الانقلاب رأس على عقب

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم السابعآثار سلطة الأوباش

واصل الإمام(علیه السلام) بحثه السابق فی الأخبار عن المستقبل وسیطرة الحکام الظلمة والأعمال الوحشیة التی یمارسونها بحق الناس، فی التعرض إلى جانب آخر من الآثار المشؤومة لهذه الحکومات، والوضع الأخلاقی والاجتماعی والاقتصادی للناس فی ظل هذه الحکومات.

فتطرق(علیه السلام) بادى الأمر إلى الأولاد الذین یثیرون غضب آبائهم، وأصبح المطر قیظاً، وانتشر اللئام فی کل مکان وقل الاخیار: «فاذا کان ذلک کان الولد غیظ(1) والمطر قیظ(2)وتفیض اللئام فیض(3)وتغیض الکرام غیض(4)».

فی إشارة إلى أنّ رذائل السوء للحکام الظلمة إنّما تخترق الأسر والعوائل، والأولاد الذین ینبغی أن یکونوا قرة أعین والدیهم ومصدر سعادتهم وخیرهم، یکونون سبب شقائهم وبؤسهم.

من جانب آخر تتضح الآثار الوضعیة لهذه الأعمال السیئة فی عالم الطبیعة والنعم الإلهیة، کما ینزل المطر فی الصیف فیدعو إلى الانزعاج وضیاع المحاصیل الزراعیة بدلاً من نزوله فی فصل الشتاء فیؤدی إلى برودة الجو وتلطیفه.

أضف إلى ذلک وإثر انقلاب القیم وضیاعها یفتح المیدان لحثالة المجتمع فیصولون ویجولون فیه، الأمر الذی یعنی إقصاء الأخیار والصالحین من الساحة، فهذه العناصر الأربعة تشاهد بوضوح فی کل حکومة طاغیة مستبدة.

ثم واصل کلامه(علیه السلام) بالإشارة إلى أربع صفات حیث قسم الفئات الاجتماعیة آنذاک إلى أربع وقال: «وکان أهل ذلک الزمان ذئاباً، وسلاطینه سباعاً، وأوساطه أکالاً،(5) وفقراؤه أمواتاً».

والمراد بأهل ذلک الزمان أعوان الحکام الظلمة وعمالهم وولاتهم.

فاذا کان السلطان ذئباً ضاریاً، کان من الطبیعی أن تکون هذه هى صفة بطانته، کما أنّ من الطبیعی أیضاً أن تکون الطبقة المتوسطة من المجتمع فریسة لهذه الذئاب، أمّا الفقراء فیعتریهم النسیان وکأنّهم أموات محوا من صفحة التاریخ.

وکأنّ الإمام(علیه السلام) قد طالع عن کثب کافة تفاصیل التاریخ البشری، فکشف النقاب بهذه العبارات القصیرة عن عمق ممیزات الحکومات المستبدة الطاغیة.

ثم إختتم(علیه السلام) خطبته بالاشارة إلى سبع ظواهر مقیتة فی هذه المجتمعات والتی تمثل قمة البؤس والشقاء. حیث قال سیزول الصدق فی ذلک الزمان ویکثر الکذب وظهرت المودة على اللسان فی حین انطوت القلوب على البغض والعدوان، ویتفاخر بالذنب ویندهش من العفة والطهر،
فیلبس الإسلام ثوباً مقلوب: «وغار(6) الصدق، وصار الفسوق نسبا، والعفاف عجباً، ولبس الإسلام لبس الفرو(7) مقلوباً».

یمکن أن تکون العبارة «غار الصدق، وفاض الکذب» وبالالتقات إلى معنى الغور الذی یعنی الانتشار داخل الأرض وفاض من فیض بمعنى الماء الوفیر أو المطر وأمثال وذلک، إشارة إلى ذلک الزمان وکأنّ عیون الصدق قد غارت فیه فی الأرض بینما جفت بساتین الحیاة الإنسانیة اثر ابتعادها عن هذه المیاه، وبدلا من ذلک فقد عم وانتشر الکذب وکأنه الماء المالح الذی یخرب کل شیء.

والعبارة «صار الفسوق نسباً» تفید مدى اقتراب الفسقة من بعضهم وتوطید أواصرهم وکأنهم قرابة ونسب.

وقد فسر بعض شرّاح نهج البلاغة الفسوق هنا بالزنا; أی یکثر أولاد الحرام فی المجتمع، وینسجم هذا التفسیر والعبارة: «والعفاف عجباً».

الاحتمال الآخر فی تفسیر هذه العبارة أنّ الفسقة یفتخرون بفسقهم، کما تفتخر العرب بنسبها، وعلى العکس من ذلک فانّ الأفراد من أهل الطهر والعفاف یشعرون بالخجل إثر ذم المجتمع وملامتهم لهم.

والعبارة: «لبس الإسلام لبس الفرو مقلوباً» إشارة إلى نقطة لطیفة وهى أنّ حکام الجور والفسقة والفجرة لایسعون إلى القضاء على الإسلام وسلب الناس دینهم، بل یحرفون الإسلام ویقلبون محتواه من أجل تحقیق أطماعهم ومآربّهم. وشهد تاریخ الحکومات المستبدة ولاسیما حکومة بنی أمیة على صدق هذا الکلام.

طبیعی أنّ اللباس إذا قلب لم یعد له من شبه بثیاب الناس، بل یبدو من یرتدیه حیواناً، أما ذکر هذه العبارة بعد الحدیث عن مفاسد ذلک الزمان یمکن أن یکون من قبیل ذکر العام بعد الخاص; لأنّ الإسلام إذا قلب کان الکذب بدل الصدق والفسوق بدل العفاف وسائر الرذائل بدل الفضائل والقیم.


1. «غیض» بمعنى الغضب، وقیل حالة أشد من الغضب.
2. «قبض» بمعنى وسط الصیف «قلب الاسد» واذا وردت بالمعنى المصدری فهی شدة الحرارة.
3. فیض سیل الماء أو المطر والدمع.
4. غیض الغور فی الأرض والنقصان.
5. «أُکال» جمع «آکل» مثل طلاب بمعنى الآکل، و على هذا المعنى یکون معنى الجملة «أوساطُه أکالا»، المقصود به الطبقة المتوسطة فی ذلک الزمان والذین لاهم لهم غیر الاکل والشرب وسلب ونهب الأموال، واذا جاءت بصیغة اسم فاعل، حیث نرى أنها جاءت على صیغة «اسم مفعول، وهو ما یناسب الجمل التی سبقتها، فیکون معناها، بالشکل الذی أوردناه فی الشرح أعلاه.
6. «غار» من مادة «غور» الدخول فی الشیء وإذا استعمل فی الماء عنى غوره فی الأرض، ومن هنا یستعمل بمعنى الانعدام أیضاً.
7. «فرو» ما یهیىء من جلد الحیوانات وله صوف عادة ما یلبس فی الشتاء. 

 

القسم السابعآثار سلطة الأوباش
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma