شهر شعبان أحد أشرف الشهور الإسلامیّة الذی تعطّر بولادة سیّد شهداء کربلاء الإمام الحسین(علیه السلام)(فی الثالث منه) ومولد بقیة الله المهدىّ المنتظر (علیه السلام) (فی النصف منه). وکفى هذا الشهر فضلاً أنّه سمِّی بشهر النبىّ (صلى الله علیه وآله). وکان رسول الله (صلى الله علیه وآله) إذا رأى هلال شعبان أمر منادیاً ینادی فی المدینة : «ألا إنَّ شَعْبانَ شَهْرِی فَرَحِمَ اللهُ مَن أعانَنِی على شَهْرِی»، أی یصومه(1).
وقد روى المرحوم المحدّث القمی روایة فی فضل الأوّل من شعبان عن تفسیر الإمام الحسن العسکرىّ (علیه السلام) تتعلق فی الواقع بشهر شعبان، والروایة عمیقة المعنى وطویلة وقد لخّصها، ونحن نلخّصها أیضاً لعدم الإطالة، وخلاصة الروایة :
إنّ أمیرالمؤمنین (علیه السلام) مرّ على قوم من أخلاط المسلمین وهم قعود فی بعض المساجد فی أوّل یوم من شعبان وهم یخوضون فی أمر القدر وغیره وقد ارتفعت أصواتهم، فقال (علیه السلام) : «یا مَعَاشِرَ المُتَکَلِّمِینَ فِیم لاَیَعْنِیْهِم، هذ یَوْمُ غُرَّةِ شَعْبان سَمَّاهُ رَبُّن شَعْبانَ لَتَشَعُّبِ الخَیْراتِ فیه، وشُعَبُ خَیْراتِه الصّلاةُ والزّکاةُ والأمْرُ بالمَعْروفِ والنَّهْیُ عَنِ الْمُنْکَرِ وبِرُّ الوَالِدَیْنِ والقَراباتِ والجِیْرانِ وإصْلاحُ ذاتِ البَیْنِ والصَّدَقَةُ عَلَى الفُقَراءِ والمَساکِینِ». ثمّ أشار (علیه السلام) إلى حدیث عن النبىّ (صلى الله علیه وآله)وخلاصته :
«إذا کانَ أوَّلُ یَوْم مِن شَعْبانَ یأمُرُ اللهُ بابَ الجَنَّةِ فَتُفْتَحُ وَیأمُرُ شَجَرَةُ طُوبى(2) فَتُدْنِی أغْصَانَها مِن هذه الدُّنْیا، ثُمَّ یُنادِی مُنادی رَبِّنا عزَّوجَلّ : یا عِبادَ اللهِ هذِه أغْصَانُ شَجَرَةِ طُوبى فَتَعَلَّقُوا بِها لِتَرْفَعَکُمْ إلى الجَنَّةِ، وهذِه أغْصانُ شَجَرَةِ الزّقّومِ فَإیّاکُم وَإیّاها لاَ تُؤَدِّ بِکُم إلى الجَحِیمِ». ثمّ قال(صلى الله علیه وآله) : «فَوَالَّذِی بَعَثَنِی بالحَقِّ نَبِیّاً إنّ مَنْ تَعاطى باباً مِنَ الخَیْرِ فی هذا الیَومِ فَقَد تَعَلَّقَ بِغُصْن مِن أغْصانِ شَجَرَةِ طُوبى فَهُوَ مُؤَدٍّ بِه إلى الجَنَّةِ». ثمّ تعرّض(صلى الله علیه وآله) لبعض نماذج التعلّق بغصون شجرة طوبى فقال(صلى الله علیه وآله) : «فَمَنْ تَطَوَّع بِصَلاة (بالإضافة إلى الفرائض) فِی هذا الیَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْن، وَمَنْ صامَ أو أصْلَحَ بَیْنَ الْمَرْءِ وزَوْجِهِ والوَالِدِ ووَلَدِه والقَرِیبِ وقَرِیبِهِ والجَارِ وجَارِه فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْن مِنهُ، ومَن خَفَّفَ مِن مُعْسِر دَیْنَهُ أو حَطَّ عَنهُ أو أدّى دَیْناً أو کَفَلَ یَتِیماً أو کَفَّ سَفِیهاً عَنْ عِرْضِ مُؤمِن أو تَلا القُرآنَ أو ذَکَرَ اللهَ ونَعْماءَهُ لِیَشْکُرَهُ أو عادَ مَرِیضاً أو بَرَّ فِیه وَالِدَیْهِ أو أحَدَهُما أو شَیَّعَ جَنازَةً أو فَعَل شَیْئاً مِن سائِرِ أبْوابِ الخَیْرِ فی هذا الیَومِ فَقَدْ تَعَلَّقَ مِنْهُ بِغُصْن». ثمّ قال(صلى الله علیه وآله) : «والّذِی بَعَثَنِی بالحَقِّ نَبِیّاً، أنّ مَنْ تَعاطى باباً مِنَ الشَّرِّ والعِصْیانِ فی هذا الیَوْمِ فَقَدْ تَعَلَّقَ بِغُصْن مِن أغْصانِ الزَّقُّومِ فَهُوَ مُؤَدٍّ بهِ إلى النّار، فَمَنْ قَصَّر فی الصَّلاةِ المَفْروضَةِ وضَیَّعَها أو جاءَه فی هذا الیَومِ فَقِیرٌ ضَعِیفٌ یُعْرَفُ مِن سُوءِ حَالِه وَهُوَ یَقْدِرُ على تَغْییرِ حَالِهِ فَتَرَکَهُ ولَمْ یأخُذْ بِیَدِهِ، أوِ اعْتَذَرَ إلَیهِ مُسِیئٌ فَلَم یَعْذِرْهُ، أو ضَرَب بین المَرْءِ وزَوْجِه أو الوَالِد وولده أو الأخِ وأخِیهِ أو القَریبِ وقَریبِه أو بَیْنَ جارَیْنِ، أو شَدَّدَ على مُعْسِر أو کانَ عَلَیهِ دَیْنٌ فَأَنْکَرَهُ، أو جَفَا یَتِیماً وآذَاهُ، أو تَغَنّى بِغِناء یَبْعَثُ فِیه على المَعاصِی، أو قَعَدَ یُعَدِّدُ قَبائِحَه وأنواعَ ظُلْمِهِ لِعِبادِ اللهِ أو کانَ جَارُهُ مرِیضاً فَتَرَکَ عَیادَتَهُ أو عَقَّ والِدَیْهِ أو أحَدَهُما أو... فَقَد تَعَلَّقَ بِغُصْن مِن شَجَرَةِ الزّقّومِ الّتی تُؤَدِّی بهِ إلى النّارِ»(3).
فقد بیّن هذا الحدیث الشریف العمیق المعنى طرق السعادة والشقاء بذکر مثال معنوىّ وشخّص طرق تهذیب النفس وخدمة الخلق والعبودیة للخالق فی هذا الشهر، کما حذّر من أسباب البؤس والشقاء والحرمان من السعادة التی تفتح الطریق فی سائر الشهور لا سیّما الانطلاقة فی شهر شعبان نحو الخیر والإحسان.

1. مصباح المتهجّد : ص 825.
2. حسب بعض الروایات طوبى شجرة فی الجنّة وأصلها فی بیت رسول الله (صلى الله علیه وآله) وغصونها فی بیوت المؤمنین وفیها کلّ ما یرغب به أهل الجنّة. (بحار الأنوار : ج 8، ص 117 و 118). والزقوم بتصریح القرآن (سورة الصافات : الآیة 62 ـ 66) شجرة فی جهنم للظالمین.
3. تفسیر الإمام الحسن العسکری (علیه السلام) : ص 635 (فی تفسیر الآیة 282 من سورة البقرة).