خصائص المخلصین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الثانی 1 ـ فتح باب الاجتهاد

تطرق الإمام(علیه السلام) فی هذا المقطع من الخطبة إلى نقطة مهمة مکملة للقسم السابق، وهى أنّ العبد المخلص للّه ـ الذی دار الحدیث عنه سابقاً ـ بعد أن یتم مرحلة تهذیب النفس والوصول إلى المقامات العالیة فی العلم والعمل والتقوى یهب لهدایة الخلق ویصبح رائدا على الطریق لینجی الناس من ظلمات الجهل والوهم والضلال. فالواقع أنّ مثل هذا العبد ما إن یجتاز مرحلة السیر إلى الحق وفى الحق حتى یستأنف مرحلة السیر إلى الخلق فینهض بعبئ تبلیغ الرسالة التی حمل مشعلها الأنبیاء. فقد قال(علیه السلام): «قد نصب نفسه للّه ـ سبحانه ـ فی أرفع الاْمور»، آنذاک خاض الإمام(علیه السلام) فی شرح هذه الوظائف بعبارات قصیرة بعیدة المعانی فقال: «من إصدار کلّ وارد علیه، وتصییر کلّ فرع إلى أصله»، فالعبارة تشیر إلى نقطة مهمّة وهى أنّ هذا العبد العالم المخلص قد إنطوى على إحاطة بعلوم الدین وأحکامه إلى درجة جعلته قادراً على الرد على کل ما یطرح من سؤال وإستفسار. کما تتضمن العبارة تلمیحاً إلى عدم وجود سؤال فی الدین لایحمل جواباً، کما لیس هنالک من مشکلة فی المعارف الإلهیة والأحکام الفرعیة دون حلول; الأمر الذی أکده رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) فی خطبته المعروفة فی حجة الوداع، إذا قال: «یا أیها الناس! واللّه ما من شئ یقربکم من الجنّة، ویباعدکم من النار، إلا وقد أمرتکم به، وما من شئ یقربکم من النار، ویباعدکم من الجنّة، إلا وقد نهیتکم عنه»( 1)، وهو ما تعارف فی فقه الإمامیة بعنوان: «لیس هنالک من واقعة إلاّ وللّه فیها حکم». والعبارة «تصییر کل فرع إلى أصله» تشیر فی الواقع إلى التعریف الذی ذکره علماء الدین للاجتهاد والاستنباط، حیث صرحوا بأن حقیقة الاجتهاد هى: «رد الفروع إلى الاصول»; أی الاجابة على کل فرع بالاستفادة من القواعد والاُصول الکلیة المستقاة من الکتاب والسنة ودلیل العقل، والمجتهد من یعلم بأنّ الفرع لأی أصل یعود. کما تشیر العبارة ضمنیاً إلى فتح باب الاجتهاد فی کل مکان وزمان، وقد بینت شرائط المجتهد من حیث العلم والعمل فی الابحاث السابقة. ثم قال(علیه السلام): «مصباح ظلمات، کشّاف عشوات(2) مقفتاح مبهمات، دفّاع معضلات، دلیل فلوات»(3). فقد کشف الإمام(علیه السلام) بهذه الصفات الخمس کیف یخترق هذا العبد المخلص الورع والمتقی حجب الجهل الظلمانیة، فیکشف ما خفی من المعارف، ویفتح أقفال الغوامض والمبهمات ویحل مشاکل الناس، کما یهدی الناس إلى الحق والنجاة فی صحراء الحیاة الملیئة بالحیرة والضلالة وخشیة الوقوع فی مخالب اللصوص وقطاع الطرق. ثم واصل الإمام(علیه السلام) کلامه بالحدیث عن خمس صفات اُخرى لهذا العالم الربانی فقال: «یقول فیفهم، ویسکت فیسلم». نعم کلامه هادف، وسکوته هو الآخر هادف أیضاً، فهو یتکلم حیث لابدّ من الکلام، بینما یسکت حین یخشى الذنب والمعصیة من جراء الکلام، فکلامه وسکوته للّه ولایهدف فیها سوى رضاه. فالحق إننا نعرف بعض الأفراد الذین یسعون جاهدین لاحاطة ما یقولون ویکتبون بهالة من التعقید والابهام لیفهموا الآخرین بمستواهم العلمی، والحال لایجنی القارئ أو المستمع سوى المفاهیم المغلقة التی لاجدوى من ورائها; أمّا العلماء المخلصون فلا یصابون بهذه الأمراض، فهم لایرومون من کلامهم سوى هدایة الطرف المقابل، أمّا سکوتهم فلا یستند إلى الهروب من المسؤولیة والخلود إلى الراحة والدعة، بل لایرومون من سکوتهم سوى السلامة من الخطیئة والاثم ومجانبة الهوى ومعصیة اللّه. ثم أشار(علیه السلام) إلى مقام هذا العارف الإلهی فقال: «قد أخلص للّه فاستخلصه»، یمکن أن تکون هذه العبارة إشارة إلى نقطة لطیفة وهى أنّ الشوائب الأخلاقیة للإنسان على قسمین: قسم قابل للرؤیة ویمکن التغلب علیه من خلال الجهاد الأکبر وإصلاح النفس، بینما یتعذر رؤیة القسم الآخر. واللّه سبحانه فی عون من ینتصر فی المرحلة الاولى. وقد صورت الروایات الإسلامیة الشرک بأعظم صورة حیث قالت: «إنّ الشرک أخفى من دبیب النمل، على صفاة سوداء، فی لیلة ظلماء»(4). ومن الطبیعی أن تطهیر القلب من هذا الشرک لایبدو سهلاً إلاّ فی ظل العنایة الإلهیة. ثم أردف الإمام(علیه السلام) تلک الصفات الثلاث بصفتین فقال: «فهو من معادن، دینه وأوتاد أرضه»، نعم من خلص کیانه من کل الجوانب وکان عمله هو التربیة والتعلیم فهو بمنزلة المعدن الذی لایفنى والذی تستخرج منه المجوهرات والفلزات الثمینة، وهو کالجبل الراسخ الذی لاتزعزعه عواصف الشرک وریاح الذنوب والمعاصی والوساوس والمکائد الشیطانیة التی تتقاذف الإنسان وتلقى به فی مهالک الردى، وقد عبر عنه القرآن الکریم بوتد الأرض الذی یحفظها من الزلازل: (ألم نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهاداً * وَالجِبالَ أَوْتاد)(5) وتشبیه هذا العالم الربانی والعبد المخلص بالجبل الی یمثل وتد الأرض تفید عظم برکته على المجتمع الإسلامی. فمثل هذا الفرد هو الذی یحفظ المجتمع الإسلامی من عواصف الانحراف والفساد. ثم واصل الإمام(علیه السلام) کلامه بالإشارة إلى أربع صفات اُخرى من صفات هذا العالم الربانی فقال: «قد ألزم نفسه العدل، فکان أوّل عدله نفی الهوى عن نفسه» فنحن نعلم بأنّ حقیقة العدل الخلقی أن تکون کافة صفات وممیزات الفرد منسجمة وحد الاعتدال والاتزان، بحیث لاتنطوی شخصیته على الرغبات المفرطة التی تسوقه إلى الهوى، إلى جانب عدم الانزواء والتقوقع عن الدنیا، فلابد له أن یستسیغ الحلال ویمج الحرام ویسلک خط الاعتدال. فالعبارة «أول عدله...» تفید انطلاقه فی العدل من ذاته، والحق أنّه مالم یکن کذلک فلیس لکلامه من أثر فی الآخرین فی الدعوة إلى العدالة. ثم قال فی الصفة الثانیة «یصف الحقّ ویعمل به» فان کان نصیرا للحق لم یقتصر ذلک على لقلقة اللسان، بل کانت دعوته ونصرته للحق على مستوى السلوک والأفعال قبل اللسان والأقوال، وذلک لأنّ کلامه النابع من إیمانه واعتقاده إنّما ینعکس مباشرة على سلوکه وتصرفه، ولولا ذلک الانعکاس لأفاد الأمر عدم إیمان ذلک الفرد بما یقول. ثم قال(علیه السلام) فی الصفة الثالثة: «لا یدع للخیر غایةً إلاّ أمّها، ولا مظنّةً إلاّ قصده» انه طالب کل خیر وإحسان وسعادة، بل یقتفی آثار حتى تلک الحالات التی یرتجى من وراءها خیراً، فهو عاشق للخیر وکأنّه ذلک الفرد الذی یبحث عن ضالته النفیسه، فهو لاینفک عن مطاردتها هنا وهناک. وقال فی الصفة الرابعة «قد أمکن الکتاب من زمامه، فهو قائده وإمامه، یحلّ حیث حلّ ثقله،(6) وینزل حیث کان منزله» وهکذا یرى هذا العبد المخلص نفسه مکلّفاً بهدایة الناس منطلقاً قبل ذلک من إصلاح نفسه واجتثاث جذور الهوى من أعماقها; فلسانه یصدع بالحق دائماً، کما یعمل بهذا الحق إلى جانب سعیه الدؤوب خلف الصالحات وأعمال الخیر، والأهم من کل ذلک أنّه جعل القرآن إمامه الذی یقوده حیث شاء فقد فوض إلیه کافة اُموره، فکانت سکناته وحرکاته مستندة إلى القرآن.


1. اصول للکافی 2/74 ح 2.
2. «عشوات» جمع «عشوة» مایقدم علیه الإنسان من عمل جهلا، ومن الواضح أنّ نتیجة مثل هذا العمل هى الندامة، وکشاف عشوات من یطرح حجب الجهل وینجی أهل الضلالة.
3. «فلوات» جمع «فلاة» وهى الصحراء الواسعة، مجاز عن مجالات العقول فی الوصول إلى الحقائق، ودلیل الفلوات العالم بها.
4. بحارالأنوار 69/93.
5. سورة النبأ / 6 ـ 7.
6. «ثَقَل» على وزن أجل، وله معان مختلفة، ففی بعض الأحیان یأتی بمعنى أمتعة المسافر واحیانا بمعنى الاشیاء الثمینة.
و«حل» بمعنى نزل فی منزل جدید وحل الرحال فیه، والجملة الواردة اعلاه، کنایة عن أن المؤمن المخلص والسائر على هدى القرآن الکریم، فان حاله کحال المسافر الذی سار وراء قافلة کلما نزلت القافلة فی مکان وحلت رحالها، فانه یتبع هذه القافلة فینزل معها ویحل رحاله معها. 

 

القسم الثانی 1 ـ فتح باب الاجتهاد
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma