هذا هو ختام الخطبة. ویرى البعض أنّه موضوع مستقل لیس له من إرتباط بالأبحاث السابقة. والواقع أنّ هناک عدة مطالب بین هذا القسم من الخطبة والأقسام السابقة لم یتعرض لها السید الرضی (ره)، ومن هنا یبدو عدم وجود ارتباط بین هذا القسم وما سبقه من أقسام، مع ذلک لایستعبد أن تکون هناک رابطة معقولة بین هذین القسمین، أی أن ما حذف منها لیس بالشیئ الکثیر. وکأنّ الإمام(علیه السلام) أشار إلى العبارة الأخیرة من البحث السابق حین قال فلا تقولوا بما لاتعرفون، فانّ أکثر الحق فیما تنکرون. ومن ذلک قوله لاتعتقدوا أنّ حکومة بنی أمیة دائمة خالدة، لا لیس الأمر کذلک، فسرعان ما تؤول حکومتهم إلى زوال وإنهیار. وقد ابتدأ المرحوم السید الرضی (ره) هذا القسم قائلاً أنّ القسم الآخر من هذه الخطبة: «حتّى یظنّ الظّانّ أنّ الدّنیا معقولةٌ( 1) على بنی أمیّة; تمنحهم درّها،(2) توردهم صفوها، ولا یرفع عن هذه الأمّة سوطها ولا سیفه»، فالعبارة «معقولة على بنی أمیة» کنایة عن تسلیم الشئ إلى شخص، والعبارة «تمنحهم دره» جریاً على عادة العرب بتشبیه أغلب اُمور حیاتهم بالناقة، حیث کان لها بالغ الأثر فی حیاتهم وعلیه فهذه التشبیهات محببة إلیهم. على کل حال فانّ الأفراد السطحیین لایکادون یرون أحدهم متربعاً على عرش السلطة وقد صفت له الدنیا وقمع معارضیه حتى یظنون بخلود هذه السلطة، والحال لایعلم ما یخبئ الغدو لیس هنالک من سبیل للتکهنات فی المسائل السیاسیة، نعم لأولیاءاللّه أن یزودوا الناس بببعض هذه الأخبار المستقبلیة إستناداً لعلمهم المستقى من علم اللّه سبحانه، ومن ذلک هذا الأخبار من الإمام(علیه السلام)حیث قال مواصلة لکلامه: «و کذب الظّانّ لذلک، بل هى مجّةٌ(3) من لذیذ العیش یتطعّمونها برهةً، ثمّ یلفظونها جملةً»; أی سیستحوذن على الحکومة تدریجیاً، ثم یفقدونها دفعة احدة. فنحن نعلم أنّ حکومة بنی أمیة لم تدم أکثر من ثمانین سنة، فکانت أعظم مدتهم على عهد حکومة معاویة بعد شهادة الإمام علی(علیه السلام) وصلحه مع الإمام الحسن(علیه السلام) بعد أن أقبلت علیه الدنیا. ثم خلفه یزید الذی اسود عهده بفعل قیام الإمام الحسین(علیه السلام) واستشهاده بتلک الطریقة البشعة فلم تدم حکومته أکثر من أربع سنوات، ثم تعاقبت الحکومات التی دام بعضها بضعة أشهر، بل کانت حکومة معاویة بن یزید أربعین یوماً، ولم تشذ من ذلک سوى حکومة عبدالملک التی استغرقت عشرین سنة، ولعل السبب یعود إلى عدم استجابته لوصایا الحجاج وعدم إراقة دماء بنی هاشم على کل حال وکما أخبر الإمام علی(علیه السلام) فقد کانت حکومتهم قصیرة ملیئة بالأحداث المریرة ـ أمّا العبارة «هى مجة» فهى إشارة إلى أن بنی أمیة سیذوقون لمدة عابرة نعم الدنیا، إلاّ أنّ مثلهم کمثل الذی یضع طعاماً لذیذاً فی فمه ویتذوق طعمه إلاّ أنّه لایقوى على إبتلاعه، فسرعان ما سیفقدون لذة الحکومة، والتاریخ أفضل شاهد على ذلک فی أنّ حکومتهم التی دامت ثمانین سنة ـ سوى بعضها ـ کانت ملیئة بالمخاطر والنزاعات والحروب والبلابل والاضطرابات.