ذکر الإمام(علیه السلام) فی هذا المقطع من الخطبة ما یکمل کلامه فی صفات الملائکة ـ ولا سیما صفة العصمة عن الذنب والمعصیة ـ لیوضح ذلک بسبع عبارات قصیرة عظیمة المعنى، قال فی الاولى أن ثقل الذنوب لم یعجزهم ویقعدهم فهم لایقارفون الذنب أبد: «لم تثقلهم موصرات(1)الاثام»، فی إشارة إلى أنّ الذنب عادة ما یثقل کاهل الإنسان فی مسیرة الطاعة، ولما کانت الملائکة لا ترتکب الذنب قط فهى خفیفة على الدوام ومتأهبة للطاعة، ولذلک لایبدو صحیحاً ما احتمله بعض شرّاح نهج البلاغة فی تفسیرهم لهذه العبارة من أنّ الذنوب التی یرتکبها الناس لاتجعلهم متقاعسین فی عملهم، وذلک لعدم انسجامه وسائر عبارات هذه الخطبة. ثم أشار(علیه السلام) فی العبارة الثانیة إلى أنّ الذهاب والایاب وتعاقب اللیل والنهار لم یسق هذه الملائکة إلى الموت (لیستولى علیها الضعف، فهى متأهبة دائما للطاعة) «ولم ترتحلهم عقب(2) اللیالی والأیام»، یحتمل أن یکون المراد عدم الانتقال من الحیاة إلى الموت، بل الانتقال من الطاعة إلى المعصیة أی أنّ طول الزمان لم یرهقها قط ولم یبعدها عن طاعة الحق سبحانه وتعالى ـ وقال(علیه السلام) فی العبارة الثالثة أن سهام الشک لم تستطع أن ترم عزم إیمانهم: «ولم ترم الشکوک بنوازعه(3) عزیمة ایمانهم» ثم قال(علیه السلام) فی العبارة الرابعة «ولم تعترک(4) الظنون على معاقد یقینهم» کما أشار(علیه السلام) إلى عدم وجود العوامل التی تدعوا إلى إثارة نیران الحقد والعداء والضغینة لدیهم (لکی یجد الضعف من سبیل إلى وظائفهم ـ وعلیه فالملائکة تعمل مع بعضها البعض الآخر بکل تنسیق وانسجام دون اختلاف فی القیام بالوظائف الإلهیة) «ولا قدحت قادحة الإحن(5) فیما بینهم»، ثم واصل الإمام(علیه السلام) کلامه فی أنّ الحیرة لم تسلبهم مالدیهم من معرفة وانطوت علیه صدورهم من هیبة لله وعظمة: «ولاسلبتهم الحیرة ما لاق من معرفته بضمائرهم، وما سکن عن عظمته وهیبة جلالته فی أثناء صدورهم» یمکن أن یکون المراد بالعبارة أن إیمان الملائکة ومعرفتها بالله وصفات جماله وجلاله على قدر من القوة بحیث لاتختزن أیه أوهام وحیرة یمکنها إختراق تلک المعرفة أو الحد منها;والحال لیس الأمر کذلک لدى الإنسان، فقد یصطدم بعض المؤمنین ببعض الاوضاع التی تؤدی إلى ذهولهم وحیرتهم وزعزعة دعائم إیمانهم. کما یحتمل أن یکون المراد بالحیرة هو عدم بلوغ کنه ذاته وصفاته، إلاّ أنّها لا تصدهم عن ذلک الإدراک الإجمالی للذات والصفات فیضطر وعلى غرار بعض الناس وبفعل عدم إدراک کنه الذات إلى تعطیل صفاته. ثم قال فی الصفة الأخیرة: «ولم تطمع فیهم الوساوس فتقترع (6) برینه(7) على فکرهم»، فالذی یستفاد من مجموع هذه الصفات هو عدم تسلل أدنى خطا وشک وتردید وفتور وتقصیر إلى أعمال أمناء الوحی من الملائکة، وهم جاهدون فی ابلاغها إلى الأنبیاء والرسل. وضمنا فانّ هذا الکلام الشریف رسالة إلى جمیع الأفراد ـ ولاسیما دعاة الإسلام والکتاب ـ إلى مراعاة الدقة والامانة والإیمان والتسامی والابتعاد عن کافة ألوان الوساوس وأمراض الحقد والبغضاء والعداء و الحسد والشک والتردید فی ابلاغ دعوة الأنبیاء ورسالتهم بالشکل الصحیح.