الاستبداد مادة الاختلاف

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الثانیالمستبدون الظالون

لما کانت العبارات الأخیرة من القسم السابق من الخطبة بشأن الدروس والعبر فی حیاة الناس، فانّ الإمام(علیه السلام) أشار هنا إلى أحدى الموارد المهمة لهذه العبر، ألا وهو اختلاف الأفراد والأقوام إثر هجرهم للأنبیاء والأوصیاء والعوم فی وادی الحیرة والضلال، فقال(علیه السلام): «فیا عجباً! وما لی لا أعجب من خطإ هذه الفرق على اختلاف حججها فی دینها! لا یقتصّون أثرن بیّ، ولا یقتدون بعمل وصیّ، ولا یؤمنون بغیب، ولا یعفّون( 1) عن عیب»،فقد بان الشقاق والنفاق فی أوساط الاُمّة الإسلامیة على عهد أمیرَالمؤمنین علی(علیه السلام) وقد ظهرت مختلف المذاهب فی الاصول والفروع، إلى جانب إتساع رقعة البلاد الإسلامیة التی أسهمت فی انبثاق مختلف الفرق. فالإمام(علیه السلام) یضم هذا الاختلاف ویعزا ذلک إلى ثائر الاخباء زلات التی اشیر إلى عشر منها فی هذا الخطبة، أربع منها وردت فی الخطبة: الاولى انهم لایتبعون تعالیم الوحى التی یبلغهم بها الأنبیاء. الثانیة انّهم لم یلتزموا ویقتدو بالأوصیاء من بعد الأنبیاء. الثالثة عدم الإیمان بالغیب. أمّا ما المراد بالإیمان بالغیب فهنا لک خلاف بین مفسرى القرآن وشرّاح نهج البلاغة. فقد ذهب البعض إلى أنّ المراد بالغیب الذات الالهیة المقدسة، وقیل القیامة وقیل متشابهات القرآن بینما توسع البعض آخر فذهب إلى أنّ المقصود بالغیب کافة الاُمور الخارجة عن دائرة حس الإنسان. وعلیه فقد یراد بالغیب جمیع ماذکر، ویبدوا المعنی الأخیر هو الأنسب. الرابعة عدم التورع عن العیوب وبعبارة اُخرى فانّ هؤلاء یرتکبون کل ذنب بسهولة بسبب افتقادهم لملکة الافاف التى تحجز الإنسان عن ذنب، وهکذا کانت مبانی إیمانهم ضعیفة وأعمالهم خاویة، ومن الطبیعى أن یؤدى التزلزل فی الإیمان إلى الفساد فی العمل، کما یؤدى الفساد فی العمل إلى زعزعة دعائم الإیمان. ثم قال (علیه السلام) فی الصفة الخامسة العشرة: «یعملون فی الشّبهات، ویسیرون فی الشّهوات» العبارة «فى الشهوات» إشارة إلى نقطة لطیفة وهى أنّ هؤلاء یخفون أعمالهم السیئة تحت غطاء الشبهات حتى لایطلع الناس على قبائحهم. أنّهم قلما یتجهون صوب محکمات القرآن والأحادیث، بل بالعکس إنّما یسارعون إلى المتشابهات، وکذلک فی الموضوعات الخارجیة التی تعتبر من الموضوعات الواضحة، حیث یبتعدون عنها ویقتفون آثار الموضوعات المشتبهة; ولا غرو فلیس لهم من سبیل القیام بأعمالهم الشائنة إلاّ من هذا السبیل. والعبارة «یسیرون فی الشهوات» تثیر إلى أنّ محور حیاتهم إنّما یمر عبر الشهوات، لا أنّ الشهوات طارئة علیهم، أضف إلى ذلک فانّ مقارفتهم لهذه الشهوات دائم متواصل، ویفهم ذلک من خلال العبارة التی تصدرتها الأفعال بصیغة المضارع «یعملون ویسیرون». والجدیر بالذکر أنّ أعمالهم إنعکاس لعقائدهم الفاسدة، کما یمکن أنّ تکون مقارفة الشهوات تدفعهم لأن یتجهوا صوب العقائد التی تبرر أفعالهم.(2) ثم خاض الإمام(علیه السلام) فی إطار مواصلته لحدیثه عن سائر صفات هؤلاء المضلین ـ الذین قد یکونون أحیاناً من العلماء المزیفین ـ فقال(علیه السلام): «المعروف فیهم ما عرفوا، والمنکر عندهم ما أنکرو». نعم لما قطع هؤلاء رابطتهم باللّه والنبی لم یعد الوحی السماوی والسنة النبویة وکلمات المعصومین هى المعیار فی تمییز الصالح من الطالح والحسن من القبیح، بل المعیار هوى النفس والرغبات الباطنیة، أو الافکار الفئویة والتعصبات القبلیة والاُمور التی تؤمن مصالحهم المادیة، ولو کانوا حقاً من أهل الفکر فانّهم سیقعون فی وادی الضلال أیضاً لعدم إنفتاحهم على تعالیم السماء وإرشادات الأنبیاء والمعصومین، ففکر الإنسان عرضه للخطأ والانحراف. ثم قال(علیه السلام) فی صفتهم التاسعة والعاشرة: «مفزعهم فی المعضلات إلى أنفسهم، وتعویلهم فی المهمّات على آرائهم» فاساس بؤسهم وشقائهم إنّما ینبع من هذه القضیة، وهى أنّهم هجروا أولا تبعیة الوحی وسنة النبی وتعالیم المعصومین، وعلیه فکلما تقدموا أکثر إزداد انحرافهم وابتعادهم عن الحق. ومن هنا صرح الإمام(علیه السلام) کأن کل امرئ منهم إمام نفسه، قد أخذ منها فیما یرى بعرى ثقات وأسباب محکمات، والحال لاینطوون سوى على أفکار هزیلة وتصورات واهیة (وَإنَّ أَوْهَنَ البُیُوتِ لَبَیْتُ العَنْکَبُوتِ لَوْ کانُوا یَعْلَمُونَ)(3). نعم هذا هو المصیر المحتوم الذی ینتظر الأفراد الذین یولون ظهورهم للمعاییر الدینیة الصحیحة فی حل خلافاتهم الفکریة والعقائدیة وتمییز الحق من الباطل والصراط المستقیم من الطریق السقیم ویعولون على أفکارهم القاصرة وآرائهم الباطلة، ولذلک وقعوا فی أودیة الشرک والوثنیة المقیتة حتى جعلوا للّه جسماً ویداً ورجلاً وشعراً مجعداً، بینما خالفهم البعض الآخر تماماً حتى عطل صفاته سبحانه وهبطوا بالفکر إلى الحضیض فی أنّه لایستطیع إدراک صفاته والتطرق إلى ذاته، فذلک التجسیم الأبله وهذا التعطیل الأحمق هو الولید الطبیعی للاستناد إلى الآراء الناقصة وهجر تعالیم أئمة الدین، فکان منهم الخوارج الذین یحسبون أنّهم عابدون وقد سلکوا سبیل النجاة، بینما أنکروا أبسط بدیهات الإسلام وشرعة المقدس فی ضرورة الحکومة وحاجة الامة الماسة إلیها.


1. «یعفون» من مادة «عفاف» على وزن ثواب، وفی الاصل تأتی بمعنى الامتناع عن الاعمال الشائنة والقبیحة، ویقال للشخص الذی یجتنب الاعمال القبیحة «العفیف»، وقد جرى العرف على اطلاق هذا الاصطلاح على الذین یجتنبون القیام بالاعمال الجنسیة الغیر شرعیة.
2. راجع ذیل الخطبة 38 فی المجلد الثانی من هذا الشرح بخصوص الشبهة ومعناها وتأثیرها فی تحریف الحقائق. (2/405)
3. سورة العنکبوت / 41.  

 

القسم الثانیالمستبدون الظالون
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma