طبیب سیار

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم الثالثالقسم الرابع

ذهب أغلب شرّاح نهج البلاغة إلى أنّ المراد بهذه الصفات التی ذکرها الإمام(علیه السلام) إنّما تعود إلیه، حیث خاض فی بیان صفاته بعد أنّ بین صفات رسول الله(صلى الله علیه وآله)، واصفا نفسه بأنّه طبیب سیار وقد حمل معه کافة أسباب العلاج التی تشفى المرضى ـ ولم یشذ من الشرّاح فی نسب هذه الصفات إلى شخص الإمام(علیه السلام) سوى شخص واحد نسبها إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله) ـ فقد صرح الآمدی فی کتاب غرى الحکم قائل: «إنّه فی ذکر رسول الله(صلى الله علیه وآله)»(1).

إلاّ أنّ ارتباط هذه العبارة بالعبارات السابقة من جهة، وانطباقها على الأوضاع التی کانت سائدة على عهد رسول الله(صلى الله علیه وآله)من جهة اُخرى تؤید أنّ هذه الصفات فی رسول الله(صلى الله علیه وآله). وأننا لنتعجب کیف لم یطرح قاطبة الشرّاح هذا الأمر على الاقل ـ على نحو الاحتمال والحال أنّهم لم یقیموا أی دلیل لاثبات صحة مدعاهم. صحیح أنّ النبی(صلى الله علیه وآله) وعلی(علیه السلام) من شجرة واحدة، وهما روح واحدة فی جسمین وعامة الصفات تصدق علیهما معا; غیر أنّه لابدّ من الدقة فی ارجاع الضمائر إلى أصولها.

على کل حال فقد قال(علیه السلام): «طبیب دوار بطبه، قد أحکم مراهمة(2) وأحمى مواسمه،(3)یضع ذلک حیث الحاجة إلیه: من قلوب عمی، واذان صم، والسنة بکم، متتبع بدوائه مواضع الغفلة، ومواطن الحیرة».

یا لها من تعبیرات رائعة تشبه النبی(صلى الله علیه وآله) (أو الإمام) بالطبیب!

لأنّ الأطباء یتولون علاج مرضى الأبدان، وینهمک هو فی علاج مرضى الروح والأخلاق الذی یفوق بمراتب مرضى البدن.

حیث أشار إلى ثلاثة منها فی العبارة: أولئک الذین تعمى أبصار قلوبهم ویفقدون السمع واستقبال الحق وعجز اللسان عن ذکر الحق بفعل الذنب والمعصیة والغفلة واتباع الهوى.

ثم وصفه بأنّه (دوار) فی إشارة إلى أنّه لیس على غرار أطباء الابدان الذین یجلسون فی عیاداتهم وینتظرون مراجعة المریض.

بل یحمل وسائله وعلاجه معه ویتجول بحثاً عن المریض، وهذا هو منهج الأنبیاء والأوصیاء وروثتهم من العلماء، الذین بنبغی لهم أن یقتدوا بالأنبیاء ولایروا أنفسهم کالکعبة وأنّ أفراد الاُمّة مطالبون بالطواف حولهم، بل علیهم أن یکونوا کالصیاد الذی یبحث عن صیده، فیفیضوا علومهم على الناس ویأخذوا بأیدیهم إلى الحق.

ثم قال(علیه السلام) واصفاً ما أورده سابقا من مواضع الغفلة ومواطن الحیرة; وأصحابها من أهل الغفلة والحیرة: «لم یستضیئوا بأضواء الحکمة، ولم یقدحو(4) بزناد(5) العلوم الثاقبة، فهم فی ذلک کالانعام السائمة،(6) والصخور القاسیة».

فالعبارة لم یستضیئوا ولم یقدحوا تفید أنّهم کانوا یستطیعون حتى قبل قیام الأنبیاء أنّ یتخلصوا من جانب من غفلتهم وحیرتهم بنور الحکمة والعلم ودلیل العقل، إلاّ أنّهم لم یلتفتوا قط للعلم والعقل.

ولعل «لم یستضیئوا...» و«لم یقدحوا...» إشارة إلى طائفتین من الأفراد الضالین الذین کان یمکن أن یتبدل ضلالهم نوراً ولو لومضة من العلم والمعرفة التی تصل إلى قلوبهم، والطائفة الاُخرى التی کان لها أن تهدی نفسها وان عجزت عن هدایة الآخرین.

کما یمکن أن تکون العبارة «أنعام سائمة» و«صخور قاسیة» إشارة إلى فئتین: فئة ضالة وهى کالأنعام التی لها إلى حد امکانیة التعلیم والتربیة، والفئة الاُخرى کالصخرة الصماء التی یصعب اختراقها.

جدیر بالذکر هناک تفاوت بین مواضع الغفلة ومواطن الحیرة; فالغفلة تطلق حیث لایلتفت الإنسان إلى أمر ولایرى أخطاره المحدقة به; أو کالأمراض الخالیة من الألم وفجأة یصاب بها الإنسان فلا یشفى منها.

أمّا مواطن الحیرة; فالإنسان یلتقت فیها إلى الأخطار، إلاّ أنّه لایعرف کیف یواجهها.

على کل حال فانّ هذا الطبیب الروحی السیار إنّما یتجول بحساب وبرنامج حیثما حل، فیشفی المرضى ویمنحهم العافیة والسلامة.


1. غرر الحکم ودرر العلم، الحکمة 6033.
2. مراهم جمع مرهم الدهون التی یداوى بها الجروح.
3. «مواسم» جمع «میسم» بمعنى الآلات التی یوسم بها بدن الانسان أو الحیوان بعد أن یحمى علیها. و «وسم» على وزن رسم، و یطلق على العلامة التی تظهر على جسم الحیوان أو الانسان بعد وسمه بالآلات الحارة.
4. «یقدحوا» من مادة «قدح» على وزن «مدح» بمعنى إضرام النار بواسطة القداحة «وهى الآلة التی تحتوی على حجر خاص یستعمل فی قدیم الزمان، حیث یقدح علیه فیولد ناراً، و کانوا یستفیدون منه کما نستفید فی الوقت الحاضر من الشخاط الحاوی على الکبریت».
5. «زناد» جمع «زند» وهى آلات تستخدم لتولید شرارة لغرض اضرام النار و اشعالها فی الوقود، کالخشب والفحم و الحطب، و قد اعتاد العرب فى القدیم على الاستفادة من هذه الوسیلة لاشعال النار فی الوقود.
6. «سائمة» من مادة «سوم» على وزن «قوم» بمعنى حرکة الحیوان فی الصحراء.
وکذلک على هبوب الریاح المستمرة. و یطلق «الحیوانات السائمة» على الحیوانات التی ترعى و تحصل على علفها من الصحراء و هى سائبة فی الصحراء. 
القسم الثالثالقسم الرابع
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma