أشار الإمام(علیه السلام) فی هذه الخطبة إلى طرق نفوذ الشیطان فی قلوب الناس، لیؤکد على موضوعین مهمین بهذا الشأن. الأول المبالغة فی الاستفادة من الحریة وممارسة المباحات; وذلک لأن بعض المباحات تمثل الحد الأخیر لحیز الذنب، بحیث یرد الإنسان هذا الحیز إذا ما اندفع أکثر من اللازم. فالإمام(علیه السلام) یحذر هنا من الاندفاع وراء هذه المباحات، حیث یخشى على مثل هذا الفرد أن یسلک سبیل الظلمة. ومن هنا نرى الدول والبلدان تعمد الیوم إلى تعیین حدودها لتشکل حزامها الامنی، ولایحق للأفراد أن یقتربوا لبضع کیلومترات من هذه الحدود، لأنّ الوصول إلى النقطة الحدودیة قد یسول للإنسان إذا وصل حد الذنب، قد یبدو له سهلاً فتوسوس له نفسه لمقارفته. والطریق الثانی الذی ینفذ من خلاله الشیطان إلى الإنسان إنّما یکمن فی مداهنة أهل الذنوب والمعاصی ومجاملتهم على أعمالهم، إلى جانب حل بعض المعضلات من خلال الحیل الشرعیة وما شابه ذلک. فعادة أهل المعاصی هى الاستخفاف بالذنب والمعصیة وتصغیرها فی نظر الآخرین، کما أنّ الحیل الشرعیة تقضی على فضاعة الذنب وشدته وتهتک الحجب المضروبة بینه وبین الإنسان، فقد جاء فی الخبر أنّ أمیرَالمؤمنین علی(علیه السلام) قال: «من داهن نفسه هجمت به على المعاصی المحرمة».( 1)

1. غرر الحکم، ح 9022.