شحن التأریخ بهذه التجربة فی أنّ من یهرب من الحق والعزة والکرامة، إنّما یعیش حیاته فی ظل الذل والباطل. وأفضل نموذج على ذلک أهل العراق على عهد علی(علیه السلام) الذین لم یستجیبوا لعلی(علیه السلام)المعروف بعدالته ورحمته حتى فی ساحات الوغى ومع الخصوم والاعداء، فکانوا یختلقون مختلف الذرائع لیتمردوا علیه، فملأوا قلبه دما وشحنوا صدره غیضاً وجرعوه الهم والغمّ. إلاّ أنّه لم تمض علیهم مدة حتى دفعوا ثمن ذلک باهضاً لیذوقوا ألوان الذلة والهوان. فقد سلط علیهم زمرة من الجفاة الطفاة القساة الذین لم یرعوا إلاّ ولاذمة فی کبیر أو صغیر. وقد نهبوا أموالهم وانتهکوا حرماتهم وجرعوهم الموت غصة غصة، وأحالوا حیاتهم ظلاماً دامساً، حتى تمنوا لحظة من لحظات حکومة علی(علیه السلام) ولکن هیهات.
نعم هذا ما صرح به الإمام(علیه السلام) فی الخطبة 28: «ألا وإنّه من لاینفعه الحق یضره الباطل، ومن لایستقیم به الهدى، یجربه الضلال إلى الردى».
حقاً أن هذا الفصل من تأریخ الإسلام ملیء بالدروس والعبر، فمصیر اُولئک الذین غدروا بأمیر المؤمنین علی(علیه السلام) ینطوی على الدروس والعبر من جانب، ومن جانب آخر فانّ قصة بنی أمیة بعد علی(علیه السلام) هى الاُخرى عبرة لمن اعتبر.
روى المؤرخ المشهور المسعودی أنّ الحجاج حکم الکوفة والبصرة على عهد عبد الملک بن مروان عشرین سنة، واحصی من قتله صبراً سوى من قتل فی عساکره وحروبه فوجد مائة وعشرین ألفا، ومات فی حبسه خمسون ألف رجل، وثلاثون ألف أمرأة، منهن ستة عشر ألفا مجردة، وکان یحبس النساء والرجال فی موضع واحد، ولم یکن للحبس ستریستر الناس من الشمس فی الصیف ولا من البرد والمطر فی الشتاء، وکان له غیر ذلک من العذاب.(1)
وذکر إبن قتیبة فی الامامة والسیاسة أن الحجاج دخل مسجد البصرة مع مئتی نفر یحملون سیوفهم ثم أمرهم بالهجوم على الناس إن خلع عمامته إذا رموه، فجعلون یضربون أعناق من فی المسجد حتى إمتلأ بدمائهم. و لم یکن ذلک سوى جانبا من مصیر من تمرد على الإمام(علیه السلام).
1. مروج الذهب 3/166.
