العالم على أعتاب الدعوة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الأول الجاهلیة المعاصرة

إن الهدف الغائی للإمام(علیه السلام) من هذه الخطبة هو إیقاظ الناس من سبات الغفلة والغررو، فقد إصطحبهم إلى عصر الجاهلیة واستعرض لهم التأریخ، کیف کان الناس، والنقلة النوعیة الکبرى التی أحدثتها نهضة النبی(صلى الله علیه وآله)، ثم حذر من عودة أوضاع الجاهلیة، مؤکدا أنّه وعلى غرار النبی(صلى الله علیه وآله) ثار من أجل إجتثاث جذور الجاهلیة بما تنطوی علیه من أفکار وأوهام، لیعودوا إلى أنفسهم قبل فوات الآوان. فقد رسم صورة واضحة للجاهلیة بعبارات قصیرة عظیمة المعنى فی خمس عشرة. جملة بما یعجز الآخرون عن رسم مثل هذه الصورة. فقال(علیه السلام)«أرسله على حین فترة( 1) من الرّسل»، وقیل إنّ هذه الفترة قد استغرقت خمسمائة سنة وقیل ستمئة سنة لم یبعث فیها نبی(2) (وان کان أوصیاؤهم بین الناس). ولذلک ساد الناس سبات قاتل، وهذا ما أکده الإمام(علیه السلام) فی العبارة الثانیة «و طول هجعة(3) من الأمم»، ولعل هذه الفترة تستبطن امتحان اللّه للعباد وللوقوف على قدر الأنبیاء ونعمته علیهم. مع ذلک فقد کان هناک أثر مباشر لهذه الفترة فی تفعیل حرکة شیاطین الجن والانس; وذلک أن المیدان قد خلالهم فشددوا من حملاتهم على الاُمم والشعوب فجرعوها أنواع الانحرافات والأضالیل ثم قال(علیه السلام)فی العبارة الثالثة: «و اعتزام(4) من الفتن» فقد شبه الإمام(علیه السلام) الفتن بالإنسان الشریر أو الحیوان الضاری الذی یهجم على الإنسان الأمن دون مبرر; وهذا ما کانت علیه الإمام فی فترة الرسل. ثم قال(علیه السلام) فی العبارة الرابعة: «و انتشار من الأمور» یمکن أن یکون المراد بهذه العبارة تشتت فعالیات الجماعة البشریة وانشطتها، وبعبارة اُخرى ظهور الفوضى والهرج والمرج والاضطراب والتششت فی المجتمعات والذی یعد من الفتن والقلاقل. ثم قال(علیه السلام): «و تلظّ(5)من الحروب» یاله من تشبیه رائع، حیث شبه الحرب بلهیب الانار المحرقة التی تأتی على الأخضر والیابس فتحیله رماداً. کما شبه امتداد الحروب بالسنة النیران. ولو رجعنا قلیلا إلى الوراء لرأینا العالم برمته ولا سیما جزیرة العرب أنّه کان مسرحاً للحروب الدامیة فقد کانت الحرب قائمة على قدم وساق بین القبائل العربیة ولأتفه الأسباب، إلى جانب معارک الروم وایران، فکانت تسیل أودیة من الدماء. وقال(علیه السلام): «والدّنیا کاسفة(6) النّور، ظاهرة الغرور» فالواقع أنّ نور البشریة لیس إلاّ نور الوحی ووجود الانبیاء، فاذا کانت هناک ظلمة مطلقة تلقی بعتمتها على کل شئ فتستفحل أمراض الخدع والمکر، وتتسع رقعة المذاهب الزائفة ویتلبس الدجالون لباس المسوح والاصلاح فیجدوا فی إستغلال الخلق من أجل تحقیق منافعهم المادیة. ثم شبه الإمام(علیه السلام)الناس فی الجاهلیة بمزرعة قد ذبلت جمیع أشجارها واصفرت أوراقها (فهى فی حال التساقط) وقد یأس المزارع من ثمرها بعد أنّ غار ماؤها وجفت عروقه: «على حین اصفرار من ورقها، وإیاس(7) من ثمرها، واغورار(8) من مائه» وذلک لأنّ مزرعة المجتمع البشری إنّما تتزین بورود الأخلاق والفضائل، وثمارها العدالة والمروءة والمحبة، أمّا ماؤها فیکمن فی الإیمان والورع والتقوى; المعانی التی کانت مغیبة تماماً فی العصر الجاهلی. حتى من الناحیة المادیة فقد شلت الزراعة والتجارة بسبب الحروب وعدم شیاع الأمن والاستقرار فکان الفقر قد ساء العالم الجاهلی بالشکل الذی کان یدفعهم إلى قتل أولادهم، وهذا ما أشار إلیه القرآن بالقول: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَکُمْ خَشْیَةَ إِمْلاق)(9) بغض النظر عن وأدهم البنات خشیة الفضیحة والعار. ثم قال(علیه السلام) فی الصفة التاسعة والعاشرة: «قددرست(10) منار الهدى، وظهرت أعلام الرّدى» فالمنار موضع النور، حیث کانوا یشعلون فی السابق سراجاً على مرتفع حین اللیل فیکون علامة للقرى المدن یشاهدها القاصی والدانی فلایضل الطریق. فاذا تآلکت هذه المرتفعات وتهدمت لم یعد هناک من سراج فوقها، فالعبارة کنایة رائعة إلى سراج الکتب السماویة وتعالیم الأنبیاء التی تمثل نور الهدایة للجماعة الإنسانیة، وقد انطفئ هذا النور فی العصر الجاهلی اثر غلبة الاهواء، فکان من الطبیعی إذا اطفئ النور أن یعم الظلام الدامس بکل معانی الحیرة والظلال والکفر والنفاق وقال(علیه السلام) فی الصفة الحادیة عشرة: «فهى متجهّمةٌ(11) لاِهلِها، عابِسةٌ(12) فِی وجهِ طالِبِه» فالعبارة کنایة عن شدة العنف والنزاعات وصعوبة المعیش وتعقید الحیاة; کیف لا والحیاة الوادعة الامنة لاتتحق الا فی ظل العدالة الاجتماعیة والاخاء والمحبّة والمودة التی لم یکن لها من أثر فی العصر الجاهلی. ثم قال(علیه السلام): «ثمرها الفتنة، وطعامها الجیفة(13)». حقاً لیست هنا لک من ثمرة لذلک الوسط بتلک الصفات سوى الفتن ولیس له من طعام سوى المیتة; والمفردة جیفة قد تکون إشارة إلى الوضع الذی کان علیه الناس فی عصر الجاهلیة حیث کانت ا لعرب تأکل المیتة من شدة الاضطرار فالمیتة متعفنة وتدعو إلى الاشمئزاز والنفرة، وقطعا فانّ الحیاة فی مثل هذه البیئة إنّما تتسم بالتعفن والاشمئزاز، کما کان دخلهم عن طریق شن الغارات ولسراقات وما شابه ذلک من الاُمور التی یمجها العقل السلیم; أمّا الدلیل على أکل أهل الجاهلیة للمیتة هو الآیة القرآنیة التی نهت عن ذلک: (حُرِّمَتْ عَلَیْکُمُ المَیْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الخِنْزِیرِ...)(14) وبالطبع فانّ المراد بالثمرة والطعام فی العبارة الجانب الکنائی. فطعام الإنسان عادة أمّا أن یکون من الثمار أو اللحوم، ولم یکن نصیب الناس فی الجاهلیة سوى الفتنة والأفکار المتعفنة التی تدعو إلى الاشمئزاز والتقزز; ثمراتهم ونعمهم المادیة والمعنویة کانت معجونة بالتعفن والفساد والعار. ثم قال(علیه السلام): «وشعارها الخوف، ودثارها السّیف» فبالالتفات إلى أنّ الشعار یعنی الثوب الذی یلی البدن والدثار الثوب الداخلی یتبین أنّ العبارة کنایة رائعة ولطیفة مصعمة بالفصاحة والبلاغة لتصویر ظروف ذلک الزمان وسیادة الخوف والسیف من الداخل والخارج، فکل یخشى الآخر، وکل قبیلة تتوقع أن تحمل علیها اُخرى فتقتل رجالها وتسبی نسائها وتنهب أموالها. فکانت السیوف مشهورة على الدوام بسبب ذلک الخوف والخشبیة، ولعمری أنّ هذه العبارة قد أشارت إلى کافة أنواع البؤس والشقاء السائدة آنذاک. ومن الطبیعی أن یسود الخوف والرعب أوساط المجتمع الذی تغیب فیه أنوار الهدى وتشع فیه اعلام الضلال والردى ویبتعد فیه الافرد عن تعالیم السماء وإرشادات الأنبیاء. أمّا الصورة التی رسمها أمیرَالمؤمنین(علیه السلام) بهذه العبارة التی تعرض إلى خصائص العصر الجاهلی فانّها لاتقتصر على شبه الجزیر العربیة فحسب، بل تشمل کافة مناطق العالم آنذاک وإن بلغت ذروتها بین قبائل العرب. والحق لایسع خطیب ولاکاتب مهما کانت قدرته على البیان أن یصور فجائع ذلک الزمان وانحرافاته کا صورها الإمام(علیه السلام) بهذه العبارات المعجزة وهذا ما سنتعرض إلیه فی الحبث القادم والمؤسف أن هذه الخصائص إنّما تشاهد الیوم بوضوح فی عصرنا الراهن الذی تحکمه الجاهلیات المعاصرة. ومن هنا نقف على عظم جهود النبی(صلى الله علیه وآله) فی إخراج تلک الجماعة الممزقة المیتة من الظلمات إلى النور وتبدیل خوفها أمنا وفقرها غنى ونزاعها وقتالها إلى إخوة وصلح وسلام، کما جعلهم أمّة متحضرة متمدنة حتى إنتشر الإسلام ورفعت رایته خفاقة فی أغلب ربوع المعمورة، وقد استسلمت الملوک والسلاطین والجبابرة والطغاة لجیوش المسلمین الفاتحة التی حملت مشاعل الهدایة والخیر والصلاح. کما نهض المجتمع الإسلامی نهضات عظیمة لیشهد ذلک التطور والأزدهار فی کافة المجالات العلمیة والاجتماعیة والاقتصادیة. وحقاً إن هذا لمن معجزات الدین الإسلامی الخالد وا لجهود المضنیة التی بذلها الرسول الأکرم(صلى الله علیه وآله); ولا غرو فانّ کافة الحسابات المادیة تشیر إلى إنّ إنقاذ تلک الاُمّة مما کانت علیه والأخذ بیدها إلى حیث العزة والرفعة والسمو والکمال لایمکن تحقیقه فی ظل المعادلات الطبیعیة والحسابات المادیة! وکما أوردنا سالفا فانّ هدف الإمام(علیه السلام) یکمن فی تحذیر الاُمّة من مغبة العودة إلى الجاهلیة المقیتة بثیابها الجدیدة وإنّ الإمام(علیه السلام) سیقف بوجهها کما وقف بوجهها رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) واخمدها بجهاده.


1. «فترة» تعنی فی الأصل الهدوء والسکنیة، کما تعنی الضعف، کما تطلق على الزمان بین حرکتین أو حدثین، ومن هنا یصطلح بالفترة على الزمان الفاصل بین ظهور الأنبیاء.
2. ذکر البعض أن الفترة بین ولادة السید المسیح(علیه السلام) هجرة النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) استغرقت 621 سنة و195 یوماً (تفسیر ابوالفتوح الرازی 4/154، هوامش المرحوم العلاّمة العشرانی) کما قیل أنّ النبی(صلى الله علیه وآله) ولد عام 570 م وبعث عام 610 م (بینات خالدة 1/121).
3. «هجعة» من مادة «هجوع» نوم اللیل شبه به وضع الأقوام الجاهلیة بالنسبة للهدایة لعمقه.
4. «اعتزام» من مادة «عزم» العزم والقرار وهو هنا فاعل فتنة.
5. «تلظ» من مادة «لظى» بمعنى لهب النار، و«تلظى» بمعنى النار المشتعلة.
6. «کاسفة» من مادة «کسوف (» ومنه الکسوف والخسوف الذی تتعرض له الشمس والقمر) وهى هنا کنایة عن إنطفاء أنوار الهدایة فی العصر الجاهلی.
7. «إیاس» على وزن قیاس عدم الأصل.
8. «اغورار» من مادة «غور» الغوص فی الأرض، وعادة ما یطلق على الماء داخل الأرض وهو هنا کنایة عن انقطاع الهدایة.
9. سورة الاسراء / 31.
10. «درست» من مادة «دروس» زوال الاثار وانعدامها.
11. «متجهمة» من مادة «جهم» على وزن فهم العنف والغلظة، ویقال متجهم لمن یستقبل الآخرین وینظر إلیهم بوجه کریه.
12. «عابسة» من مادة «عبوس» على وزن مجوس کنایة عن الاسى الشدید للناس فی العصر الجاهلی.
13. «جیفة» من مادة «جوف»، وتطلق عادة على المیت الذی یفسد جوفه فتهب منه ریح نتنة.
14. سورة المائدة / 3. 

 

القسم الأول الجاهلیة المعاصرة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma