قیل فی سبب هذا الکلام أنّ أصحاب الإمام(علیه السلام) کانوا یخبرونه عن سوء نیة ابن ملجم، وقد قامت عدة قرائن واضحة تکشف عن سوء نیته، حتى ذکروا أنّ الإمام(علیه السلام)کان یخطب الناس یوما فجلس ابن ملجم أمام المنبر وهو یقول: «و اللّه لاَریحَنّهم منکَ» فلما إنتهى الإمام(علیه السلام) من خطبته. أمسکه البعض ممن سمعه وأتوا به إلى الإمام(علیه السلام). فقال(علیه السلام): دعوه، ثم قال، وإنّ علیَّ من اللّه...( 1) نعم قال الإمام(علیه السلام): «و إن على من اللّه جنة حصینة، فإذا جاء یومی انفرجت عنّی وأسلمتنی; فحینئذ لایطیش(2)السّهم(3) ولایبر(4)الکلم(5)». والعبارة إشارة إلى سنة کونیة ثابتة، وهى أنّ الإنسان لایغادر هذه الدنیا ما لم یحن أجله، وعلیه فأجل الإنسان بید اللّه، ومفهوم ذلک أنّ إرادته هى التی إقتضت أن یبقى فلان إلى الوقت الفلانی، وممّا لا شک فیه أنّ أحداً لا یسعه الوقوف بوجه هذه الإرادة، ومن هنا یمکن إعتبار الأجل الإلهی جنة حصینة إزاء بعض الحوادث; المعنى الذی ورد کراراً فی نهج البلاغة، ومن ذلک قوله(علیه السلام):«إنّ الأجل جنّةٌ حصینةٌ».(6)
کما قال فی موضع آخر «کفى بالاْجل حارس»(7) بل یمکن القول بأنّ هذا المعنى قد ورد فی الآیة الحادیة عشرة من سورة الرعد: (لَـهُ مُعَـقِّباتٌ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ یَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ)وجاء فی تفسیر الأیة أن الإمام الباقر(علیه السلام) قال: «یقول: بأمر اللّه من أن یقع فی رکیٍّ أو یقع علیه حائطٌ أو یصیبه شیءٌ حتّى إذا جاء الْقدر خلّوا بیْنه وبیْنه یدْفعونه إلى المقادیر وهما ملکان یحفظانه باللّیل وملکان بالنّهار یتعاقبانه»(8). وهنا یبرز هذه السؤال وهو لو کان الأمر کذلک، فلیس هنالک من ضرورة فی حفظنا لأنفسنا من المخاطر ونسعى لأن نقیها بعض الحوادث من قبیل الزلازل والأعاصیر والأمراض وحوادث الدهس والاصطدام، بل یجب علینا أن نندفع بکل قوة وعدم مبالاة واکتراث وخشیة من هذه الحوادث؟! وللإجابة على هذا السؤال ینبغی الألتفات إلى أنّ أجل الإنسان على نوعین: أجل حتمی وأجل غیر حتمی، والأجل الحتمی هو الأجل الذی لارجعة فیه، من قبیل مقدار نبض قلب الإنسان الذی قدر له العمل إلى اللحظة الفلانیة، بالضبط کالساعة التی تعمل إلى أجل معین یتعلق بوجود البطاریة فیها، فمتى ما نفدت قوة البطاریة توقفت الساعة عن العمل. أما الأجل غیر الحتمی فهو الأجل الذی یمکن إجتنابه; وهو على قسمین: قسم تحت تصرف الإنسان بحیث یسعه إجتنابه من خلال رعایة الموازین العقلائیة من قبیل التترس والتدرع وإرتداء الخوذة فی ساحة القتال التی تحول عادة دون اغلب حالات القتل، فقد وکل للإنسان التعامل بحذر مع مثل هذه الاُمور، وهو المسؤول عن هذه الحوادث، أمّا القسم الآخر فهو الأجل غیر القطعی الخارج عن إرادة الإنسان من قبیل بعض حوادث المرور أو عدم التحسب من الوقوع فی البئر أو إنهیار الجبل وما إلى ذلک من الاُمور التی لا یمکن التکهن بوقوعها. وهنا یأتی دور الملائکة الحفظة الذین یحفظون الإنسان من هذه الحوادث ما لم یصل أجله الحتمی، فاذا بلغ أجله ترکوه وتلک الحوادث. وبالطبع فانّ هذا القسم الأخیر هو الأخر یمکن تقسیمه إلى نوعین: مشروط وغیر مشروط والمشروط ما تتولى فیه الملائکة حفظ الإنسان شریطة قیامه ببعض الاعمال من قبیل التصدق والدعاء وصلة الرحم وما إلى ذلک من المندوبات، بینما لایشترط مثل هذه الأعمال فی غیر المشروط. والخلاصة لیس هنالک من تخلف فی الأجل المحتوم بینما یمکن تغییر الأجل المشروط أو المعلق من خلال التدبیر والاحتیاط أحیاناً، والقیام ببعض الاعمال المندوبة من قبیل التصدق والدعاء وصلة الرحم أحیانا أخرى، کما یمکن ذلک من خلال الملائکة الموکلة بحفظ الإنسان من الأخطار غیر المحتومة. ومن هنا یتبین عدم التعارض بین الاّیات القرآنیة من قبیل: (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لایَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا یَسْتَقْدِمُونَ)(9) والآیة الشریفة (وَلَنْ یُـؤَخِرَّ اللّهُ نَفْساً إِذا جاءَ أَجَلُه)(10) مع الآیة المبارکة: (لَـهُ مُعَـقِّباتٌ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ...)، ولا مع الروایات التی صرحت بتأخیر أجل الإنسان إثر التصدق والدعاء، وهکذا یتضح الجمع بین کافة هذه الایات والروایات على ضوء التقسیم الثلانی أو الرباعی الذی ذکرنا للأجل.(11)