المراد من هذه الاستخارة أن یستخیر الله بحالة من التضرّع والخضوع ویسأله هدایته للصواب، ثمّ یفعل ما یلهمه الله.
روی عن الإمام الصادق(علیه السلام) قال : «إذا أرَدْتَ أنْ تَفْعَلَ شَیْئاً (ولا تَدْرِی أحَسَنٌ هُوَ أمْ سَیِّئٌ) فَاسْتَخِرِ اللهَ فإنْ ألْهَمَکَ فِعْلَهُ فافْعَلْ»(1).
وفی هذه الاستخارة تسجد بعد الفریضة وقل مائة مرّة : «اَللّهُمَّ خِرْلی ثُمَّ توسَّلْ بِنا أهل البَیْتِ(علیهم السلام) واسْتَشْفِع بِنا وانْظُرْ قَلْبَکَ ما أُلْهِمَ فافْعَلْهُ»(2).
کما ورد فی روایة معتبرة أنّ شخصین سألا الرضا (علیه السلام) عن سفرهما إلى مصر بحراً أو برّاً ؟ قال(علیه السلام) : «اذْهَبْ إلى المَسْجِدِ فِی غَیْرِ الصَّلاةِ الواجِبَةِ فَصَلِّ رَکْعَتَیْنِ ثُمَّ قُلْ مائَةَ مَرّة : «أسْتَخِیرُ اللهَ»، ثُمَّ انْظُرْ قَلْبَکَ فَاعْمَل بما أُلْهِمَ»(3).
کما وردت عدّة روایات بهذا الخصوص.
ومن الطبیعی أن مثل هذه الاستخارة بالنظر إلى مورد الروایات ـ والسؤال عن أمر مهمّ وأحیاناً خطیر ـ إنّما تتعلّق بموضوعات عظیمة الأهمیّة لا الموضوعات البسیطة.
ملاحظات :
1. لکلّ شخص أن یستخیر لنفسه بالآداب والشرائط المذکورة وهی أولى وأنسب حسب تصریح بعض الأعلام(4)، فلکلّ شخص إخلاص نیّة أعظم بالنظر لتوجّهه وحاجته، وارتباط خاصّ بالله تعالى وسیرشده الله الرحیم لما یحلّ مشکلته.
لکن یمکن إنابة الغیر لیستخیر له، لا سیّما إن کان ذلک الشخص یتمتّع بخصائص علمیّة وعملیّة وورَع وتقوى.
2. روى المرحوم المحدّث القمّی فی مفاتیح الجنان عن بعض الکتب ساعات للاستخارة بالقرآن فی أیّام الاُسبوع، لکنّه صرّح بعدم ورود روایة عن أهل البیت (علیهم السلام) بهذا الشأن لذلک نتحفّظ عن ذکرها وإن کنّا نعتقد بالاستخارة فی الأیّام المبارکة والأماکن المقدّسة، لکن على کلّ حال یمکن للإنسان استخارة الله متى ما شعر بالحاجة والاضطرار لیتمکّن من تجاوز الحیرة بواسطة الاستخارة.
3. لا ینبغی خلظ الاستخارة بالفأل. فما أکثر ما یلاحظ بعض الأفراد الذین یطلبون الاستخارة هل سنوفّق فی العمل الفلانی أم لا ؟ هل تقضى حاجتنا أم لا ؟ فهؤلاء یخلطون الاستخارة بالإخبار عن القادم.
الاستخارة فقط حین نتردّد فی إتیان عمل ولا یُحَلُّ بالمطالعة والمشورة، فنستخیر للقرار وکأننا نستشیر الله تعالى.
4. یبالغ بعض الأفراد فی الاستخارة بحیث یمارسها فی کلّ أمر صغیر وکبیر فیصاب بنوع من الوسواس فلا یقدم على أیّ عمل دون الاستخارة.
وهذا ما یؤدّی إلى ضعف الاستقلال الفکرىّ وفقدان القدرة على الاختیار والثقة بالنفس وعدم الالتفات إلى نعمة العقل الکبرى والسراج المنیر الذی أودعه الله قلب الإنسان.
فلابدّ من اجتناب هذا الأمر بشدّة وحصر الاستخارة بالموارد التی ذکرناها سابقاً. یعنی حین یعیش الإنسان حالة من الحیرة والقلق ولا یسعه أن یقرّر على ضوء فکره ولا یسع الآخرون أن یرشدوه إلى السبیل القویم.
5. یتردّد بعض الجهّال فی اعتبار أسناد الاستخارة، والحال هناک أدلّة معتبرة علیها، وللوقوف على المزید راجع کتاب «القواعد الفقهیة» الجزء الأوّل، ذیل قاعدة القرعة.
6. الملاحظة الأخیرة: أنّ العمل بالاستخارة لیس واجباً، ولکن ینبغی للإنسان أن لایستخیر، فإنّ استخار فلیعمل بعد التوکّل على الله ولا یتردّد فیندفع بثقة وخطوات آمنة نحو الهدف وسترون قطعاً نتیجتها الإیجابیّة، وکما أسلفنا مطلع البحث فقد جرّبنا هذا الموضوع شخصیّاً مرّات وکرّات.

1. وسائل الشیعة : ج 5، ص 213، ح 3.
2. المصدر السابق.
3. المصدر السابق: ص 205 أبواب صلاة الاستخارة باب 1، ح 4.
4. بحار الأنوار : ج 88، ص 285.