خاطب الإمام(علیه السلام) الناس مرة اُخرى بطریقة تختلف عن سابقتها قائل: «أولی الاْبصار والاْسماع ، والعافیة والمتاع، هل من مناص( 1) أو خلاص. أو معاذ أو ملاذ،(2) أو فرار أو محار!(3) أم لا؟» فالمخاطب هنا من کان له عین باصرة وآذان سامعة یعیش نعم الدنیا بعافیة وسلامة. فقد بین الإمام(علیه السلام) أن لیس هنالک من عاقبة سوى الموت ووداع هذه الدنیا الفانیة، فلا من سبیل للفرار ولامن طریق لخلاص، لامن ملجأ فیلاذ به، ولا من قلعة تنجی من الموت، وآخیراً لیس هنالک من سبیل للرجعة إلى هذه الدنیا، فالواقع هو أنّ الإمام(علیه السلام) قد بین ستة طرق للفرار من مخالب الموت، مؤکداً على أنّها جمیعا مؤصدة مغلقة. فهناک مسیرة ینبغی أن یسلکها الجمیع، ومصیر لایستثنى منه أحد. أما کون المخاطب من أولئک الذین یتمتعون بالسمع والبصر، فذلک لأنّ من سلبهما لایستوعب مثل هذه الاُمور. والحق أنّ أدنى تأمل للموت الذی یعم الجمیع لکاف فی إیقاظناً من سباتنا وهدایتنا للصراط المستقیم، ومن هنا قال الإمام(علیه السلام): «فأنّى تؤفکون!(4) أم أین تصرفون! أم بما ذا تغترّون! وإنّما حظّ أحدکم من الاْرض، ذات الطّول والعرض، قید قدّه،(5) متعفّراً على خدّه». قد یکون هناک بعض الأفراد الذین یملکون مئات البساتین والمزارع والأراضی الزراعیة وعشرات القصور، إلاّ أنّه لایأخذ منها حین یفارق الدنیا سوى ما یأخذه ذلک المسکین الذی قضى عمره فی الأکواخ; أی بقعة من الأرض بقدر قامته، مع کفن یعدّ الحد الادنی ممّا یستر بدنه العاری. أمّا العبارة: «متعفّراً على خدّه» یمکن أن یراد بها أنّ ألطف أجزاء البدن توارى هناک التراب، أو لیس للإنسان نصیب من هذا التراب حتى بمقدار بدنه; لأنّه یطرح على جانبه الأیمن فی القبر، وعادة ما لایسعه اللحد لأن یضطجع على قفاه.