عظم الشکوى من الاصحاب الضعفاء

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
نظرة إلى الخطبة الخطبة 70

یفهم من مضمون الخطبة مدى معاناة الإمام(علیه السلام) بصفته قائداً لتلک العصابة التی طبعت على العصیان والتمرد والتی مهدت السبیل أمام العدو لتسدید ضرباته الماحقة إلیهم، فیعرض لها بالتوبیخ والذم، علها تعود إلى رشدها وتفیق إلى نفسها فتوحد صفوفها وتهب للوقوف بوجه عدوها. وتکشف عبارات الخطبة ـ وخلافاً لما یظنه بعض الجهال ـ مدى مداراة الإمام(علیه السلام)لهذه الجماعة الضعیفة المشتتة حتى سئم من مداراتهم وشعر بالتعب فقال(علیه السلام): «کم أداریکم کما تدارى البکار( 1) العمدة،(2) والثّیاب المتداعیة،(3) کلّما حیصت(4) من جانب تهتّکت من آخر»
فالتشبیهات التی أوردها من قبیل التشبیهات الغایة فی الروعة والدقة التی تکشف النقاب عن طبیعة أهل الکوفة، فالتأریخ یشیر إلى مدى الضعف والوهن الذی ساد عسکر الإمام(علیه السلام)بعید موقعة صفین بفعل ما کانوا علیه من جهل وذل وهوان. فقد کان جلهم من الأفراد الذین خلدوا إلى الدعة والرحة وعدم التمتع بالآفاق والأفکار التی تجعلهم یتعرفون على ما حولهم من الأحداث. فلم تکن تهتز لهم قصبة رغم الحملات والغارات المباغتة التی کان یشنها أهل الشام على هذه المنطقة أو تلک من مناطق البلاد الإسلامیة، وهم یرتکبون أفضغ الجنایات وأبشع الجرائم إلى جانب سلبهم الأموال واخرابهم للدور. فقد شبههم الإمام(علیه السلام)بادئ ذی بدء بالنوق الفتیة التی اُعدت حدیثاً للرکوب وقد یجرح أحیاناً سنامها. ومن الواضح أنّ هذا هو حال النوق فی بدایة عهدها وأنّ علیها أن تتحمل حتى یشد ظهرها ویستحکم سنامها. أمّا تلک الجماعة فلم تتعرض إلى ذلک الحمل الخفیف فی موقعة صفین حتى جثت على رکبتیها، مع ذلک فانّ الإمام(علیه السلام)عاملها بمنتهى المدارة علها تنهض وتستعید قوتها وشجاعتها. وفى التشبیه الثانی شبههم بالاسمال الخلقة البالیة التی تشق بأدنى حرکة، فاذا خیطت من جانب شقت وتمزقت من آخر. نعم فهؤلاء قد فقدوا کل عناصر الصمود والثبات إثر ضعفهم وخلودهم إلى الراحة والنکوص عن القتال، فکانوا کلما جمعوا من جانب تفرقوا من آخر، فما أعظمها من مشکلة أن یبتلى قائد شجاع وحکیم بمثل هذا الجیش المهزوم. حقا کان الإمام(علیه السلام)یعیش حالة مذهلة من الألم والمعاناة والاحباط، وهذه قمة المظلومیة التی شهدها الإمام(علیه السلام). ثم أشار(علیه السلام)إلى مدى ضعفهم وذلتهم علهم یصلحون أنفسهم: «کلّما أطلّ(5) علیکم منسرٌ(6) من مناسر أهل الشّام أغلق کلّ رجل منکم بابه، وانجحر(7) انجحار الضّبّة(8) فی جحرها، والضّبع(9) فی وجاره(10)» والتشبیه بالضبة ینطوی على عدة أمور منها أنّ الضبة تعرف بالحماقة إلى درجة أنها قد تضل حتى جحرها فتعمد إلى جعل جحرها قرب صخرة بغیة الاهتداء إلیه، أضف إلى ذلک فهى تتصف بانعدام العاطفة بحیث تأکل أحیاناً صغارها، وأخیراً شبههم بانثى الضباب الضبة مبالغة فی وصفهم بالجبن والفرار، لأن الانثى أجبن وأذل من الذکر. کما شبههم بالضبع لحماقتهم وسائر الصفات التی أوردناها فی الخطبة السادسة ومنها أنّها تنام رغم تهدیدها من العدو الذی یمکن فی کهفها فیجعلها تخلد إلى النوم حتى یمسک بها دون أن تبدی أدنى مقاومة والواقع أنّ أحداث صفین تعد شاهداً حیاً على ما اورده الإمام(علیه السلام)فی هذه الخطبة بشأن أهل الکوفة وکیف کانت حماقته تجعله یفقد الفرصة وزمام المبادرة بماجر الویلات علیهم وعلى إمامهم(علیه السلام) وعلى کافة المسلمین. ثم أماط الإمام(علیه السلام)اللثام عن مدى ضعفهم فقال: «الذّلیل واللّه من نصرتموه! ومن رمی بکم فقد رمی بأفوق ناصل(11)» والسهم الافوق الناصل المکسور الفوق، المنزوع الفصل، والفوق موضع الوتر من السهم، وهذا مثل یضرب لمن استنجد بمن لاینجده. ثم قال(علیه السلام):«إنّکم واللّه لکثیرٌ فی الباحات(12) قلیلٌ تحت الرّایات» فقد إعتادوا على الراحة والرفاه ولذة العیش، وهذا هو سبب ذلهم وهوانهم وجرأة العدو علیهم. ثم قال(علیه السلام)«وإنّی لعالمٌ بما یصلحکم، ویقیم أودکم،(13) ولکنّی لا أرى إصلاحکم بإفساد نفسی». فقد ذکر الشرّاح تفسیرین لهذه العبارة لایتنافیان مع بعضهما، ولعل کلاهما صادق: الأول أنّه أستطیع أن أفعل مایفعله معاویة ویستیمل زعماء القبائل والناس بأموال بیت مال المسلمین، الا أنی لا أفعل ما یسخط اللّه، ولا اُقیم دعائم حکومتی على حساب الفقراء والضعفاء وهضمهم حقوقهم، والثانی یمکننی أن أفعل ما یفعله الآخرون من حملکم بالقوة على قتال العدو. فقد جاء فی کتاب الغارات أن الإمام(علیه السلام)خاطب أهل الکوفة قائل: «و اللّه لقد ضربتکم بالدّرة الّتی أعظ بها السّفهاء فما أراکم تنتهون، ولقد ضربتکم بالسّیاط الّتی أقیم بها الحدود فما أراکم ترعوون، فما بقى إلاّ سیفی! وإنّی لاعلم الّذی یقوّمکم بإذن اللّه و لکنّی لا أحبّ أن آتى تلک منکم»(14). ونموذج ذلک قد تمثل بالحجاج حین هجم جیش المهلب (أحد زعماء الخوارج) وسدد ضرباته القاصمة لحکومة بنی أمیة، فبعث الحجاج من نادى بالکوفة من تخلف عن قتال جیش المهلب اخربت داره على رأسه وضربت عنقه بالسیف، ولم یستثن من ذلک حتى الکهول والمرضى. وبالطبع فقد عمل بذلک عدد من المستبدین من قبل الحجاج وبعده. فالإمام(علیه السلام)یشیر إلى سهولة اللجوء إلى هذا الاسلوب، إلاّ أنّه لایلیق بشأنه وعلو منزلته، وانّه لایفعل ذلک لأنّه یفسد دینه. وهنا یطرح هذا السؤال: أو لیس الدفاع عن الحکومة الإسلامیة وقتال أعدائها واجباً؟ فلم لایحمل الناس قهراً على القتال؟ والجواب على هذا السؤال یتضح من خلال ذکر هذه المسألة، وهى أنّ أصل هذا العمل صحیح، وللحکومة الإسلامیة أن تلجا إلى القوة فی مثل هذه الحالة، إلاّ أنّ هذا الأمر یستلزم عدّة تبعات قد تکون فی نهایة الأمر مخالفة لأحکام الشرع، ونموذج ذلک واضح فی قضیة الحجاج الذی کان یضرب بالسیف البری والمذنب على حد سواء. أضف إلى ذلک فانّ هذا العمل قد یستبطن بعض ردود الفعل السلبیة من البعض واساءتها لفهم القوانین الإسلامیة، وذلک لعدم قبول هذا العمل من قبل الجمیع، ولعل بعض الضغوط تدعو البعض إلى الردة والتمرد على أحکام الدین والقرآن. ومن هنا لم یلجأ النبی(صلى الله علیه وآله)قط إلى مثل هذا الاسلوب، بل لم یعمل به أی من الخلفاء بعد النبی(صلى الله علیه وآله). وعلیه فقد درج الإمام(علیه السلام)وعلى غرار ما کان یفعله رسول اللّه(صلى الله علیه وآله)من اعتماد الترغیب والترهیب فی تعبئة الاُمّة لخوض غمار الجهاد. ثم إختتم الإمام(علیه السلام)خطبته بالدعاء علیهم جزاءاً لأعمالهم: «أضرع(15) اللّه خدودکم، وأتعس(16) جدودکم!(17) لا تعرفون الحقّ کمعرفتکم الباطل، ولا تبطلون الباطل کإبطالکم الحقّ!» فالواقع أنّ دعاء الإمام(علیه السلام) لم یکن سوى نتیجة أعمالهم، فمن ترک الجهاد لایذیق سوى الذل والهوان، وما ذلک إلاّ لجهلهم بالحق وعدم نهوضهم به واقبالهم على الباطل. وهذا هو البؤس والشقاء الذی یحتاج الیوم مجتمعاتنا الإسلامیة. فهذه المجتمعات تعرف الباطل، مع ذلک تقلده وتقتفی آثاره، بینما تجهل الحق واتباعه، والأنکى من ذلک هناک من هم للوقوف بوجه الحق رافعا رایة الباطل والضلال. والحال إنّ هذه الطاقات والإمکانات لابدّ أن تجند فی سبیل اللّه وإحقاق الحق وإبطال الباطل.


1. «البکار» جمع «بکر» على وزن مکر من مادة «بکور»، الفتی من الابل، ولابدّ من لالتفات إلى أنّها تستعمل بشأن الإنسان أیضاً وجمعها أبکار. و«بکر» على وزن مکر، ویطلق على الصغیر من أُنثى الابل وجمعها «أبکار».
2. «عمدة» من مادة «عمد» على وزن حمد بمعنى إقامة الشئ بالعمود، وتطلق على الدابة التی انفتح داخل سنامها من الرکوب وظاهره سلیم.
3. «متداعیة» من مادة «دعوت»، وهذا الاصطلاح یستعمل للاشخاص یدعون بعضهم الآخر إلى شیء معین، ومن هنا یطلق على قطعة القماش البالیة والتی عندما تتمزق أحدى زوایاها کأنما تدعوا لزاویة الاخرى لتکون مثلها، یطلق على هذه القطعة البالیة «المتداعیة».
4. «حیصت» من مادة «حیص» على وزن حوض بمعنى خیطت .
5. «أطل» من مادة «طل» على وزن حل بمعنى الاشراف على شئ وهى هنا إشارة إلى إقتراب جیش الشام.
6. «منسر» على وزن منزل من مادة «نسر» القطعة من الجیش البالغ عددها مئة إلى مئتین والتی تمر أمام جیش کثیر.
7. «انجحر» من مادة «جحر» على وزن جهل بمعنى دخل الجحر.
8.«ضبه» على وزن دبه بمعنى أُنثى الضب، وفی الاصل جاءت من مادة «ضبّت» بمعنى إنسیاب الماء بشکل بطیء وأمثال ذلک.
9. «ضَبُع»، یطلق على نوع من السباع.
10. «وجار» من مادة «وجر» على وزن فجر بمعنى صب الدواء فی الحلق، ومن هنا فان زحف الضبع فی حجره له شبه بذلک، ویقال لجحر الضب والحیوانات الاخرى «وجار».
11. وهنا فان الفعل «رُمی» جاء بصورة فعل مجهول، فی حین إن هذا الفعل تکرر فی الخطبة 29 بهذا التعبیر ولکن جاء بصیغة فعل معلوم، وبما انهما یعطیان معنىً واحداً فی کلا الحالتین، لذا فلا مانع من الاستفادة من التعبیرین فی الترجمة.
12. «باحات» من مادة «بوح» بمعنى الاتساع والظهور، ویراد بها ساحة الدار. ومن هنا فانه یطلق على الساحة الواسعة والظاهرة للعیان، بـ«الباحة».
13. «أوَد» من ماة «أود» على وزن قول بمعنى العوج. و «اَوَد» على وزن سند، ویطلق على الاعوجاج بـ«الاَوَد».
14. الغارات 1/42.
15. «أضرع» من مادة «ضرع» بمعنى الرضاع «وضع الثدی فی الفم»، ویأتی معناها أیضا بمعنى المناسب فی الاشیاء، ومن هنا فان هذا المصطلح یستعمل للتعبیر عن الدولة.
16. «أتعس» من مادة «تعس» على وزن «ترس» بمعنى الهفوة والسهو والزلة وکذلک یأتی بمعنى السقوط، و«اتعاس» من باب افعال بمعنى الهلکة.
17. «جدود» جمع «جد» وفی الأصل بمعنى أب الأب أو أب الام، وتأتی بمعنى الرزق والموفقیة الاجتماعیة، وأحیانا بمعنى الفائدة، حیث أتت هنا بهذا المعنى. 

 

نظرة إلى الخطبة الخطبة 70
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma