التزود قدر المستطاع

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الثانی القسم الثالث

واصل الإمام(علیه السلام) خطبته بالإشارة إلى ثلاثة اُمور مهمّة: الأول «و ما بین أحدکم وبین الجنّة أو النّار إلاَّ الموت أن ینزل به» أی إن کنت حذرتکم من الدنیا ودعوتکم إلى التزود للآخرة بالتقوى والعمل الصالح ومبادرة الأجل، فذلک لقصر المسافة بینکم وبین الجنّة أو النار، فما أسرع أن تروا أنفسکم فی الجنّة أو النار إذا حلّ الموت بنادیکم. فالمؤمن الفطن لیقف على مدى قصر هذه المسافة ویراها على ضوء الآیة القرآنیة: (إِقْتَرَبَتِ السّاعَةُ وَانْشَقَّ القَمَرُ)،( 1) خاطفة من حیث الزمان، کما یراها کذلک على مستوى المکان على ضوء الآیة الشریفة: (إِنَّـهُمْ یَرَوْنَهُ بَعِـیداً * وَنَراهُ قَرِیب)(2) وبالطبع فالآیة إشارة إلى القیامة الصغرى لا الکبرى، وتفسیر ذلک أنّ للإنسان قیامتان: 1 ـ القیامة الکبرى التی یحشر فیها جمیع الأولین والآخرین لیحاسبوا على أعمالهم. فالمحسنون إلى الجنّة والآثمون إلى النار. 2 ـ القیامة الصغرى التی تحل بالفرد عند موته فتنقطع علاقته بالدنیا وتغلق صحیفة أعماله فتکون حفرة قبره روضة من ریاض الجنّة أو حفرة من حفر النار. فقد ورد عن الإمام الصادق(علیه السلام)أنّه قال «إنّ للقبر کلاماً فى کلّ یوم یقول: أنا بیت الغربة... أنا روضةٌ من ریاض الجنّة أو حفرةٌ من حفر النّار»(3). طبعاً یراد بهذه الجنّة والنار الجنة والنار البرزخیة لا جنّة القیامة ونارها. على کل حال فانّ الإمام(علیه السلام) تحدث عن قرب القیامة وسرعة ثوابها وعقابها وإن رآها عبید الدنیا بعیدة ثم قال(علیه السلام): «و إنّ غایةً تنقصها اللّحظة، وتهدمها السّاعة، لجدیرةٌ بقصر المدّة» والمراد بالغایة هنا عمر الإنسان أو إختتام هذا العمر حیث یأخذ بالتناقص کل یوم، ویتحطم رکن منه بمرور کل ساعة ولحظة، فالعمر لیس سوى هذه الساعات واللحظات وهى الحقیقة التی أشار إلیها القرآن الکریم بقوله: (وَالعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسانَ لَفِی خُسْر)، کما أشار إلیها الإمام(علیه السلام)بقوله: «إنّ الاْنْسان لفى خسْر»(4). ومن العجب العجاب أن تسأل أحدهم عن قیمة عمره فلا تراه مستعداً لاستبداله بأی شی بینما یقضی أغلب أوقاته لاهیاً عابثاً دون أن یحترم الوقت، والحال لیس العمر سوى هذه الأوقات. ولا بأس هنا بذکر هذه الطریفة التی أوردها المحقق النراقی أحد کبار الفقهاء فی کتابه الفکاهى الواعظ طاقدیس الذی ذکر فیه تلک المواعظ على هیئة الشعر. فقال أن طراراً ذهب إلى بقال وسأله ما ثمن الجوز؟ قال: کل ألف جوزة بعشرة دراهم. سأل: فما ثمن المئة؟ قال: درهم واحد. سأل: ما ثمن العشرة؟ قال: عشر الدرهم. حتى سأله عن ثمن الجوزة الواحدة. فقال: لا قیمة لها. قال الطرار: فان کان کذلک فاعطنی واحدة. فأعطاه. ثم عاد وطلب واحدة. فاعطاه ثم عاد ثالثة وسأله واحدة. وهنا إلتفت إلیه البقال وسأله: من أین أنت؟ أجاب: من بلدة فلان. فقال: أیها الماکر، إذهب واخدع غیری (أترید أن تقتنی متاعی بالمکر والخداع) وهکذا یقوم بعض الجهال من أهل الغفلة بهدم ساعات عمرهم ولحظاته بالمکر والخداع وبالطبع فهم لایخدعون سوى أنفسهم فیضیعون هذا العمر الذی لا تعدله قیمة. ثم قال(علیه السلام):«و إنّ غائباً یحدوه الجدیدان: اللّیل والنّهار، لحرىٌّ بسرعة الاْوْبة»(5) والمراد بالغائب هنا الأجل، وکأنّه الناقة السریعة الجادة فی الحرکة حیث یجدبها الجدیدان اللیل والنهار وهما بمثابة الراعی الذی یحدوها إلى الحرکة، ومن الطبیعی أن هذه الناقة ـ الأجل ـ ستصل بسرعة إلى هذا الإنسان، أمّا التعبیر بالجدیدین عن اللیل والنهار وذلک لتجددهما على الدوام واستبدال أحدهما بألآخر، والتعبیر بالاوبة التی تعنی الرجوع، واستنادا إلى القرآن الکریم والأدلة الحسیة والیقینیة فی أن الإنسان کان فی البدایة مادة خالیة من الحیاة، ثم دبت فیه هذه الحیاة، وأخیراً سیعود إلى ما کان حین الموت، ثم یبعث وتدب فیه الحیاة من جدید باذن اللّه: (کَیْفَ تَکْفُرُونَ بِاللّهِ وَکُنْتُمْ أمْواتاً فَأَحْیاکُمْ ثُمَّ یُمِـیتُکُمْ ثُمَّ یُحْیِـیکُمْ ثُمَّ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ)(6) وقد ورد هذا المعنى فی قصار حکم نهج البلاغة «إذا کنت فی إدبار والموت فی إقبال فما أسرع الملتقى»(7). هذا وقد فسر بعض شرّاح نهج البلاغة الغائب فی العبارة بالإنسان لأنّه غاب عن وطنه ومنزله الأصلی الآخرة والتی یجب علیه الرجوع إلیها، واللیل والنهار یسوقانه سریعاً إلى ذلک المنزل. ویبدو أنّ هذا التفسیر ینسجم والقول: (إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَیْهِ راجِعُونَ)(8) وما ورد فی وصیة أمیرالمؤمنین(علیه السلام)لولده الحسن: «و اعلم یا بنىّ أنّ من کانت مطیّته اللّیل والنّهار، فإنّه یساربه وإن کان واقفاً، ویقطع المسافة وإن کان مقیماً وادع»(9). الاّ أنّ الذی یبعد هذا التفسیر هو عدم خلوه من التکلف فی تفسیر الغائب بالإنسان، أمّا تفسیره بالأجل یبدوا أقرب وأنسب ثم قال(علیه السلام): «و إنّ قادماً یقدم بالفوز أو الشّقوة لمستحقٌّ لاِفضلِ العدّةِ» ومن الواضح أنّ المراد بالقادم هنا الإنسان الذی ینطلق فی حرکته من الدنیا إلى الآخرة ولا یحمل سوى السعادة أو الشقاء، فما أحراه أن یتزود بخیر العدة وأفضل الزاد لیفوز بسعادة تلک الدار. وذهب بعض الشرّاح إلى أنّ المراد بالقادم هنا الموت وأجل الإنسان وانّه یرد بالسعادة أو الشقاء، فعلیه أن یتأهب کأفضل ما ینبغی له لیفوز بالسعادة. ویرجح هذا التفسیر على سابقه لأنّه ینسجم ومفهوم العبارة السابقة «و إنّ غائباً...» والمراد بأفضل العدّة التقوى، التی أشار إلیها القرآن بفضلها خیر الزاد (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَیْرَ الزّادِ التَّقْوى)(10). ومن هنا خلص الإمام(علیه السلام)إلى هذه النتیجة «فتزوّدوا فی الدّنیا من الدّنیا ما تحرزون به أنفسکم غد» فی إشارة إلى أنّ ما فی الدنیا یمکنه أن یکون تلک المعنویة فی الآخرة، وهل المعنویات هناک سوى الاعمال الصالحة هنا والتقوى والورع التی عدت خیر الزاد، فکما أنّ الزاد الدنیوی یقی المسافر من خطرات الموت والجوع وآفات السفر، فکذلک زاد التقوى بالنسبة للاخرة وهذا ما ورد التأکید علیه فی الروایات، فقد جاء فی الحدیث أنّ علی(علیه السلام)قال: «التّقوى حرزٌ لمن عمل به»(11)وقال فی موضع آخر: «التّقوى حصنٌ حصینٌ لمن لجأ إلیه»(12) وقال: «إلجأوا إلى التّقوى فإنّه جنّةٌ منیعةٌ»(13).


1. سورة القمر / 1.
2. سورة المعارج / 6.
3. الکافى 3/242.
4. نهج البلاغة، الکلمات القصار /74.
5. أوبة له معنى مصدری وایاب بمعنى الرجوع والإنابة.
6. سورة البقرة / 28.
7. نهج البلاغة، الکلمات القصار، الکلمة 28.
8. سورة البقرة / 156.
9. نهج البلاغة، الرسالة 31.
10. سورة البقرة / 197.
11. غرر الحکم، ح 1128.
12. غررالحکم ، ح 1558 .
13. غررالحکم، ح 2553. 

 

القسم الثانی القسم الثالث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma