العلماء المخلصون والعلماء المتشبهون

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الثالث 1 ـ علماء الضلالة

کان الکلام فی الأبحاث السابقة عن العلماء المخلصین الذین کانوا هداة على الطریق، منهم مصباح ظلمات، وکشاف عشوات ومفتاح مبهمات ودفاع معضلات، وهو ملاذ الضعفاء ومفزع العباد، وقد بین الإمام(علیه السلام) صفاتهم على أکمل وجه، أمّا هنا فقد تحدث الإمام(علیه السلام) عن المتشبهین بالعلماء من أهل الضلال الذین کمنوا للخلق وصدوهم عن الحق بباطلهم ومکرهم واستغلال سذاجتهم من أجل تحقیق أطماعهم المادیة. فقد عدّ الإمام(علیه السلام)عشر من صفاتهم فقال: «و آخر قد تسمّى عالماً ولیس به». فالتعبیر بالفعل «تسمى» بصیغة المتعدی تفید أن الیقظین من أبناء الاُمّة لایرونهم علماء، وهم لیسوا کذلک أیضاً عنداللّه، بل یزعم أحدهم أنّه عالم، إلى جانب شلة من الجهال المتأثرة بکذبهم ودجلهم. ثم قال فی الصفة الثانیة: «فاقتبس جهائل من جهّال، وأضالیل من ضلاّل». فالمفردة «إقتبس» التی تعنی هنا التعلم، تفید أن هذا العالم المزیف إنّما أجاء هذا الفن فی الخداع والتضلیل إثر تعلمه ممن سبقه، فوظف ما تعلم فی هذا الانحراف دون أن یجعل جهاده وسعیه للعلم والعمل فی خدمة الحق، وهذا لعمری قمة البؤس والشقاء. ولعل الفارق بین «جهائل» و«أضالیل» أن جهائل (جمع جهالة) تعنی الجهل المرکب; أی أنّه جاهل ولایدری أنّه کذلک (ولایدری أنّه لایدری) أمّا أضالیل (جمع أضلولة) فهى تعنی الاُمور المضلة التی یتجه إلیها عن علم. ثم قال فی الصفة الثالثة «و نصب للنّاس أشراک( 1) من حبائل غرور، وقول زور»; یاله من تعبیر رائع! نعم فهو کالصیاد الذی ینشر الحبوب فیجعلها فخاً للطیور والحیوانات البلهاء، فیبیعها ویتغذی على لحومها، وهذا ما یفعله هذا العالم المزیف تجاه السذج من الناس فیجنی أطماعه المادیة ومنافعه الشخصیة. وما أبرز مصادیق هؤلاء على مر التأریخ فی کل عصر ومصر، الذین یسخرون الدین لخدمة دنیاهم، فقد جاء فی الخبر أنّ الإمام(علیه السلام) وصف عبداللّه بن الزبیر قائل: «ینصب حبالة الدین لاصطیاد الدنی»(2) (وقد قال الإمام(علیه السلام) ذلک حین لم تتضح شخصیته ویکشف عن مواقفه). ثم قال فی الصفة الرابعة: «قد حمل الکتاب على آرائه وعطف الحقّ على أهوائه»، بالضبط على عکس العالم الذی طالعتنا صفاته فی أنّه أمکن الکتاب من زمامه وجعله قائده وإمامه، یحل حیث حل ثقله، وینزل حیث کان منزله، فهو تابع للقرآن بکل کیانه. والحق لیس هنالک من وسیلة أفضل من هؤلاء المزیفین للتعرف على العلماء العاملین. فذاک الذی جعل القرآن قائده وإمامه هو العالم المخلص، أمّا هذا الذی یفسر القرآن برأیه ویسعى لتطبیق القرآن على متطلباته ورغباته. لهو عالم سوء مزیف. وقد جاء فی الحدیث عن رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «من فسر القرآن برأیه فلیتبوء مقعده من النار»(3). کما عنه(صلى الله علیه وآله) أنّ اللّه سبحانه وتعالى قال: «ما آمن بی من فسر برأیه کلامی»(4) والدلیل واضح فمن آمن باللّه علم أنّ الحق ما کان من اللّه، فان رأى غییره الحق فهو على خطأ. کما ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام) أنّه قال: «من فسرّ برأیه آیة من کتاب اللّه فقد کفر»(5). ثم قال فی الصفة الخامسة من صفات هذا الذی تشبه بالعلماء: «یؤمن النّاس من العظائم، ویهوّن کبیر الجرائم» وهکذا فانّ الآثمین من الأفراد ـ الذین یشکلون الأکثریة فی المجتمعات ـ یسعون لحشد الآراء لصالحهم، وبعبارة اُخرى فانّ هنالک الأغلبیة الساحقة فی المجتمع التی تسعى للتظاهر بالدین، أمّا فی داخلهم فهم یسعون من خلال ذلک لجمع الأفراد حولهم واستقطابهم بواسطة مماشاتهم وتصغیر الکبائر لدیهم. ثم قال فی الصفة السادسة واصفا حال هذا العالم المزیف: «یقول: أقف عند الشّبهات، وفیها وقع»، فهذا المرائی الماکر یتظاهر أمام الناس بالدین إلى درجة أنّه یزعم لهم: (لا أجتنب المحرمات فحسب، بل أنا محتاط حتى فی الشبهات) والحال تعج حیاته بالشبهات، وأبعد من ذلک المحرمات. وقیل فی تفسیر هذه العبارة أنّ اقتحامه للشبهات نابع من جهله، فمثل هؤلاء الأفراد إنّما یعانون عادة من الجهل المرکب، فیرون ضلالهم هدى ومعاصیهم تقوى. ومن الواضح أنّ هؤلاء الجهال یتحلون بهاتین الصفتین، فلا مانع من الجمع بین التفسیرین (لامکانیة استعمال اللفظ فی أکثر من معنى). أمّا الشبهات فتطلق عادة على الاُمور التی لاتعرف بصورة تامة، فهل هى حرام أم حلال؟ بعبارة اُخرى فقد جاء فی الحدیث النبوی الشریف: «حلال بین، وحرام بین، وشبهات بین ذلک»(6); أی أن الشبهات هى حد الحرام. ومن هنا فمن أراد أن یصون نفسه عن الذنب وجب علیه عدم الاقتراب من هذا الحد، وإلاّ هوى فی مستنقع الذنوب ووصل المعاصی. ولذلک جاء فی آخر الحدیث: «فمن ترک الشبهات نجا من المحرمات، ومن أخذ بالشبهات ارتکب المحرمات، وهلک من حیث لایعلم».

ثم قال فی الصفة السابعة: «و یقول: أعتزل البدع، وبینها اضطجع(7)»، یمکن أن یکون هذا الادعاء ممّا یفرزه المکر والخداع أو الجهل المرکب، فاساس نشاط مثل هؤلاء الأفراد قائم على التشبث بالبدع وهجر السنن إرضاءاً لاهواء العامة; الأمر الذی لایمکن تحقیقه إلاّ من خلال البدع والأحداث فی الدین، وحقیقة البدعة إدخال ما لیس من الدین فیه، أو إخراج ما کان من الدین، وعلیه فالبدعة حرام، ولا یعنی هذا رفض أسالیب التجدد فی الحیاة فی کافة جوانبها العلمیة والادبیة والاجتماعیة. فالبدعة أن تحدث شیئا وتنسبه إلى الدین وهو لیس منه، والعکس صحیح. وما حالات الافراط والتفریط التی یمارسها الجهال الا إفرازات طبیعیة لعدم إدراک حقیقة البدعة. أمّا فی الصفة الثامنة والتاسعة العاشرة التی تعد بمثابة نتیجة الصفات السابقة حیث أوردها الإمام(علیه السلام) بفاء التفریع فقد قال: «فالصّورة صورة إنسان، والقلب قلب حیوان. لا یعرف باب الهدى فیتّبعه، ولا باب العمى فیصدّ عنه، وذلک میّت الأحیاء». حقا لیس هنالک من تعبیر یصور وضع هؤلاء العلماء المزیفون أبلغ وأدق من هذا التعبیر. فصورتهم ومظهرهم صورة إنسان، بل إنسان کامل ورع وعالم، فی حین یسبح هذا الإنسان ـ بهذه الصفات ـ فی بحر من الجهل المرکب، فاذا فکر یوما فی الهدایة، ضل الطریق بسبب ذنوبه ومعاصیه، فهو لایعرف سبیل الحق والهدى لیهتدی إلیه، ولا یعرف سبیل الباطل والضلال لیصد عنه، بالتالی فهو میت یتحرک بین الأحیاء، وقد ماتت فیه کل مقومات الحیاة الانسانیة. والواقع إنهم مصداق بارز للآیة الشریفة: (إِنَّکَ لا تُسْمِـعُ المَوْتى وَلا تُسْمِـعُ الصُّـمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّـوْا مُدْبِـرِینَ)(8)، أو الآیة الکریمة (وَلَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَـنَّمَ کَثِـیراً مِنَ الجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا یَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْیُنٌ لا یُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا یَسْمَعُونَ بِها أُولـئِک کَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولـئِک هُمُ الغافِلُونَ).(9)


1. «اشراک» جمع «شرک» بمعنى اشباک الصیاد.
2. الکنى والألقاب 1/294.
3. عوالی اللئالی 4/104.
4. بحارالأنوار 89/107، ح 1.
5. تفسیر البرهان 1/19.
6. الکافی 1/68.
7. «اضطجع» من مادة «ضجع» على وزن زجر بمعنى نام ووضع جنبه على الارض.
8. سورة النمل / 80 .
9. سورة الاعراف / 179.  

 

القسم الثالث 1 ـ علماء الضلالة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma