کما أوردنا فی الخطبة المذکورة والروایة التی نقلناها فی شرحها أنّ الإسلام لشریعة سهلة سمحاء; أی لیس هنالک من تکلف ولا عسر ولا حرج فی ممارسته وطقوسه فهى لاتدعو إلى الضجر والتعب.
والتمعن فی أحکام الإسلام سواء فی العبادات والمعاملات والروابط الإنسانیة أو فی العقوبات والجزاء یفید أنّها برمجت على ذلک الأساس أیضاً. فقد روعی هذا الأصل حتى فی أشد العقوبات الإسلامیة من قبیل قتل الزانی بالمحصنة، وذلک لأنّ العقاب ان کان شدیداً تعذر بسهولة إثبات الجرم. فعادة ما تثبت الدعاوى بشاهدین، بینما یلزم هنا اربعة شهود. وهکذا الحال فی اجراء بعض الحدود من قبیل الجلد، فقد أوصی باجرائه فی الجو البارد فی فصل الصیف، والحار فی فصل الشتاء، وعدم رفع الید إلى مکان مرتفع وعدم ضرب المواضع الحساسة وما إلى ذلک من الأوامر.
من جانب آخر فانّ هؤلاء المجرمین ینالون العفو عما ارتکبوا فیما إذا تابوا قبل القبض علیهم، اضافة إلى العمل بقاعدة درء الحدود عند الشبهات فی کافة الجرائم وعند بروز أدنى شک أو شبهة.
وقد جاء فی حدیث عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال لأحد أصحابه کلفوا الناس من دینهم ما یطیقون، ثم نقل له(علیه السلام) قصة ذلک المسلم الذی کان له جار کافر رغب فی الإسلام، فکان یحمله صباحا وظهراً ولیلاً إلى المسجد، بحیث کان یقضی أغلب وقته فیه فی أداء الواجبات والمستحبات. حتى فارق هذا الرجل الإسلام بعد أن شق علیه الأمر وقال: لا طاقة لی بهذا الدین. ثم قال الإمام(علیه السلام): «إن إمارة بنی أمیة کانت بالسیف والعسف، وإن إمارتنا بالرفق، والوقار، والتقیة، وحسن الخلطة، والورع، والاجتهاد. فرغبوا الناس فی دینکم، وفیما أنتم فیه»(1).
ولا یخفى أن الحب والرفق والمداراة والخلطة الحسنة إنّما تکون مع الأفراد الذین لا یعملون بالشر وإلاّ فالإسلام صلب المعاملة لشدید فیها تجاه الظلمة والطغاة والاشرار والأوباش، بغیة الحفاظ على سلامة المجتمع وأمنه.