القسم الأول من هذه الخطبة عن جانب من الحوادث المستقبلیة والفتن التی ستصیب المسلمین، ثم واصل هنا الکلام عن أولاً: الإشارة إلى القانون العام ذات الصلة بالفتن; القانون الذی یؤدی العلم به إلى الحد من خطر هذه الفتن، ثانیاً: الحدیث عن فتنة خاصة ـ وهى فی الواقع من أهم الفتن ـ وتحذیر الناس منها، وهى فتنة بنی أمیة التی تطرق الإمام(علیه السلام)إلى أغلب ممیزاتها. فقد قال(علیه السلام) بادىء ذی بدء، أنّ الفتن عادة ما تتلبس بلباس الحق إذا أقبلت، فاذا أدبرت نبهت الناس إلى ما هیتها «إن الفتن إذا أقبلت شبهت، وإذا أدبرت نبهت».

ثم أشار(علیه السلام) إلى نقطة فی الحقیقة هى علة هذا الأمر، وهى أنّ هذه الفتن مجهولة عند الاقبال، معروفة عند الإدبار «ینکرن مقبلات ویعرفن مدبرات»، فهذه نقطة اجتماعیة سیاسیة غایة فی الأهمیة، وهى أنّ أصحاب الفتنة والانحراف إنّما یحاولون تنمیق ظاهرهم لیخفون صورتهم الکریهة فی إطار الحق لیستقطبوا الناس إلیهم، فاذا استتب لهم الأمر کشفوا عن أنیابهم الکریهة حتى یطاح بهم.

ومن هنا فانّ دعاة الحق مطالبون على الدوام بالنظر بمنتهى الحیطة والحذر إلى الأحداث والوقائع خشیة الانخداع والاغترار، فحسن الظن والنظرة السطحیة فی مثل هذه الاُمور لن تؤدی سوى إلى الضرر والخسران.

ثم أشار(علیه السلام) إلى نقطة مهمّة وهى أنّ الفتن لیست شاملة، بل هى کالریاح التی تصیب موضعا وتترک آخر: «یحمن(1) حوم الریاح، یصبن بلداً ویخطئن بلدا».

لأنّ أرضیة کافة المدن والامصار لیست واحدة لتحتضن الفتن، بل هناک عدة عوامل متوفرة هنا ولیست متوفرة هناک، وبناء على هذا فلا ینبغی الاغترار إذا لم تشاهد بعض آثار الفتن فی موضع دون آخر.

ثم یتطرق(علیه السلام) إلى فتنة بنی أمیة لیحذر من خطورتها فیقول: «ألا وإنّ أخوف الفتن عندی علیکم فتنة بنی أمیة، فانّها فتنة عمیاء مظلمة».

فتنة عمیاء مظلمة لاتبقى أمامها من قیم ومفاهیم ومثل، وتتجاوز کافة الأشخاص دون الالتفات إلى سوابقهم ومواقفهم، والحق أنّ فتنة بنی أمیة کانت کذلک! فقد استعادت أعراف الجاهلیة حیاتها على عهدهم وفی ظل حکومتهم، حیث تمکنت حثالات رجالهم من التسلط على رقاب المسلین وإشغال المواقع الحساسة فی الحکومة، فتنحت تلک الشخصیات الصالحة وأقصیت عن المیدان، بینما مورست أبشع أنواع البطش والتعذیب بحق أولئک الذین رفعوا أصواتهم بوجه هذه الحکومة. ثم أشار(علیه السلام) إلى بعض خصائص هذه الفتنة فی أنّ حکومتها عامة شاملة بحیث یخضع الجمیع لهذه السلطة الغاشمة، غیر أنّ بلائها یختص بطائفة وجماعة;
فمن کان بصیراً فی تلک الفتنة (ووقف بوجهها) شمله ذلک البلاء، بینما یسلم منها من کان أعمى
«عمت خطتها،(2) وخست بلیتها، وأصاب البلاء من أبصر فیها، وأخطأ البلاء من عمی عنها».

طبعاً أنّ آثار الفتنة ستعم بالتالی کافة القوم، ولعل هذا هو المعنى الذی أشارت إلیه العبارة «عمت خطتها»; إلاّ أنّ شدتها وحدتها إنّما تطیل المجاهدین الاشداء، بینما یکون الجهال من عدیمی الشعور بالمسؤولیة فی أمان من ذلک البلاء ثم تطرق(علیه السلام) إلى خاصیة اُخرى من خصائص حکومة بنی أمیة، لیقسم قائل: «وآیم الله(3) لتجدن بنی أمیة لکم أرباب سوء بعدی کالناب(4) الضروس(5) تعذم(6) بفیها، وتخبط(7) بیدها وتزبن(8) برجلها، وتمنع دره(9)».

یاله من تشبیه رائع فی الإنسان یتوقع أن یستفید من لبن ناقته ویرکبها لیصل إلى المکان الذی یرید، کما أنّ الإنسان ینتظر من الحکومة أن تساعده وتحل مشاکله وأن تکون سنده فی مسیرة الرقی والتقدم الفردی والاجتماعی. أمّا الحکام الظلمة الذین یفتقرون إلى المنطق والرحمة ـ والذین لایفکرون إلاّ فی تحقیق منافعهم ـ لیس فقط لایحلون مشاکل المجتمع فحسب، بل یجعلونه یعیش فی خضم هالة من المصاعب والمشاکل ویوجهون له الضربات الماحقة الموجعة وهذه المعاملة الجافة العنیفة، و یالها من نبوءة صحیحة حیث کان(علیه السلام) یرى ببصیرته کل تلک الأحداث و عظم البلاء الذی صبته هذه الفئة القاسیة على المسلمین. حتى لایبقى منکم إلاّ من ینفعهم أو لایضرهم: «لایزالون بکم حتى لایترکوا منکم إلاّ نافعالهم، أو غیر ضائر بهم».

فهم یخنقون أصوات دعاة الحق فی حناجرهم ویلتقطون من یعارضهم أینما کان ولایرون لأی أحد من حق فی الحیاة سوى من یقوم على خدمتهم، أو لایشکل أی خطر على مصالحهم، ولایفرق لدیهم أن یکون داع الحق هذا وطالب العدل ابن رسول الله(صلى الله علیه وآله) أو من صحابته أم کان من کبار علماء الاُمّة وأعلامها وهکذا تتضح عمومیة الفتنة وشمولیتها التی أشار إلیها الإمام(علیه السلام). کما أشار فی الخاصیة الرابعة إلى نقطة وهى أنّ المشکلة العظیمة فی هذه الحکومة تکمن فی عدم وجود أی ملاذ من شأنه توفیر الأمن للآخرین والنجاة من ظلم هؤلاء الظلمة، ولیس هنالک من یسمع شکواهم، الأمر الذی یضطرهم إلى شکوى ظلم الظلمة إلى أنفسهم ومعلوم بالطبع نتیجة مثل هذه الشکوى: «ولایزال بلاؤهم عنکم حتى لایکون انتصار أحدکم منهم إلا کانتصار العبد من ربّه، والصاحب من مستصحبه».

والحق هذا هو مصیر الأُمّة التی تقوم حکومتها الجائرة والظالمة بقطع ألسن کافة دعاة الحق وتحاصر العلماء وتفرض علیهم الاقامة فی بیوتهم، وتعز الذلیل وتذل العزیز وتحطم عناصر القوة فی الاُمّة وتسخرها من أجل منافعها. ثم أشار فی الخاصیة الخامسة والأخیرة ـ والتی تؤکد فی الواقع الخصائص السابقة ـ إلى تتابع هذه الفتن وهى عماء وصماء خالیة من الأدلة وسبل النجاة: «ترد علیکم فتنتهم شوهاء(10) مخشیة(11) وقطعاً جاهلیة، لیس فیها منار هدى، ولاعلم یرى»، وهکذا یکون الإمام(علیه السلام) قد رسم بهذه الخصائص الصورة القاتمة لظروف وأوضاع حکومة بنی أمیة، کما أشار إلى نهایتها; وکأنّه کان قد عاش تلک الفترة المظلمة التی دامت ثمانین سنة، وکان یرى تفاصیلها رأى العین. فقد کانت حکومة لاتقیم وزناً للقیم والمثل الإسلامیة ولاتعترف بالقوانین الإسلامیة، بل هى حکومة مستبدة طاغیة تفتقر إلى المنطق والموازین ملیئة بالفتن الحاکیة عن عصر الجاهلیة، الحکومة التی قد لاتفکر حتى فی مصالحها، لتمارس أقصى درجات الظلم والجور فترتکب ما قل نظیره فی التأریخ البشری. والعبارة: «أرباب سوء بعدی»، إشارة لطیفة إلى هذه الحقیقة وهى أنّکم لم تستجیبوا لحکومتی الإسلامیة والإنسانیة العادلة، فلیس أمامکم سوى الحکام الظلمة وأرباب السوء. وقد أورد بعض شرّاح نهج البلاغة أنّ بنی أمیة کانت تعامل طائفة من الناس کعبید. حتى جاء فی شرح نهج البلاغة للعلاّمة التستری أنّهم کانوا یأخذون الجزیة ممن أسلم من أهل الذمة ویقولون فروا من الجزیة، ویأخذون الصدقة من الخیل، وکانوا یختمون فی أعناق المسلمین کما توسم الخیل، وینقشون فی أکفهم علامة لاسترقاقهم کما یصنع بالعلوج من الروم والحبشة.(12)


1. «یُحمن» من مادة «حوّم» على وزن قوّم بمعنى الدوران.
2. «خطة» من مادة «خط» به معنى وضع العلامة، ولفظ «خطة» یأتی أحیاناً بمعنى حالة أو موضوع.
3. «أیم» یرى بعض الاُدباء أن أصلها (أیمن) أسقطت نونها، فان قیل وأیم الله تفید القسم (ومن أراد المزید فلیراجع شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 7/54).
4. «الناب» الناقة المسنة.
5. «ضروس» الحیوان السئ الخلق یعفى حباله.
6. «تعذم» من مادة «عذم» من عذم الفرس إذا أکل بحفاء أوعض.
7. «تخبط» من مادة «خبط» الضرب بالید.
8. «تزبن» من مادة «زبن» على وزن دفن تضرب.
9. «درّ» جریان اللبن توفیر، کما یطلق على کل خیر وبرکة.
10. «شوهاء» من مادة «شوه» على وزن قوم قبیحة المنظر.
11. «مخشیة» من الخشیة مخوفة مرعبة.
12. شرح نهج البلاغة للتستری 6/106. 
القسم الثانی1ـ ممیزات الفتنة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma