أحب العباد إلى اللّه

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الأول أفضل النعم

إستهل الإمام(علیه السلام) خطبته ـ کما أشرنا إلى ذلک سابقا ـ بذکر صفات أولیاء اللّه والسالکین إلیه، بالشکل الذی جعل ابن أبی الحدید یصرح فی شرحه قائل: «واعلم أن هذا الکلام منه أخذ أصحاب علم الطریقة والحقیقة علمهم، وهو تصریح بحال العارف ومکانته من اللّه تعالى»( 1). ویرى البعض أنّ الإمام(علیه السلام) قد عرف نفسه بهذه العبارات; لأنّ العرفان درجة حال رفیعة شریفة جداً، لاتناسب إلاّ أمثاله(علیه السلام)، والأنسب أن یقال بأنّ بیان الإمام(علیه السلام)استهدف شرح الصفات الکلیة للکاملین من العرفاء وأصحاب السلوک إلى اللّه، حیث یتمثل مصداقهم به وزوجه والمعصومین من ولده(علیه السلام). والجدیر بالذکر أنّ الإمام(علیه السلام) لم یترک جانباً من الجوانب المهمّة لحال الإنسان الکامل حتى ذکر له أربعین صفة. فقد إستهل کلامه قائل: «عباد اللّه! إنّ من أحبّ عباد اللّه إلیه عبداً أعانه اللّه على نفسه»، فالعبارة تشیر إلى نقطة مهمة وهى أنّ إجتیاز هذا الطریق لیس میسراً لأحد ـ دون عنایة اللّه ـ وذلک لعظم المخاطر والمطبات التی یتعذر على الإنسان عبورها بقوته المتواضعة، فلیس أمامه سوى التوکل على اللّه وتسلیم اُموره إلیه لیستلهم العون من مصدر فیضه ولطفة الذی لاینضب، وهذا ما أشار إلیه القرآن بالقول: (وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَیْکُمْ وَرَحْمَتُهُ ما زَکى مِنْکُمْ مِنْ أَحَد أَبَد)(2). ومن الواضح أنّ ألطاف اللّه سبحانه وتفضلاته لیست قائمة على العبث، بل لابدّ من نیلها بواسطة التسلیم المطلق وحمل القلوب إلیه وعدم إسکانها غیره. ثم خاض الإمام(علیه السلام) فی بیان نتیجة هذا اللطف قائل: «فاستشعر الحزن، وتجلبب الخوف» استثعر من مادة شعار مایلی البدن من اللباس، وجعل الحزن بمنزلة الشعار یعنی أنّ مثل هؤلاء الأفراد المؤمنین إنّما یعیشون الحزن فی باطنهم على ما مضى من أیام عمرهم ولم یجدوا فیها کما ینبغی لطاعة معبودهم، وبالطبع فانّه حزن بناء یسوقهم نحو العمل والحرکة لتدارک مافاتهم. تجلبب من مادة جلباب ما یکون فوق جمیع الثیاب وتجلبب الخوف إشارة إلى أنّ هؤلاء الأفراد المخلصین یراقبون أنفسهم على الدوام، حذرین من صدور الزلل وما من شأنه أن یخرجهم من زمرة المخلصین والسعداء. کما یحتمل أن یکون حزنهم بسبب فراق المحبوب وخوفهم من عدم الوصال. ثم خاض الإمام(علیه السلام)فی نتیجة هذا الحزن والخوف البناء: «فزهر مصباح الهدى فی قلبه، وأعدّ القرى(3) لیومه النّازل به» وزهور مصباح الهدایة إشارة إلى تلألأ أنوار المعارف الإلهیة فی قلوبهم یتذوقون بها حلاوة الإیمان: (وَاتَّقُوا اللّهَ وَیُعَلِّمُـکُمُ اللّهُ)(4) والتعبیر بالقری الذی یعنی الوسیلة المعدة للضیوف یشیر إلى أن یوم الأجل أو القیامة الذی یمثل ذروة الخشیة والخوف لایعنی لهم سوى ورود الضیف على المضیف الکریم، وکأنّهم کالشهداء ضیوف الرحمن الذین یرتزقون من فضل إحسانه: (بَلْ أَحْیاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ)(5). ثم قال(علیه السلام): «فقرّب على نفسه البعید، وهوّن الشّدید» أی یرى قرب الأجل والقیامة التی یحسبها الأعم الأغلب بعیدة، ولذلک سهل علیه تحمل الشدائد وصعوبات الطاعة وترک الذنوب والمعاصی. ثم تطرق(علیه السلام) إلى خمسة اُمور یختزن کل واحد منها صفة من صفات هؤلاء العباد من أهل الاخلاص والعرفان فقال(علیه السلام): «نظر فأبصر، وذکر فاستذکر، وارتوى(6) من عذب فرات(7) سهّلت له موارده، فشرب نهلاً،(8) وسلک سبیلاً جدد»(9) فقد تضمنت هذه العبارات القصیرة البعیدة المعانی الإشارة من جانب إلى أهمیة التفکر والنظر إلى عالم الوجود ومسائل الحیاة التی تشکل أساس البصیرة الکاملة ومعرفة اللّه، کما أشارت من جانب آخر إلى المداومة على ذکر اللّه التی تؤدی إلى إحیاء القلوب وإطمئنانها: (أَلا بِذِکْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ)(10) ثم أشار إلى الارتواء من منبع الوحی وکلمات المعصومین(علیهم السلام) لیتزودوا منهم فیسیروا على الطریق ویحثوا الخطى نحو قرب الحبیب والفوز بوصاله. ثم تطرق(علیه السلام) إلى ستة أوصاف لتهذیب نفس اُولئک العباد المخلصین موضحاً معطیاتها وآثارها فقال(علیه السلام): «قد خلع سرابیل الشّهوات، وتخلّى من الهموم، إلاّ همّاً واحداً انفرد به، فخرج من صفة العمى، ومشارکة أهل الهوى، وصار من مفاتیح أبواب الهدى، ومغالیق أبواب الرّدى» نعم فان هجر الشهوات وتصویب العین صوب مبدأ عالم الوجود وتنقیة القلب إنّما یفتح بصیرة الإنسان، فلایصبح ذلک الإنسان سالکاً لسبیل الحق فحسب، بل یکون دلیلاً ورائداً للطریق، ثم یودعه اللّه مفاتیح الهدایة أقفال الضلالة وأبواب النیران، فیفتح طریق الحق لسالکیه ویغلق باب جهنم بوجه العباد. ثم أشار(علیه السلام) إلى ست صفات اُخرى فقال: «قد أبصر طریقه، وسلک سبیله، وعرف مناره، وقطع غماره،(11)استمسک من العرى(12) بأوثقها، ومن الحبال بأمتنها، فهو من الیقین على مثل ضوءالشّمس» فالواقع أنّ الصفات الست السابقة أکدت على الجوانب العملیة، بینما أضیفت لها هنا الجوانب العقائدیة، فالخروج من صفة العمى وطرح حجب الهوى والظفر بسبیل الحق وطرق المعرفة وتجاوز بحار الشهوات والتمسک بعرى الهدایة المتمثلة بالقرآن الکریم وکلمات المعصومین والراسخین فی العلم، إنّما تجعل هذا العبد المخلص یبلغ مقام حق الیقین، فیرى الحقائق بأم عینه، بل تمثل له کالشمس فی رابعة النهار، وهذه أعظم نعمة یصیبها العبد وأکرم ثواب یمنحه السالکین إلى اللّه. وقد جرى الکلام سابقا عن سلوک السبل القویمة المحکمة: «سلک سبیلاً جدد» کما کان هناک الانفتاح على الحقائق: «نظر فأبصر» ثم تکرر هذا الأمران بعبارة أخرى، فقال(علیه السلام): «قد أبصر طریقه وسلک سبیله»، ولکن وکما ذکرنا آنفا فقد ورد الحدیث فی السابق عن الجوانب العملیة، بینما جاء الکلام هنا عن الأبعاد العلمیة; أی أنّ معرفة الطریق وسلوک السبیل المطمئن ضروری فی المرحلتین.


1. شرح نهج البلاغة لابن أبی الحدید 6/365.
2. سورة النور / 21.
3. «قرى» مصدر واسم مصدر ما یهیأ للضیف، والمراد به هنا العمل الصالح یهیئه للقاء الموت وحلول الأجل، ومنه «المقراة» التی تطلق على الظرف الکبیر الذی یوضع فیه الطعام.
4. سورة البقرة / 282.
5. سورة آل عمران / 169.
6. «ارتوى» من مادة «ری» على وزن طی شرب الماء.
7. «فرات»، الماء العذب.
8. «نَهَل» بمعنى السقی أو الشراب الأول، ومن عادة العرب، أخذ الابل إلى مکان شُرب الماء، وعندما تشرب وترتوی ترجع إلى مکانها، فیقال لها نهلت الابل أو إبلٌ نواهل. وفی المرة الثانیة تُعرض على الماء فعندما تشرب، فتسمى «الطِّل»، وبعد ذلک تذهب الابل للرعی فی المرعى، فاصطلاح «النهل» یستعمل عندما تشرب الابل الشربة الاولى، وهذا الاصطلاح یستعمل دائماً فی الشرب الاول.
9. «الجدد» من جد، الأرض الغلیظة الصلبة المستویة .
10. سورة الرعد / 28.
11. «غمار» من مادة «غمر» على وزن أمر بمعنى التغطیة، ولما کانت المیاه الکثیرة تغطی الأرض، اطلق علیه الغمار.
12. «عرى» جمع عروه المقبض. 

 

القسم الأول أفضل النعم
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma