عودا على بدء فی صفات الملائکة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الرابع
القسم السادس عشرالناس والملائکة ثانیة

تطرق الإمام(علیه السلام) فی هذا المقطع من الخطبة إلى صفات اُخرى للملائکة (وکأنّ الإمام(علیه السلام)یوصی الناس بأنّکم إذا أردتم أن تصبحوا کالملائکة وتسلکوا سبیل القرب إلى الله، علیکم أن تتحلوا بهذه الصفات) فاشار(علیه السلام) بادىء ذی بدء إلى مقامهم فی توحید الأفعال وتوجههم الخاص إلى ربّهم وانصرافهم عمن سواه فقال(علیه السلام): إنّهم جعلوا ذا العرش وحبّه وطاعته ذخیرة لیوم الفاقة وقد خلوا بکل کیانهم للخالق حین کرّس الخلق أفکارهم فی المخلوقات «قد اتخذوا ذا العرش ذخیرة لیوم فاقتهم، ویمموه(1) عند انقطاع الخلق إلى المخلوقین برغبتهم» «ذا العرش» إحدى صفات الله التی تدل على ذروة عظمة ذاته سبحانه، وذلک لأنّ العرش أسمى موجودات عالم الخلقة. وقد اقتبست هذه الصفة من الآیة الشریفة: (ذُوالعَرْشِ یُلْقِی الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ یَشاءُ مِنْ عِـبادِهِ لِـیُنْذِرَ یَوْمَ التَّلاقِ)(2). نعم فلم یتعلق قلب هؤلاء سوى بالله ولایرون من مصدر غیره للخیر والفضیلة والبرکة والنجاة فی هذا العالم، ولاینال المؤمن هدفه ما لم یسلک هذا السبیل لمعرفة الله، أمّا العبارة: «ذخیرة لیوم فاقتهم» فتفید وقوف الملائکة یوم القیامة للحساب وانتظار هم للآجر والثواب. ثم قال(علیه السلام): «لایقطعون أمد غایة عبادته ولایرجع بهم الاستهتار(3) بلزوم طاعته إلاّ إلى مواد(4) من قلوبهم غیر منقطعة من رجائه ومخافته»، نعم فدوافع هؤلاء فی الطاعة والعبودیة إنّما یستقونها من مصدر خوف الله ورجائه الذی یضاعف معرفتهم بالله وسلوک السبیل المؤدی إلى قربه. ولذلک أکد الإمام(علیه السلام) فی العبارة اللاحقة فی أنّ أسباب خوف الله لم تنقطع عنهم لیهنوا فی سعیهم وجدهم «لم تنقطع أسباب الشفقة منهم، فینو(5) فی جدهم» ثم أردفه(علیه السلام) بالقول بأنّ الاطماع لم تأسرهم وتستحوذ علیهم لیقدموا سرعة سعیهم فی اُمور الدنیا على جدهم فی اُمور الآخرة: «ولم تأسرهم الأطماع فیؤثروا وشیک(6) السعی على اجتهادهم» أجل فالذی یضعف الإنسان فی طریق عبودیته الحق هو السقوط فی مخالب الأهواء والأطماع التی تعطل قواه وتصده عن طاعة ربّه.

ثم قال(علیه السلام): فى صفة آخرى من صفات الملائکة «لم یستعظموا ما مضى من أعمالهم، ولو استعظموا ذلک لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم» فالعبارة درس عظیم لکافة الأفراد فی استصغار أعمالهم عند الله، وذلک أنّهم إذا أکبروا هذه الأعمال تعلقوا بها وازداد أملهم بها فیفتروا فی سعیهم; الأمر الذی یسلبهم خوف الله الذی یعتبر من أحد العوامل المهمة للحرکة نحو الکمال. وبغض النظر عما سبق فما عساناً أن نکون وما أعمالنا التی تلیق بساحة الربوبیة المطلقة. کان الحدیث فی بعض الصفات السابقة عن عدم اعجاب الملائکة بأعمالها ونفسها، وجرى الحدیث هنا عن تأثیر الاعجاب فی تغلب الرجاء على الخوف;الأمر الذی یصد أصحاب الحق عن مواصلة مسیرتهم و یمنعهم من التکامل، وذلک لأنّ الإنسان إذا شعر بکبر أعماله عند الله، راوده الشعور بانه دائن، ومن رأى نفسه دائنا اکتفى بما أتى من أعمال وتخلف عن سلوک سبیل التکامل.

