دور التقوى فی تقریر مصیر الإنسان

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الثانی التقوى فی کل زمان ومکان

ما أن فرغ الإمام(علیه السلام) من حمداللّه والثناء علیه والشهادة لرسول اللّه بالنبوة فی المقطع الاول من الخطبة حتى تطرق(علیه السلام)إلى أهم مسألة تلعب دورها فی تقریر مصیر الإنسانیة ألاوهی التقوى، فیوصی بها الجمیع ثم یذکر عشر صفات للّه کلها تدعو إلى التقوى. فتارة یتحدث عن النعم الموفورة، وتارة أخرى عن الحساب والجزاء، وأحیاناً یشیر إلى النذر الإلهیة وإتمام الحجة، کما یتکلم عن محدودیة عمر الإنسان وما یتعرض له من تمحیص واختبار، وکل واحد منها من شأنه أن یسوقه إلى التقوى فقال(علیه السلام): «أوصیکم عباداللّه بتقوى اللّه الذی ضرب الأمثال» فالأمثلة والتشبیهات التی وردت فی القرآن الکریم وأحادیث النبی(صلى الله علیه وآله) وکلمات المعصومین(علیهم السلام)لتقریب الحقائق العقلیة إلى الأذهان وتجعلها فی متناول الحس، لا تخرج عن أربع صور هى: تشبیه المحسوس بالمحسوس (بالطبع المحسوس الثانی لابدّ أن یکون أوضح من المحسوس الأول)، تشبیه المعقول بالمحسوس، وتشبیه المحسوس بالمعقول، وأخیراً تشبیه المعقول بالمعقول، والغرض من کل هذه التشبیهات هو الاستئناس بالمسائل التربویة والأوامر والنواهی الإلهیة بحیث یکون مفهومها قریباً لدى النفس ولا تبقى ألغاز المفاهیم المعقدة. ثم قال(علیه السلام): «ووقت لکم الآجال» فلکل عمر وأجل معین وقد خط الموت والفناء على جبین الجمیع، سواء کان هذا الأجل هو النهایة القطعیة للحیاة; أی الأجل المسمى، أو النهایة المشروطة; أی الأجل المحتوم. فقد قال سبحانه وتعالى: (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لایَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا یَسْتَقْدِمُونَ)( 1) وقال: (کُلُّ مَنْ عَلَیْها فان)(2).

ومن البدیهی أن یتجه الإنسان نحو التقوى حین یلتفت إلى تقلب الحیاة الدنیا وقصر العمر. ثم قال(علیه السلام): «وألبسکم الریاش(3) وأرفغ(4) لکم المعاش» حیث طرح الإمام(علیه السلام)مسألة اللباس من بین جمیع النعم ثم أشار إلى کافة نعم الحیاة والعیش، ولعل کون اللباس من أهم النعم، الذی لایقتصر على حفظ الإنسان من البرودة والحرارة ویصونه من الأخطار والصدمات التی تتهدده ویستر عیوبه فحسب، بل لأنّ القرآن شبه التقوى باللباس فی آیاته، ومن هنا کان هنالک تناسب مع أصل الحدیث عن التقوى، وهذا ماحدا بالإمام(علیه السلام) إلى تقدیم الخاص قبل العام فی إطار حدیثه عن النعم. والجدیر بالذکر أنّ وجود هذه النعم الفضیلة الواسعة التی عمت حیاة الإنسان لهی الدافع لمعرفة اللّه وبالتالی تقواه. فکیف یعرف الإنسان هذه النعم ولا یجّد فی رعایة حرمة ولیها. فقد ورد فی القرآن الکریم قوله سبحانه: (یا بَنِی آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَیْکُمْ لِباساً یُوارِی سَوْآتِکُمْ وَرِیشاً وَلِباسُ التَّقْوى ذلِکَ خَیْرٌ )(5). یذکر أن لریش الطیور ألوان مختلفة وجمالیة خاصة ، ومن هنا فانّه یعنی الزینة أیضاً، ولما کانت التقوى تستر عیوب الإنسان وتحفظه من وساوس الشیطان وهى زینة له، فانّ مفردة اللباس فی الآیة الشریفة تشیر إلى التقوى(6) ثم قال(علیه السلام): «وأحاط بکم الاحصاء، وأرصد لکم الجزاء» طبعاً إذا التفت الإنسان إلى هذه المسألة وهى أنّ الحساب الإلهی دقیق ـ وکأنّه قلعة محکمة یصعب إختراقها حیث لایسع أی عمل أو قول صدر من الإنسان أن یفلت من الحساب، کما أنّ کل قول وعمل إنّما یحمل جزائه معه، فان هذا الأمر سیدعوه إلى الورع والتقوى وإجتناب معصیة أوامر اللّه سبحانه، والعبارة: «أحاط بکم الاحصاء» المستقاة من الآیة الکریمة: (وَأَحاطَ بِما لَدَیْهِمْ وَأَحْصى کُلَّ شَیء عَدَد)(7) إنّما هى عبارة رائعة تشیر إلى أنّ الإنسان قد خضع لدائرة الاحصاء الإلهی بحیث لایصدر منه شیئاً دون حساب، والعبارة: «أرصد لکم الجزاء» تصور الثواب والعقاب کمراقب کمن للإنسان بحیث لایغادر أی عمل صدر منه، ثم قال(علیه السلام): «وآثرکم بالنعم السوابغ، والرفد(8) الروافغ،(9) وأنذرکم بالحجج البوالغ» الایثار تفضیل الشخص على النفس أم الآخرین، ومنه ماورد فی الآیة 91 من سورة یوسف: (تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَکَ اللّهُ عَلَیْن). أمّا ما تصوره بعض شرّاح نهج البلاغة من أنّ الایثار تقدیم الآخر على الذات، أو فیما یحتاجه المؤثر لیس بمستقیم، ولما لایمکن تصور أی من هذین المعنیین على اللّه فلیس من الصواب الاتجاه نحو المعنى المجازی.(10) على کل حال فان المراد بالعبارة هو أنّ اللّه سبحانه قد فضل الإنسان على سائر مخلوقاته وأفاض علیه نعمه وکراماته; الأمر الذی صرح به القرآن الکریم: (وَلَقَدْ کَرَّمْنا بَنِی آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِی البَرِّ وَالبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّـیِّباتِ وَفَـضَّلْناهُمْ عَلى کَثِـیر مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِـیل)(11). فاذا إلتفت الإنسان إلى هذا النعم الإلهیة بما فیها تفضیله على سائر المخلوقات، سیثار لدیه حس الشکر، وکما أوردنا سابقاً فانّه سیتجه لمعرفة المنعم وبالتالی الامتناع عن مخالفته والتمرد على أوامره والتحلی بالورع والتقوى. أمّا الحجج البوالغ المتمثلة بالأنبیاء والکتب السماویة والمعجزات والأدلة العقلیة والنقلیة فهى الاُخرى من دواعی الورع والتقوى وأمّا ذکر النعم إلى جانب الحجج فیمکن أن یکون إشارة إلى أنّ اللّه فی الوقت الذی یغدق کل هذه النعم على الإنسان، إلاّ أنّه یحذره من استغلالها وأنّ علیه أن یوظفها بما یقوده إلى الفلاح والسعادة. ثم إختتم(علیه السلام) کلامه بهذا الشأن قائل: «فأحصاکم عدداً، ووظف لکم مدداً،(12) فی قرار خبرة(13)، ودار عبرة، أنتم مختبرون فیها، ومحاسبون علیه» لقد سبق الحدیث فی الصفة الثانیة عن أجل الإنسان وفى الصفة الخامسة عن إحصاء الناس وعددهم، ثم کرر(علیه السلام)هذین الوصفین لأهمیتهما وتأثیرهما المباشر فی تجلی حقیقة التقوى فی وجود الإنسان، کما یمکن أن یفید هذا التکرار معنى آخر، فقد کان الحدیث فی العبارات السابقة عن الاحاطة بأعمال الإنسان، ومن هنا أردف بالکلام عن جزاء الأعمال، أمّا هنا فقد ورد الکلام عن أحصاء الناس بحیث لایشرد أحدهم عن مراقبة اللّه سبحانه، کما صرح بذلک القرآن: (إِنْ کُـلُّ مَنْ فِی السَّمـواتِ وَالأَرضِ إِلاّ آتِی الرَّحْمـنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَـدّ)(14). ولئن أشار إلى انتهاء الأجل فانّ ذلک مقدمة للعبارات التالیة (الحیاة فی دار الإمتحان والابتلاء) وفى الواقع هى من قبیل البیان الإجمالی والتفصیلی للعبارة السابقة. وأمّا قوله(علیه السلام): «قرار خبرة ودار عبرة» فواضح فی أنّ حیاة الناس تمثل امتحانهم واختبارهم; الأمر الذی أشار إلیه القرآن بالقول: (أَحـَسِبَ النّاسُ أَنْ یُـتْرَکُوا أَنْ یَـقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا یُـفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِـهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَلَیَعْلَمَنَّ الکاذِبِینَ).(15) والتعبیر بالعبرة یشیر إلى الاعتبار بمصیر الظلمة والأقوام الطاغیة والأفراد الذین تلطخت أیدیهم بالذنوب والمعاصی، وأنّ العقاب الإلهی لایقتصر على الآخرة بل یطیل الأفراد حتى فی الحیاة الدنیا. والضمیر فی العبارة «ومحاسبون علیه» یعود إلى دار الدنیا; أی کما أنّ الدنیا دار بلائکم وتمحیصکم فان حسابکم یتعلق بها بما أسلفتم من أعمال وتمتعتم من نعم أفاضها اللّه علیکم.


1. سورة الاعراف / 34.
2. سورة الرحمن / 26.
3. «الریاش» من مادة «ریش» ظاهر اللباس، کما اطلق على کل نعمة موفورة. وقال بعض شرّاح نهج البلاغة أنّ الریش لایعنی ظاهر اللباس فقط، فقد ورد فی الآیة 26 من سورة الأعراف: «یا بَنِی آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَیْکُمْ لِباساً یُوارِی سَوْآتِکُمْ وَرِیشاً» ولکن یبدو أنّ الآیة تدل على عکس مراده لأنّ اللباس على نوعین: لباس یغطی بدن الإنسان مصداق (یواری سواتکم) ولباس الزینة. وقد أشار القرآن إلى الأمرین، ثم اتبعه بالحدیث عن لباس التقوى «ولباس التقوى ذلک خیر».
4. «أرفغ» من مادة «رفغ» على وزن هدف بمعنى أوسع، أوسع علیکم النعم.
5. سورة الأعراف / 26.
6. هنالک خلاف بین مفسری القرآن وشرّاح نهج البلاغة بشأن محل إعراب (ریشا) فعدها البعض عطفاً على لباساً ومن هنا فسروها بشئ أوسع أو مغایر للباس، بینما اعتبرها البعض الآخر (مفعول له) تبین هدف نزول اللباس على الإنسان وهو ستر العیوب ثم الزینة، ویبدو المعنى الأخیر أکثر إنسجاماً مع الآیة الشریفة.
7. سورة الجن / 28.
8. «رفد» جمع «رفد» على وزن دفع بمعنى نصیب، وعطاء وجائزة.
9. «روافغ» جمع «رافغة» من مادة «رفغ» وکما أشرنا سابقاً فانها تعنی السعة والرفعة.
وعلى هذا الاساس فان «الرفد» و«الروافغ» تأتی بمعنى عطایا الله سبحانه وتعالى.
10. جاء فی مقاییس اللغة أنّ أصل هذه المفردة یعنى تقدیم الشئ هذا ما صرح به الراغب فی مفرداته. وقال فی کتاب التحقیق فی کلمات القرآن الکریم: «حقیقة الایثار إثبات الفضیلة وتقدیم صاحب الفضل».
11. سورة الاسراء / 70.
12. «مدد» جمع «مدة»، أی عین لکم أزمنة تحیون فیها، فالمدّة جزء من الزمان، کما تأتی بمعنى اِنتهاء زمان معین.
13. «خبرة» تفید معنى المصدر واسم المصدر تعنی العلم والاطلاع، ومن هنا یقال «أهل الخبرة» لمن کان لهم العلم الکافی بالشیئ، کما تعنی الإمتحان وقد وردت هنا بهذا المعنى; أی فی دار ابتلاء واختبار وهى دار الدنیا.
14. سورة مریم / 93 ـ 94.
15. سورة العنکبوت / 2 ـ 3.  

 

القسم الثانی التقوى فی کل زمان ومکان
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma