الدنیا ظل زائل

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
نظرة إلى الخطبة الخطبة 64

لما کانت زخارف الدنیا وزینتها تدعوا إلى المبالغة فی التعلق بها; الأمر الذی یفضی إلى مقارفة الذنوب والمعاصی والانحراف عن الصراط المستقیم والسقوط فی هاویة الضلال فانّ القادة الربانیین لا ینفکون عن تحذیر أتباعهم منها، وهذا ما نلمسه بوضوح فی معظم نهج البلاغة الذی أورد التحذیر تلو التحذیر على لسان خطبه ورسائله وقصار کلماته. والخطبة التی نحن بصددها هى نموذج من هذا التحذیر الذی ضمنه الإمام(علیه السلام) ستة اُمور مهمة، فقد إستهل ذلک قائل: «ألا وإنّ الدّنیا دار لایسلم منها إلاّ فیه» والدلیل واضح لانقاش فیه; لأنّ من أهم أسباب السلامة هو کسب الفضائل الأخلاقیة والتحلی بالقیم والمثل المعنویة وعبودیة اللّه وطاعته، والتی لا تتسنى إلاّ فی هذه الدنیا، ولیس للإنسان من فرصة سوى فی هذا العالم دون العوالم الاُخرى، ومن هنا قال الإمام(علیه السلام) لاتنال السلامة من الدنیا إلاّ فیها. ثم قال(علیه السلام):«و لاینجى بشیء کان له» أی إن کانت الدنیا هى دافع نشاطات الإنسان وغایة أعماله وأفعاله وحتى إتیانه بالعبادات إذا کان ینطوی على هدف دنیوی ویشوبه الریاء والسمعة فانّها لن تکن سببا لنجاته، بل ستفضى إلى هلاکه وشقائه. ثم أشار فی الأمر الثالث إلى کونها میدان إمتحان: «ابتلی النّاس بها فتنةً»; فالدنیا ملیئة بالنعم إلى جانب المشاکل والمصائب; فالنعمة وسیلة للإمتحان، کما المصیبة إمتحان من نوع آخر. فهل تطغی النعمة الإنسان أم تشده إلى اللّه، وهل یؤدی شکر النعم عملاً فضلاً عن شکرها لساناً؟ وهل یستشعر قلبه الیأس حین المصیبة ویشکو ربه، أم یصبر عند المصاب ویشکر؟ فالإنسان یعیش الإمتحان فی هذین الأمرین کل یوم طیلة حیاته فی الدنیا، وهذا قانون خالد انبثق منذ خلق آدم(علیه السلام)وسیستمر إلى یوم القیامة، فقد قال القرآن الکریم بهذا الشأن: (أَحـَسِبَ النّاسُ أَنْ یُـتْرَکُوا أَنْ یَـقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا یُـفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِـهِمْ فَلَیَعْلَمَنَّ اللّهُ الَّذِینَ صَدَقُوا وَلَیَعْلَمَنَّ الکاذِبِینَ).( 1) ثم قال(علیه السلام) فی الأمر الرابع: «فما أخذوه منها لها أخرجوا منه وحوسبوا علیه». ثم واصل کلمه قائل: «و ما أخذوه منها لغیرها قدموا علیه، وأقاموا فیه» والعبارة إشارة إلى النظرتین المعروفتین فی نهج البلاغة، النظرة إلى الدنیا کوسیلة والاُخرى کغایة; فان کانت إمکانات هذه الدنیا والأموال والثروات والنعم والمقام والجاه وسیلة لنیل السعادة والحیاة الاُخرویة الهنیئة فلیس هناک أفضل منها، وإن کانت صنماً یسجد له الإنسان فلیس هناک أسوأ منها. فالنظرة الاولى تسوق الإنسان إلى الورع والتقى والطهر والعفاف بینما تدعوه النظرة الثانیة إلى الحرص والطمع والظلم والذلة والهوان. والنظرة الاولى تحیل النعم الدنیوة الفانیة إلى نعم اُخرویة باقیة، فی حین تکون النظرة الثانیة سبباً لزوال النعم وبقاء التبعات. ومن هنا تتضح علیة مدح الدنیا فی أغلب الآیات والروایات، إلى جانب ذمها فی البعض الآخر. فلعل البعض یفسر ذلک بالتناقض للوهلة الاولى، بینما کل واحدة منها صحیحة فی مکانها وکأنّ الواحدة منها مکملة للاُخرى، فالمدح یرتبط بالدنیا الوسیلة، والذم بالدنیا الهدف والغایة. وسنعرض لهذا الموضوع بالتفصیل فی الأبحاث القادمة ذات الصلة. وأخیراً یکشف الأمام(علیه السلام)اللثام عن حقیقة الدنیا لیشبهها بفی الظل الذی یمر سریعاً فقال: «فإنّها عند ذوی العقول کفیء الظّلّ، بینا تراه سابغ(2) حتّى قلص،(3) وزائداً حتّى نقص» فقد ورد ا لظل بمعناه المطلق سواء ظل الأشیاء قبل الزوال أو بعده، وبطلق أحیاناً على ما قبل الظهر خاصة الذی تزیله الشمس تدریجیاً، أما «فی» فهى تعنی الظل بعد الزوال (لأن مفهوم هذه المفردة یتضمن الرجوع والعودة) الذی یتسع کلما إقتربت الشمس من أفق المغرب ویزول إثر غروب الشمس وحلول الظلمة. وکأنّ الإمام(علیه السلام)أشار إلى حقیقة مهمة وهى أن أصحاب الدنیا یجمعون الأموال والثروات کل یوم بحیث تزداد کلما إقترب عمرهم من نهایته، إلاّ أنّها تزول وتنعدم من الوجود بغروب شمس العمر، وتنتهی کل هذه الثروات بحلول ظلمة الموت. ونختتم تفسیر هذه الخطبة بالقول أنّ الإمام(علیه السلام) دائم التحذیر من مغبة التعلق بالدنیا والاغترار بها وفضحها بمختلف الطرائف والأمثال وذلک للاسباب التالیة: أولاً: أنّ حبّ الدنیا والاغترار بها یمثل مادة الذنوب والمعاصی; الأمر الذی یجعل القائد الربانی محذراً أتباعه وملفتا إنتباههم إلى عظم هذا الخطر على الدوام، وثانیاً: شهد عصر الإمام(علیه السلام)وما سبقه بعض الفتوحات الإسلامیة التی درت على المجتمع الإسلامی ما لا یحصى من الغنائم والثروات والإمکانات; الأمر الذی جعل أفراد الاُمّة تعیش حالة من السباق للتکالب على هذا الحطام، وهذا ما أفرز حالة من الانحراف والاختلاف والتشتت والابتعاد عن التواضع فی الحیاة والاقبال على الراحة والدعة والضعف أمام العدو من خلال التقاعس عن الجهاد، ومن هنا کان الإمام(علیه السلام)لایرى أدنى فرصة إلاّ واغتنمها من أجل إعادة الاُمّة إلى مسارها الإسلامی الصحیح. وقد وعظهم بسیرته وحیاته قبل وعظهم بلسانه.


1. سورة العنکبوت / 2 ـ 3.
2. «سابغ» من مادة «سبوغ» بمعنى الامتداد، ونعمة سابغة تطلق على النعم الدائمة الممتدة، واسباغ الوضوء مواصلته بالماء دون الاسراف.
3. «قلص» من مادة «قلوص» على وزن خلوص بمعنى إنقبض وارتفع، وفى الخطبة بمعنى زوال الظل بحلول عتمة اللیل.  

 

نظرة إلى الخطبة الخطبة 64
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma