بدایة حیاة الإنسان ونهایتها

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الثانی عشرالنعم والجحود

خاض الإمام(علیه السلام) ـ فی هذا المقطع من الخطبة وقد أشرفنا على نهایتها ـ فی أمر مهم آخر وهو خلق الإنسان ومتابعته منذ کونه جنیناً حتى إختتام عمره ومفارقته للدنیا وبعثه فی یوم القیامة، اتماماً للأبحاث السابقة حول مکائد الشیطان وضرورة إعداد العدّة والتحلی بالورع والتقوى، وبعبارة اُخرى لیکون الإنسان على حیطة وحذر فیمارس وظائفه الرئیسیة ویجتنب وساوس الشیطان. فقد قال(علیه السلام): «أم( 1) هذا الّذی أنشأه فی ظلمات الاْرحام، وشغف(2)
الاْستار، نطفةً دهاقاً،(3) وعلقةً محاقاً،(4)جنیناً وراضعاً، وولیداً ویافع(5)»
. فالواقع هو أنّ الإمام(علیه السلام)أشار إلى ستة مراحل من حیاة الإنسان، ترتبط ثلاث منها بالفترة التی یکون فیها جنین وقبل الولادة، وثلاث أخرى تتعلق بما بعد الولادة. وهى المراحل التی تطوى سریعاً وتحتفظ کل واحدة منها بمیزاتها، فبعضها عجیب للغایة والبعض الآخر ینطوی على الدروس والعبر، فاللّه سبحانه وبقدرته یعد من ماء الرجل الذی یفتقر إلى الصورة والشکل بعد أنّ یتکامل فی ظلمات المشیمة والرحم وبطن الاُم إلى علقة فمضغة وعظاماً ولحماً جنیناً ذا حیاة، لیخرج إلى الدنیا، ثم یطوی مراحل الهدایة والتکامل لیبدأ مسیرته إلى الحق. ثم أشار الإمام(علیه السلام) إلى ما زود به هذا المخلوق من وسائل وأدوات: «ثمّ منحه قلباً حافظاً، ولساناً لافظاً، وبصراً لاحظاً، لیفهم معتبراً،یقصّر مزدجر» فقد منحه اللّه العقل لیمیز به الحسن من القبیح، واللسان لیستغله فی فتح صنادیق کنوز العلم بالسؤال والبحث، والعین لیدرک بها الحقائق الحسیة، ویصل إلى أهدافه النهائیة من خلال هذه النعم الثلاثة، ثم یستفیدها فی إدراک الأحکام الإلهیة ویعتبر بما حوله ویبتعد عما لایلیق بشأنه. فالواقع هو أن مصادر المعرفة الثلاث: العقل واللسان والعین والتی تمثل إدراک وإستیعاب المواضیع الفکریة والنقلیة والعینیة والحسیة قد جمعت فی هذه العبارة القصیرة، وبالتالی فقد أمر الإنسان باعتماده للفوز بالسعادة والرضوان.

ثم قال(علیه السلام): «حتّى إذا قام اعتداله، واستوى مثاله، نفر مستکبراً، وخبط سادر»(6) طبعاً لیس جمیع الناس کذلک، إلاّ أنّ کلام الإمام(علیه السلام) إنّما یتناول الأغلبیة العظمى التی تشاهد فی المجتمعات البشریة والتی تولی ظهرها لکل شئ إذا ما شعرت بالقوة والاقتدار ونالت بعض المناصب، کما تشکل تحذیرا لأهل الإیمان من ضرورة مراقبة النفس والسعی لأداء الشکر والتحلی بالتقوى. ثم قال(علیه السلام) «ماتح(7) فی غرب(8) هواه» فهم یشقون على أنفهسم من أجل الحصول على الدنیا ویسعون جاهدین للتمتع بلذاتها، ولا یقتدح فی ذهنهم شیئاً من أهوائهم النفسیة الا أتوه: «کادح(9) سعیاً لدنیاه، فی لذّات طربه، وبدوات(10) أربه(11)» فهذه العبارات إشارة إلى أولئک الجهال الذین یوظفون کافة إمکاناتهم ویستفرغون ما بوسعهم من أجل الحصول على مال الدنیا وحطامها والتنعم بلذاتها الفانیة وأشباع أهوائهم ورغباتهم الجامحة، وکأن هذا هو الهدف الذی خلقوا من أجله، والحال أنّهم یرون بأم أعینهم مصائب الدنیا ومحنها وأمراضها بالتالی الموت الذی یزیلیها، فکیف تکون هدفا وهذا حالها. إلاّ أنّهم وکما یصفهم الإمام(علیه السلام): «ثمّ لا یحتسب رزیّةً،(12) ولا یخشع تقیّةً،(13) فمات فی فتنته غریراً،(14) وعاش فی هفوته(15) یسیراً لم یفد عوضاً ولم یقض مفترض» ویالها من حالة خطیرة لمن أصیب بمثل هذا الغرور والغفلة; فقد ضحى بعمره من أجل التلذذ بضعة أیام، أی لذة، تلک المشوبة بالألم والهم والغم، حتى ودع الدنیا خالی الیدین وقدم على ربّه بذلک السجل الذی یفضحه فی محکمة العدل الإلهی.


1. هنالک خلاف بین شرّاح نهج البلاغة بشأن (أم) هل هى إستفهامیة ومتصلة أو منقطعة؟ ویبدو من الصعب الحکم فی ذلک، لأنّ ظاهر عبارة المرحوم السید الرضی (ره) قد اختار کلاما من هذه الخطبة الطویلة ویمکن أن تکون العلاقة بین العبارات خافیة هذه القطوف، وقد فسرناها منقطعه وتقدیره العبارة «بل أذکرکم بحال الإنسان...».
2. «شغف» من مادة «شغاف» على وزن جواب یعنی فی الأصل غلاف القلب، والمفردة هنا بمعنى الاغلفة المتعددة.
3. «دهاق» من مادة «دهق» على وزن دهر بمعنى متتابعا وشدة الضغط، ثم استعملت بمعنى الصب بالقوة والضغط، واشارت هنا إلى صب النطفة فی الرحم.
4. «محاق »من مادة «محق» على وزن محو النقص التدریجی والمحو، ومن هنا یطلق المحاق على القمر فی أخره، ووصف العلقة بالمحاق بمعنى خفیت فیها ومحقت حتى زالت صورتها وتبدلت إلى جنین، أو لأنّ لها شکل ممحو وغیر معین ولم تتخذ لها صورة.
5. «یافع» من مادة «یفع» على وزن نفع الغلام راهق العشرین.
6. «سادر» من مادة «سدر» المتحیر والمتخبط.
7 و 8 ـ ماتح تعنى من ینزل البئر إذا قل ماؤها فیملأ الدلو، و«الغرب» بمعنى الدلو العظیمة، فتفسیر العبارة التی وردت فی الخطبة هو أنّ بعض الأفراد الذین یسعون لاشباع أهوائهم ورغباتهم وما یحلمون به من أمانی.
9. «کادح» من مادة «کدح» على وزن مدح شدة السعی، کما تعنی الحرص أیضاً.
10 و 11 ـ «بدوات» جمع بدأة على وزن «غفلة» من مادة «بدو» على وزن دلو بمعنى الظهور، وأدب بمعنى الحاجة والسرور، فالعبارة «بدوات أربه» تعنی الحاجات واللذات التی تخطر على ذهن الإنسان.
12. «رزیة» من مادة «رزأ» على وزن عضو بمعنى النقص فی الأصل، کما وردت بمعنى المصیبة.
13. «تقیة» وردت هنا بمعنى التقوى ومفهوم الجملة أنّ خشوعه إلى اللّه لایستند إلى التقوى، وذهب بعض شرّاح نهج البلاغة إلى أنّ تقیة هنا مفعول مطلق للنوع، وقیل مفعول له، ولیس هنالک من فارق فی المفهوم.
14. «غریر» بمعنى المغرور.
15. «هفوة» من مادة «هفو» رفع القدم بسرعة، ولما کانت السرعة فی المشی تدعو إلى الزلل فی أغلب الأحیان ولعلها تؤدی إلى الوقوع فان الهفوة تعنی الخطأ والزلل والوقوع على الأرض. 

 

القسم الثانی عشرالنعم والجحود
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma