الدنیا وسیلة لأهدف

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
نظرة إلى الخطبة 1 ـ کیفیة الحساب فی الآخرة

وصف الإمام(علیه السلام) الدنیا بعشر عبارات فصیحة بلیغة، فقال فی العبارة الاولى: «ما أصف من دار أولها عفاء» وقال فی العبارة الثانیة: «وآخرها فناء» فأدنى تأمل لحیاة الإنسان فی هذا العالم لیکشف أنّها مشوبة بالصعاب والمشاق، فهى تبدأ بولادته التی تحمل الألم والمعاناة للطرفین وأقصاها لأمّه، حیث یرد الولید من وعاء مغلق إلى بیئة مفتوحة تتفاوت جذریاً عما کان علیه، إلى جانب ذلک فانّ رصیده الضعف والعجز لیس عن دفع أتفه الحشرات بل یتعذر علیه حفظ لعابه فی فمه، ولا یؤمن علیه الخطر فیما ِذا أغفل عن مراقبته. ثم یجتاز مرحلة الرضاع لیواجه مشکلة الفطم فیعانی الأمرین، ثم یأخذ بالمشی شیئاً فشیئاً دون أن یکون له أدنى تجربة فی الحیاة والأخطار تتهدده من کل حدب وصوب، فاذا دب فیه العقل ووضع قدمه على الطریق واجه سیلاً جدیداً من المشاکل فعلیه أن یخوض معترک الحیاة وینافس سائر الأفراد من أبناء الدنیا، وعلیه أن یجد اعلم ویحظى بالزوجة ویتحمل کل ما یترتب على ذلک من الالام والمعاناة. فاذا تقدمت به السن وبلغ مرحلة الکهولة شاب الرأس وضعفت العین والاذن والقلب والعروف والعظام، نعم هذه صورة مختصرة عن حیاة الإنسان تشیر إلى ما یکتنفها من مشاکل وصعاب. القرآن من جانبه أشار إلى هذه الحقیقة فقال: (لَقَدْ خَلَقْنا الإِنْسانَ فِی کَبَد)( 1) وکأن العناء والمشقة هى الکهف الذی یلجأ إلیه الإنسان. وبالطبع لایستثنى من هذا التعب والمشقة حتى أولئک الذین یعیشون الحیاة المرفهة ولکل مشاقة ومعاناته. أجل طبیعة الدنیا تتمثل بالألم والعناء ویخطئ من ظن فیها غیر ذلک، ولعلنا نلمس هذه الحقیقة فی الشعر الذی أنشده الشاعر المعروف أبوالحسن التهامی إثر موت ولده فی شبابه حیث قال:

طبعت على کدر وأنت تریدها *** صفوا من الاقذار والأکدار

ومکلف الأیّام ضد طباعها *** متطلب فی الماء جذوة نار

هذا بشأن عناء الدنیا، أمّا فناؤها فلیس بخاف على أحد، فالفناء قد کتب فیها على جمیع الأفراد المؤمن والکافر والصغیر والکبیر، فهذا یموت مبکراً وذاک یموت متأخراً، ولا یستثنى من قانون الموت أحد. ثم قال(علیه السلام): «فى حلالها حساب، وفی حرامها عقاب» إشارة إلى أنّ الإنسان إنّما یتحمل حتى فی الآخرة تبعات هذه الدنیا، فهو إمّا عمل فیها بالحلال أو الحرام. فانّ عمل بالحلال حوسب علیه یوم القیامة، وإن عمل بالحرام عوقب علیه یوم الجزاء. ومن هنا ورد فی الحدیث النبوی الشریف: «یدخل الفقراء الجنّة قبل الأغنیاء بخمس مائة عام»(2)أمّا کیفیة الحساب وما یحاسب علیه الإنسان ومن یرد الجنّة دون حساب، فهى اُمور نستعرضها إن شاءاللّه فی بحث التأملات. ثم قال(علیه السلام): «من استغنى فیها فتن، ومن افتقر فیها حزن» نعم هذه هى طبیعة الدنیا وانطوائها على سبیلین کلاهما یؤدی إلى المشقة. فان کان فقیراً عاش فی الدنیا مهموماً مغموماً، وإن کان غنیاً مرفهاً عاش فیها مشاکل اُخرى; وأقل ذلک همه فی حفظ هذه الثروة وسعیه لصیانتها، ناهیک عن سهام الحسد والطمع والبغض التی تصوب إلیه، وفوق کل ذلک ما یتعرض له من إمتحانات إلهیة. فالبخل والحرص والطمع من جانب والآفات والبلاء والأخطار من جانب آخر، بل لعل هذا الثراء والغنى یصده عن ذکراللّه ولایدع له من مجال للخروج من التفکیر فیه، وعلیه ستغیب لدیه المثل والقیم ولایرى
لها من معنى سوى فی الأموال. ونختتم الکلام فی قوله(علیه السلام): «من استغنى فیها فتن، ومن افتقر فیها حزن» بالحدیث الذی یؤکد هذا المعنى، فقد روی عن الإمام الباقر(علیه السلام). قال: کان على عهد رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) مؤمن فقیر شدید الحاجة من أهل الصفة، وکان لازماً لرسول اللّه(صلى الله علیه وآله) عند مواقیت الصلاة کلها لایفقده فی شئ منها، وکان رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) یرق له وینظر إلى حاجته وغربته، فیقول: یا سعد لو قد جاءنی شئ لأغنیتک، قال: فابطأ ذلک على رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)فاشتد غم رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) بسعد، فعلم اللّه سبحانه ما دخل على رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)من غمه بسعد، فأهبط علیه جبرئیل(علیه السلام)ومعه درهمان فقال له: یا محمد إنّ اللّه قد علم ما قد دخلک من الغم بسعد، أفتحب أن تغنیه؟ فقال له: نعم، فقال له: فهاک هذین الدرهمین فاعطهما إیاه، ومره أن یتجر بهما، قال: فأخذهما رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)ثم خرج إلى صلاة الظهر وسعد قائم على باب حجرات رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)ینتظره، فلما رآه رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)قال: یا سعد أتحسن التجارة؟ فقال له سعد: واللّه ما أصبحت أملک ما أتجربه، فاعطاه النبی(صلى الله علیه وآله)الدرهمین; فقال له: اتجر بهما وترف لررق اللّه، فأخذهما سعد ومضى مع رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)حتى صلى معه الظهر والعصر، فقال له رسول اللّه(صلى الله علیه وآله): قم فاطلب الرزق فقد کنت بحالک مغتماً یا سعد، قال فأقبل سعد لایشتری بالدرهم إلاّ باعه بدرهمین، ولایشتری شیئاً بدرهمین إلاّ باعه بأربعة دراهم، وأقبلت الدنیا على سعد فکثر متاعه وماله وعظمته تجارته فاتخذ على باب المسجد موضعاً جلس فیه وجمع تجارته إلیه، وکان رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)إذا أقام بلال الصلاة یخرج وسعد مشغول بالدنیا لم یتطهر ولم یتهیهأ کما کان یفعل قبل أن ینشغل بالدنیا، فکان النبی(صلى الله علیه وآله)یقول: یا سعد شغلتک الدنیا عن الصلاة، فیقول: ما أصنع، أضیع مالی هذا رجل قد بعته فاُرید أن أستوفی منه، هذا رجل قد اشتریت منه فاُرید أن أوفیه قال; فدخل رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) من أمر سعد غم أشد من غمه بفقره فهبط علیه جبرئیل(علیه السلام)فقال: أیما أحب إلیک، حاله آخرته، فقال له جبرئیل: قل لسعد یرد علیک الدرهمین اللذین دفعتهما إلیه، فان یا سعد أما ترید أن ترد علیَّ الدرهمین الذین أعطیتکهما؟ فقال: بلى ومأتین. فقال لها لست أرید منک یا سعد إلاّ درهمین، فاعطاه سعد درهمین، قال: وادبرت الدنیا على سعد حتى ذهب ما کان جمع، وعاد إلى حاله التی کان علیها.(3)

ثم أورد(علیه السلام) صفتین للدنیا من شأن الالتفات إلیهما إبعاد الإنسان عن الحرص والطمع والسکون إلى الدنیا «ومن ساعاها فاتته،(4) ومن قعد عنها واتته(5)».

إشارة إلى الأعم الأغلب من الأفراد الذی یجرون نحو الدنیا ولا یبلغونها، بینما کثیرهم الذین یهجرون الدنیا فتأتیهم صاغرة. ولعل المطالعات التأریخیة والوقائع تؤید هذا الأمر فی أن الجری خلف الدنیا لایفضی إلى الغنى، والانصراف عنها لا یؤدی إلى الفقر. ومن الطبیعی ألا یکون المراد بالدنیا هنا المعیشة المشرفة والخالیة من الحاجة إلى الآخرین، بل یراد بها الدنیا المذمومة المشوبة بالجنون. على کل حال فالعبارة تهدف إطفاء نیران الحرص على الدنیا والذوبان فیها. وأخیراً یختتم الإمام(علیه السلام)کلامه فی وصف الدنیا بصفتین أصابت أغلب مفسرّی نهج البلاغة ولا سیما المرحوم السید الرضی (ره) جامع النهج بالدهشة والذهول لیعیشوا نشوة السکر بهذا الشراب الطهور، فقد قال(علیه السلام): «من أبصر بها بصرته، ومن أبصر الیها أعمته». فاذا تأمل المتأمل هذا القول وجد تحته من المعنى العجیب، والغرض البعید، ما لا یبلغ غایته ولایدرک غوره; أی أنّ الإنسان إذا جعل الدنیا وسیلة لنیل الکمال وأداة للوصول إلى الآخرة وجسرا للسمو والرفعة والتکامل فستطرح عنه کافة الحجب ویرى حقائق الکون کما هى، أمّا ذاک الذی یتعامل مع الدنیا کهدف لاوسیلة فانّ ذلک سیکون حجاباً ضخماً مضروباً على عینیه یحول دون رؤیته لاقرب الأشیاء فضلاً عن الحقائق، وأبعد من ذلک سیغرق فی مادیاتها ولا یرى لغیرها من وجود. والواقع هذا هو الفارق بین أهل الآخرة وأهل الدنیا، فهؤلاء یرون الدنیا مقدمة للآخرة واُولئک یرون الدنیا غایتهم وهدفهم. فالدنیا کالشمس إن نظرت بها أبصرت وإن نظرت إلیها عمیت. کما أورد تفسیر آخر لهذه العبارة وهو أنّ المراد بقوله: «من أبصر بها بصرته» أنّ النظر إلى الدنیا بکل ما تشتمل علیه من الآیات الربانیة إنّما یزیدنا
بصیرة، فی حین قصر النظر على مادیات الدنیا یحرمنا من البصیرة بالآخرة بما فیها معرفة اللّه ونیل القرب منه. وذهب البعض إلى أنّ المقصود بالعبارة «أبصر به» هو النظر إلى عیوب الدنیا وتقلباتها والدروس العبر التی تنطوی علیها، ویقیناً أنّ مثل هذه النظرة مدعاة للبصیرة والفطنة، أمّا المراد بالعبارة «أبصر إلیه» التطلع إلى زخارف الدنیا ومظاهرها الخادعة التی تعمی عین الإنسان. وبالطبع لامانع من الجمع بین المعانی الثلاث فی المفهوم الجامع لهاتین العبارتین. ویالها من عبارتین رائعتین عظیمتی المعنى، وکفى بهما عبرة فی النجاة من الدنیا والسیر نحو الآخرة، فالسلام والصلاة على أمیرَالمؤمنین(علیه السلام) الذى رام تهذیب النفوس وسموها بهاتین العبارتین القصیرتین. وهناک کلمات المعصومین(علیهم السلام) التی تصور هذا المعنى أیضاً، ومن ذلک أنّ اللّه أوحى إلى داود(علیه السلام): «یا داود احذر القلوب المعلقة بشهوات الدنیا فانّ عقولها محجوبة عنی»(6).

کما ورد عن أمیرَالمؤمنین علی(علیه السلام) أنّه قال: «لحب الدنیا صمت الاسماع عن سماعة الحکمة وعمیت القلوب عن نور البصیرة».(7)

قال المرحوم السید الرضی (ره) آخر الخطبة:

«وإذا تأمل التأمل قوله(علیه السلام) «ومن أبصر بها بصرته» وجد تحته من المعنى العجیب والغرض البعید، ما لا تبلغ غایته ولا یدرک غوره، لا سیما إذا قرن الیه قوله «ومن أبصر الیها أعمته» فانّه یجد الفرق بین «ابصر به» و«أبصر إلیه» واضحاً نیراً، وعجیباً باهراً، صلوات اللّه وسلامه علیه».


1. سورة البلد / 4.
2. بحارالأنوار 69/48.
3. وسائل الشیعة 12/297 ـ 298.
4. «ساعی» من مادة «سعى» تعنی فی الأصل الجری ومنه السعی بمعنى الجهد وکأنّ الإنسان یجری نحو الشئ وقد وردت فی العبارة بشأن من یجری خلف الدنیا وکأنه یتسابق مع الآخرین، کما یمکن أن تکون إشارة إلى أولئک الذین یلهثون وراء الدنیا، والدنیا تهرب منهم. أما بعض أرباب اللغة فقد فسروا هذه المفردة بمعنى دعوة الاماء إلى الأعمال المنافیة للعفة. وعلیه فالعبارة الواردة فی الخطبة تشبه الدنیا بالامة التی یلهث وراءها أهل الدنیا.
5. «واتته» من مادة «مؤاتاة» بمعنى طاوعته واستجابت له.
6. بحارالأنوار 14/39.
7. غررالحکم، ح 7363. 

 

نظرة إلى الخطبة 1 ـ کیفیة الحساب فی الآخرة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma