العالى على الخیال والقیاس والظن والوهم

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم الثالث القسم الرابع

واصل الإمام(علیه السلام) کلامه بالتطرق إلى ما أورده سابقاً بشأن عجز العقول البشریة عن إدراک صفات اللّه سبحانه بعبارات عمیقة ورصینة. کاشفاً النقاب عن حقیقة من خلال قضیة شرطیة ـ بأربع جمل شرطیة معطوفة على بعضها وجزائین للشرط ـ وهى أنّ الإنسان مهما کان عمیقاً فی تفکیره جاداً عن طریق العقل والشهود لبلوغ کنه صفات اللّه سبحانه، فانّ ذلک لن یتکلل بالنجاح ولا ینبغی أن یکتب له النجاح; وذلک لأنّه ذات فوق: «ما لا یتناهى بما لا یتناهى»، فعقول الناس قاصرة من جمیع الجهات فقد قال(علیه السلام): «هو القادر الذی إذا ارتمت(1) الأوهام، لتدرک منقطع(2) قدرته. وحاول الفکر المبرأ من خطرات الوساوس أن یقع علیه فی عمیقات غیوب ملکوته، وتولهت(3) القلوب إلیه، لتجرى فی کیفیة صفاته، وغمضت مداخل العقول فی حیث لا تبلغه الصفات لتناول علم ذاته، ردعها وهى تجوب(4) مهاوى(5)سدف(6) الغیوب، متخلصة إلیه سبحانه».

فالواقع هو أنّ الإمام(علیه السلام) أشار إلى أربعة عوامل للبحث فی إطار السعى لمعرفة کنه الصفات; الأول: الأفکار العادیة الملوثة، والثانی الأفکار المنزهة عن الوساوس، والثالث: القلوب المفعمة بحب اللّه والتی تحث الخطى باتجاه الشهود، والرابع: والأخیر العقول الحادة والدقیقة التی تعتمد الطرق الاستدلالیة والنظریة فی تعاملها مع المسائل، لیصفها الإمام(علیه السلام) فی خاتمة المطاف بالعجز عن إدراک کنه ذاته وصفاته، وأنّ لتلک الذات والصفات أنوار خاطفة تسلب العقول لبها وتردع أصحاب هذا السبیل من الخوص والتقدم. فهو کما قال الشاعر:

فیک یا أعجوبة الکون غدا الفکر کلیلاً *** أنت حیرت ذوی اللب وبلبلت العقولا

کلما قدّم فکری فیک شبراً، فرّ میلاً *** ناکصاً یخبط فی عمیاء لایهدی سبیلا

ثم واصل الإمام(علیه السلام) کلامه بأنّ عاقبة حرکة هذه العقول والقلوب والأوهام هو العجز، فلا ترى أمامها سوى الاعتراف بسذاجة السعی وتفاهة الحرکة التی لیس من شأنها الانفتاح على ذاته وصفاته، فعقول البشر قاصرة عاجزة لیس لها إدراک ذلک بل لاتخطر عظمته وعزته على أفکار العلماء: «فرجعت إذ جبهت(7) معترفة بأنّه لاینال بجور الاعتساف(8) کنه معرفته، ولا تخطى ببال أولى الرویات(9) خاطرة من تقدیر جلال عزته». فالعبارة «إرتمت الأوهام» إشارة إلى سرعة حرکة الأفکار العادیة للناس من أجل کشف عمق وسعة صفات اللّه. والعبارة: «حاول الفکر المبرأ...» إشارة إلى أفکار العلماء والمفکرین الذین طهروا أرواحهم من وساوس الشیطان فاصبحت أفئدتهم على درجة من الصفاء بحیث عادت کالمرآة تعکس الحقائق. والعبارة: «تولهت القلوب إلیه...» اشتد عشقها حتى أصابها الوله وهو الحیرة، فهى دائبة السعى وحث الخطى لمعرفة اللّه والانفتاح على ذاته وصفاته والعبارة: «وغمضت مدخل العقول...» إشارة إلى العقول المقتدرة التی انطوت على أدق السبل النظریه الاستدلالیة. فالإمام(علیه السلام) أشار إلى أنّ الإنسان وإن حکم هذه الطرق الأربع فانّها قد تمکنه من إدراک بعض الحقائق. إلاّ أنّ أی من هذه الطرق لا یمکنها إدراک کنه الذات وحقیقة الصفات. والحق أنّ هذا أروع بیان وأبلغه یصور عجز البشر عن إدراک کنه ذاته وصفاته سبحانه. طبعاً هذا لیس معلولاً لخفاء ذاته وصفاته سبحانه، بل اشتد ظهوره حتى حارت الأبصار عن الوقوف على کنهه; الأمر الذی نلمسه فی تعذر رؤیتنا لقرص الشمس وهل ذاک لظلامها أم لشدة نورها وضوئها. فاذا کان هذا وضع الشمس التی تعد کوکباً ضائعاً ضمن ملایین الکواکب والمجرات، فما ظنک بذات الحق؟ وبعبارة اُخرى: فالإنسان کلما إقترب اکثر غرق فی بحر وهالة من النور والعظمة، لکی لا یجد من سبیل أمامه سوى الاعتراف بالعجز.

وبالطبع فهذا لا یعنى أننا نعتقد بتعطیل صفاته وذاته ونزعم أننا لا نستطیع مطلقاً التعرف على اللّه، بل ملأت آثار علمه وقدرته وذاته وصفاته عالم الوجود، بحیث نراه فی کل مکان ونستمع لتسبیحه وتنزیهه فی کل موضع; وإن کان علمنا على نحو الإجمال لا التفصیل.


1. «ارتمت» من مادة «رمى» على وزن نهى تعنى اطلاق السهم، ولما کان السهم یتحرک بسرعة فان جملة «ارتمت» تعنى سرعة حرکة الأفکار.
2. «منقطع» الشی ما إلیه ینتهى حیث یحصل القطع عادة آخر الشی.
3. «تولهت» من مادة «وله» بمعنى العشق وشدة حب الشی حتى تجعل الإنسان حیراناً وتصیبه بالذهول.
4. «تجوب» من مادة «جوب» على وزن ذوب بمعنى القطع والثقب. فقد ورد فی الایة التاسعة من سورة الفجر بشأن قوم الثمود(وَثَمُودَ الَّذِینَ جابُوا الصَّـخْرَ بِالوادِ) فی اشارة إلى دورهم التی کانوا یبنوها فی الجبال من جراء قطع الحجر والصخر.
5. «مهاوی» جمع «مهواة» و«مهوى» تعنى فی الأصل الوادی بین جبلین، أو الحفرة بین جدارین، ولما کان مثل هدا المکان مطبا، فقد وردت هذه الکلمة بمعنى الهلاک.
6. «سدف» جمع «سدفة» بمعنى الظلمة.
7. «جبهت» من مادة «جبهة» بمعنى الجبین با لبناء للمجهول ضربت جبهتها والمراد عادت خائبة.
8. «اعتساف» السلوک على غیر جادة، کما وردت بمعنى مطلق الانحراف والعدول عن الشی.
9. «رویات» جمع «رویة» وهى الفکر.  

 

القسم الثالث القسم الرابع
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma