کثیراً ما یحتار الإنسان فی إتیان عمل مهمّ ولا حیلة له فی إزالة هذه الحیرة; فیستشیر ذوی الاطلاع، لکنّهم یحملون آراء مختلفة فیبقى فی حیرة، وإن استمرت حیرته تکّبد خسائر فادحة، وفی هذه الحالة ورد الحثّ على الاستخارة حیث یستشیر الإنسان طبق آداب متواضعة، الله تعالى ـ بواسطة القرآن الکریم أو السبحة وما شابه ذلک ـ ویسأل الذات القدسیة الإرشاد لما فیه خیره وصلاحه، وبالطبع فإن الله ـ طبق صریح الروایات لدینا ـ سیرشده ویهدیه.
ولا تقتصر الاستخارة على إنقاذ الإنسان من حالة الحیرة ـ وهی أسوأ الحالات وأساس ضیاع الوقت وطاقات الإنسان ـ وتسوقه إلى المقصد بإرادة وعزم راسخ وخطوات واثقة فحسب، بل هی إرشاد ومفتاح للخیرات وهذه هی الحقیقة التی وردت فی الروایات الإسلامیّة وقد جرّبناها کراراً ومراراً ووجدنا أنّ الاستخارة أحیاناً تصنع المعجزة.
ویستخیر الإنسان أحیاناً لعمل وینطلق نحوه على أساسها لکنّه لا یحصل ـ ظاهراً ـ على نتیجة، إلاّ أنّه یدرک سرّ ذلک بعد شهور أو سنوات. على کلّ حال لا ینبغی إساءة فهم الاستخارة ولبسها بالتنبؤات; بل الاستخارة تفید خیر العمل وصلاحه من خلال الاستعانة بالله.
ملاحظة : لا ینبغی نسیان أمرین فی الاستخارة :
1. تقتصر الاستخارة حیث لا تتضحّ إیجابیة فعل أو سلبیّته ولا یتضحّ حتّى بالتفکیر ومشاورة أهل الخبرة وأصحاب الرأی; وهنا یأتی دور الاستخارة وإلاّ فهی لیست صحیحة.
2. لابدّ من اجتناب تکرار الاستخارة فی أمر واحد (إلاّ إن تتخلّلتها مدّة مناسبة أو تتغیّر الشرائط) ولا اعتبار سوى للاستخارة الاُولى فی تعدّدها.

الاستخارة بالقرآن الکریم 
یجب أن لا یتردّد الإنسان بعد الاستخارة ـ بالشرائط المذکورة ـ وینطلق ویسأل الله الخیر والصلاح ویتوکّل علیه ویطمئنّ لحصوله على النتیجة.

المعنى الآخر للاستخارة :
للاستخارة معنى آخر ورد کراراً فی الروایات وهو طلب الخیر من الله. أی حین الشروع فی عمل ـ حتّى الأعمال الواضحة التی لم یستخر علیها ـ یسأل الإنسان الله خیره وسعادته (الاستخارة تعنی أصلاً طلب الخیر) ویقدم على ذلک العمل بقوله : «أَسْتَخیرُاللّهَ بِرَحْمَتِهِ» وبأیة لغة ـ على کلّ حال الاستخارة بهذا المعنى مفیدة ومؤثرة جدّاً طبق الروایات الإسلامیّة.
جاء فی الروایة عن الإمام الصادق (علیه السلام) : «مَا اسْتَخارَ اللّهَ عَزَّوَجَلَّ عَبْدٌ مُؤْمِنٌ إِلاّ خارَ لَهُ»(1).
وقال أمیرالمؤمنین (علیه السلام) لابنه الحسن (علیه السلام) : «وَأَکْثِرِ الاِْسْتِخارَةَ»(2).
وعن الإمام الصادق (علیه السلام) : «اسْتَخِرِ اللهَ فِی آخِرِ رَکْعَة مِنْ صَلاةِ اللَّیْلِ وأنْتَ سَاجِدٌ مائةَ مرَّةً وَمَرَّة وقُلْ: أَسْتَخِیرُاللّهَ بِرَحْمَتِهِ»(3).
کما وردت الاستخارة بهذا المعنى فی السجدة الأخیرة من نافلة الصبح(4).

آداب الاستخارة :
وردت فی الروایات آداب خاصّة للاستخارة بمعناها المذکور المعروف مثل : الوضوء واستقبال القبلة والتوجّه إلى الله والاستغفار حین الاستخارة(5) وما شابه ذلک وهی اُمور مطلوبة ومؤثّرة حقّاً.

1. بحار الأنوار : ج 88، ص 224، ح 4.
2. نهج البلاغة : الرسالة 31.
3. من لایحضره الفقیه : ج 1، ص 562، ح 1552.
4. المصدر السابق: ص 563، ح 1553.
5. راجع جواهر الکلام : ج 12، ص 161 و 162.