أورد الإمام(علیه السلام) هذا الکلام حین أمر عمر بتشکیل الشورى من أجل إنتخاب عثمان، والشورى هم: علی(علیه السلام) وعثمان وعبدالرحمن بن عوف وطلحة والزبیر وسعد بن أبی وقاص. وقد أمر جماعة بامهالهم ثلاثة أیام لینتخبوا من بینهم خلیفة، فاختاروا عثمان خلیفة بعد أن رفض علی(علیه السلام) ما اشترط علیه لقبول الخلافة، فرأى الإمام(علیه السلام) نفسه أمام عمل قد وقع، فاورد هذه الکلمات «لقد علمتم أنّی أحقّ النّاس بها من غیری» فی إشارة إلى أنّ سکوته(علیه السلام) لایعنی أدنى شک وریب فی جدارته بالخلافة، فتطرق(علیه السلام) إلى الدافع الذی یکمن وراء ذلک السکوت فقال: «و والله لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمین; ولم یکن فیها جورٌ إلاّ علیّ خاصّةً». نعم مصالح المسلمین هى الدافع لذلک السکوت، حذرا من شق صفوف المسلمین; الأمر الذی کان ینتظره أعداء الإسلام فی الداخل والخارج بفارغ الصبر بغیة تنفیذ مؤامراتهم التی تهدف إطفاء نور الإسلام، أو حرصاً على دماء المسلمین والحیلولة دون إراقتها، ثم یصرح بأنّه مستعد للتنازل عن حقه إذا إقتصر الظلم علیه ولم تمارسه هذه الخلافة بحق الإسلام والمسلمین. ثم أتبعه(علیه السلام)بالدافع الثانی «التماساً لأجر ذلک وفضله» وإلى جانب ذلک «وزهداً فیما تنافستموه من زخرفه وزبرجه»( 1). فقد أشار الإمام(علیه السلام)فی هذه العبارة القصیرة إلى ثلاث حقائق مهمة هى:

أولاً: أنّه أحق من کافة الأفراد بخلافة رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) وأنّ اُولئک الذین صدوه عن حقه بدافع من مصالحهم الشخصیة أو حسداً وبغضاً إنّما ظلموه کما ظلموا الأمّة لأنّهم حرموها من هذا الزعیم الکفوء.

ثانیاً: أنّ سکوت الإمام(علیه السلام) لم یکن إعتباطیاً خالیاً من القیود والشروط، بل قیده(علیه السلام)بانتظام أعمال المسلمین دون أن یتعرضوا لأی ظلم وجور.

ثالثاً: إنّ الإمام(علیه السلام) طلب أجر اللّه وثوابه بهذا السکوت المریر والملی بالمعاناة، کما أراد أنّ یثبت عدم قیمة ما یتنافس علیه الآخرون من زبرج الدنیا وزخرفها ویحرقون من أجلها الأخضر والیابس، ولایقیم له الإمام(علیه السلام)من وزن.

1. «زخرفه» و«زبرجه» أصل الزخرف الذهب وکذلک الزبرج، ثم أطلق على کل ممّوه مزور، وأغلب ما یقال الزبرج على الزینة من وشی أو جوهر.