تعتبر مسألة علم الله من المسائل المهمة من خلال النظرة المعرفیة، وکذلک من حیث الآثار الأخلاقیة والتربویة.
وهى المسألة التی أورد القرآن بشأنها عدة أبحاث مهمة، وقد کشف عن سعتها بأمثلة رائعة، من ذلک: (وَلَوْ أَنَّ ما فِی الأَرْضِ مِنْ شَجَرَة أَقْلامٌ وَالبَحْرُ یَمُـدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُر ما نَفِدَتْ کَلِماتُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِـیمٌ)(1).
ولو تأملنا هذا المثال وتصورنا معناه، لا کتشفنا هذه الحقیقة وهى أنّ علمه سبحانه أوسع وأشمل ممّا نعتقد.
ومن البداهة أنّ هذا العلم لیس بعلم حصولی یتأتى عن طریق التصور والتصدیق، بل هو علم حضوری. أی أن حضور الحق سبحانه فی کل زمان ومکان وحضور جمیع الأشیاء لدى ذاته المطهرة یقتضى ألایخفى علیه شیء، لأنّ حقیقة العلم تعنی حضور المعلوم لدى العالم. غیر أنّه فی العلم الحصولی لایحضر شخصاً لدى العالم، بل تحضر صورته فی الذهن عن طریق التصور أو التصدیق. أمّا فی العلم الحضوری فالذی یحضر لدى العالم ذات المعلوم، وجمیع الأشیاء والحوادث فی کل زمان ومکان، باطنها وظاهرها عن طریق هذا العلم الحضوری واضحة لدى الله. ومن هنا قال(علیه السلام): خرق علمه باطن غیب السترات، وأحاط بغموض عقائد السریرات.
قد یتعذرفهم العلم الحضوری لدى البعض، ولکن توضیحه بمثال وهو: إنّ ممّا لا شک فیه أنّ علمنا بصورنا الذهنیة والتصورات والتصدیقات التی ترتسم فی أذهاننا عن العالم الخارجی، والعلم الحضوری یعنی أن هذه الصور الذهنیة حاضرة لدى روحنا ولا تنفصل عنها.
نعم هذا هو علم الله بحمیع عالم الوجود، لا أنّ لدیه صور ذهنیة عنها، بل وجودها العینی حاضر لدیه، لأننا نعلم أنّه معنا فی کل مکان: (وَهُوَ مَعَکُمْ أَیْنَ ما کُنْتُمْ)(2) و(وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِیدِ)(3).
ومن هنا نکتشف الآثار المهمة التربویة من خلال الالتفات إلى سعة علمه المطلق. لأنّ الإنسان إذا علم بأنّ العالم حاضر لدى الله وعلمه محیط بأسرار الأشیاء وخفایاها فبالیقین سیعیش حالة من مراقبة أعماله، بل حتى أفکاره ونیاته.(4)