ثم واصل(علیه السلام) کلامه بالحدیث عن سائر خصائص الملائکة التی یحتاجها الإنسان بشدة، ومنها عدم اختلافهم فی ربّهم، ثم یعزى الإمام(علیه السلام) هذا الاختلاف إلى الوساوس الشیطانیة أحیانا، أو الرذائل الأخلاقیة أحیاناً اُخرى. فقال(علیه السلام): «لم یختلفوا فی ربّهم باستحواذ الشیطان علیهم» فالعبارة تحمل رسالة واضحة للجمیع، وهى أنّ مصدر اختلاف المذاهب والأدیان إنّما یعود بالدرجة الأساس إلى الوساوس الشیطانیة، وذلک لأنّ الاختلاف ـ لاسیما إن کان عقائدیاً ـ إنّما یفضی لأنواع النزاعات والحروب والاضطرابات; الأمر الذی یهدد مصیرالإنسان ویقضی على سعادته. ثم أشار(علیه السلام) بعد ذلک إلى العوامل الداخلیة والرذائل الأخلاقیة التی تؤدی إلى الاختلاف، وإن التعامل السیىء لم یفرق هذه الملائکة، ولم یبعدها الحسد عن بعضها، کما أن الشک والتردید لم یفرقها ویشتت أمره: «ولم یفرقهم سوء التقاطع، ولاتولاهم عن التحاسد، ولاتشعبتهم مصادر الریب، ولا اقسمتهم أخیاف(7)الهمم» فالواقع هو أنّ عمدة عوامل الاختلاف قد بینت فی هذه العبارات القصیرة. فلو تعامل الأفراد مع بعضهم البعض الآخر بشکل صحیح وفق معاییر الادب، لحیل دون أغلب الخلافات التی یفرزها سوء التعامل. وذا لم یحسد بعضهما البعض الآخر لاجتث العامل المهم الآخر من عوامل الخلاف والشقاق. وإن طرحوا عنهم الشکوک فی مختلف المسائل وتعاملوا مع ما یواجههم استناداً إلى العلم والمعرفة لحد من نسبة الخلاف. وأخیراً لو أذعن الجمیع لاختلاف الأفکار والتوجهات وتشعب الاذواق والآراء لقل حجم التقاطع والانفصال، فقد شاء الله أن یخلق الناس على أنواع واختلاف فی الأفکار والتطلعات، ولو هم کل أحد بفرض آرائه على الآخرین، فمن الیقین لتعذر عیش شخصین إلى جانب بعضها دون بروز حالة من التوتر والاضطراب. صحیح أن لیس للملائکة من شهوات کما للإنسان، وأنّ أغلب دوافع الذنب والمعصیة لیست متوفرة فیهم. إلاّ أنّهم على کل حال قد زودوا بالعقل والشعور والاختیار وحب الذات والقدرة على المعصیة والتمرد على الطاعة. إلاّ أنّ عرفان الملائکة بالله حال دون ارتکابها للذنب; وذلک أنّ مقارفتها للذنب والمعصیة کلما کانت متعذرة، کانت جدیرة بکل هذا المدح والتمجید وجعلها أسوة للاقتداء بها من قبل الناس. وبناء على هذا فانّ الإنسان إذا بلغ هذه الدرجة من الکمال والمعرفة کان له أن یصون نفسه من التلوث بالذنب. ثم قال(علیه السلام): فى ختام الکلام على سبیل نتیجة قصیرة بلیغة «فهم اسراء ایمان لم یفکهم من ربقته زیغ(8) ولا عدول ولا ونی(9) ولافتور»، فالتعبیر بالاسراء والربقة (الحبل ذو الحلقات المتعددة) یفید مدى التزام الملائکة بالإیمان، فقد سبحوا فی بحار معرفة الله وسلموا لذاته المطلقة وکأنّهم لفوا أعناقهم بطوق محکم من الإیمان، ولایستطیع أی عامل أن یرفع هذا الطوق من أعناقهم، ولو عاش الناس مثل هذا التسلیم للحق والالتزام بالإیمان، لما وسع دوافع الذنب والمعصیة أن تتسلل إلى وجودهم قط. ثم اختتم الإمام(علیه السلام) کلامه بهذا الشأن بالحدیث عن مسألة اُخرى وهى کثرة الملائکة وسعة معرفتها، حیث یختتم هنا شرحه لصفات الملائکة، بحیث لایوجد، أدنى موضع فی السماء إلاّ وقد شغل بملک ساجد، وآخر ساع حافد منهمک فی أداء مسؤولیته، ومن شأن هذه الطاعة أن تضاعف معرفتهم لربّهم، کما تزداد عزة ربّهم فی قلوبهم عظمة:
«ولیس فی أطباق السماء موضع إهاب(10) إلاّ وعلیه ملک ساجد أو ساع حافد(11) یزدادون على طول الطاعة بربّهم علماً، وتزداد عزة ربّهم فی قلوبهم عظماً».

فالعبارات تفید کثرة عدد الملائکة من جانب بحیث ملأت جمیع أقطار السموات بما فیها مدبرات الأمر وامناء الوحی والمنهمکین بالطاعة والعبودیة. من جانب آخر فان کلا الطائفتین من الملائکة لکثرة طاعتها لربّها إنّما تزداد یوما بعد آخر علما ومعرفة فیصبحوا أکثر قربا لله ومعرفة به. وهذا درس آخر للناس لیعلموا أنّ الطاعة والتقوى سبب ازدیاد العلم والمعرفة والتعرف على صفات الله الجمالیة والجلالیة. والواقع هو أنّ هنالک تأثیر متبادل بین الطاعة والتقوى والمعرفة حیث تحکمهما علاقة طردیة، فالمعرفة تقود إلى الطاعة، کما أنّ الطاعة تکون سببا للعلم والمعرفة الأعمق والأشمل. فقد ورد فی الحدیث أنّ رجلاً سأل الإمام الصادق(علیه السلام): هل الملائکة أکثر أم الناس؟ فاجاب(علیه السلام): «والذی نفسی بیده لعدد ملائکة الله فی السموات أکثر من عدد التراب فی الأرض; وما فی السماء من موضع قدم إلاّ وفیها ملک یسبحه ویقدسه»(12).


1. «یمموا» من مادة «یم» قصدوه بالرغبة والرجاء عند ما انقطع الخلق سواهم إلى المخلوقین، ومنه «التیمم» الذی یقصد فیه الإنسان ضرب یدیه بالتراب ومسح ظاهرها وجبهته به.
2. سورة غافر/15.
3. «الاستهتار» مصدر بمعنى اللامبالاة والحرص على المخالفة، واصله «الهتر» على وزن الستر بمعنى الحماقة والجهل.
4. «مواد» جمع «مادة» أصلها من «مد» البحر إذ زاد، فالمواد تعنی الزیادة.
5. «ینوا» من مادة «ونى» على وزن رمى بمعنى الضعف والفتور.
6. «وشیک» من مادة «وشک» بمعنى السرعة.
7. «أخیاف» من مادة «خیف» على وزن هدف و هو فی الأصل ما انحدر من سفح الجیل، و ارید به هنا سواقط الهمم. و تعنی إختلاف العینین مثلا واحدة زرقاء و أخرى سوداء، ثم أطلقت على کل إختلاف.
8. «زیغ» من مادة «زیغ» على وزن فیض الاعوجاج.
9. «ونى» من مادة «ونى» بمعنى الضعف کما مر علینا سابقاً.
10. «أهاب» جلد الحیوان، أو الجلد المدبوغ.
11. «حافد» من مادة «حفد» السرعة فی العمل.
12. تفسیر القمی 2/255. 

 

القسم السادس عشرالناس والملائکة ثانیة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma