و نحن نذکر فی هذا الموضع ما استفاض فی الروایات من مناشدتِه أصحاب الشورى، وتعدیده فضائله وخصائصه التی بأنّ بها منهم ومن غیرهم قد رَوَى الناس ذلک فأکثروا; والذی صحَّ عندنا أنّه لم یکن الأمرُ کما رُوِی من تلک التعدیدات الطویلة; ولکنه قال لهم بعد أن بایع عبدُالرحمن والحاضرون عثمانَ، وتلکّأ هو علیه السلام عن البیعة: إنّ لنا حقًّا إن نعطَه نأخذه، وإن نمَنعه نرکب أعجاز الإبل وإن طال السُّرى; فی کلام قد ذکره أهل السیرة; وقد أوردنا بعضه فیما تقدم، ثم قال لهم: أنشدکم الله! أ فیکم أحَدٌ آخَى رسولَ الله(صلى الله علیه وآله) بینه وبین نفسه; حیث آخى بینَ بعض المسلمین وبعض غیری؟ فقالوا: لا; فقال أفیکم أحدٌ؟ قال له رسول الله(صلى الله علیه وآله): «مَنْ کنت مولاه فهذا مولاه» غیری؟ فقالوا: لا، فقال: أفیکم أحد؟ قال له رسول الله(صلى الله علیه وآله): «أنتَ منی بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبی بعدی» غیری؟ قالوا: لا، قال: أفیکُم من اؤتمن على سورة براءة، وقال له رسول الله(صلى الله علیه وآله) إنّه لا یؤدی عَنّی إلا أنا أو رجل مِنی غیری؟ قالوا: لا، قال: ألا تعلمون أنّ أصحابَ رسول الله(صلى الله علیه وآله)فَرُّوا عنه فی مأقِط الحرب فی غیر موطن، وما فررت قَطّ؟ قالوا: بلى، قال: ألا تعلمون أنی أوّل الناس إسلاماً؟ قالوا: بلى. قال: فأیُّنا أقرب إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله) نسباً؟ قالوا: أنت. فقطع علیه عبدُالرحمن بن عوف کلامه، وقال: یا علی; قد أبَى الناس إلاّ على عُثمان، فلا تجعَلنّ على نفسک سبیلاً، ثم قال: یا أبا طلحة، ما الذی أمرک به عمر؟ قال: أن أقْتُل مَنْ شقّ عصا الجماعة، فقال عبد الرحمن لعلىّ: بایع إذن; وإلاّ کنت متَّبعاً غیر سبیل المؤمنین،أنفذْنا فیک ما أمِرْنا به. فقال: «لقد علمتم أنی أحقُّ بها من غیری، والله لأسْلِمن...» الفصل إلى آخره، ثم مدّ یده فبایع.( 1)
«لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنِّی أَحَقُّ النّاسِ بِها مِنْ غَیْرِی ووَ اللّهِ لاَُسْلِمَنَّ مَا سَلِمَتْ أُمُورُ الْمُسْلِمِینَ ولَمْ یَکُنْ فِیها جَوْرٌ إِلاَّ عَلَیَّ خاصَّةً الْتِماساً لاَِجْرِ ذَلِکَ فَضْلِهِ وَزُهْداً فِیما تَنافَسْتُمُوهُ(2) مِنْ زُخْرُفِهِ وزِبْرِجِهِ».