تجلیات جلال اللّه وجماله

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات الولایة (شرحٌ عصرىٌّ جامعٌ لنهج البلاغة) / الجزء الثالث
القسم الثانی الآثار التربویة لمعرفة الله

یواصل الإمام(علیه السلام) حدیثه عن الصفات الإلهیة ذات الأثر التربوی فی حیاة الإنسان فقال(علیه السلام) «لم یخلق ما خلقه لتشدید سلطان، ولا تخوّف من عواقب زمان، ولا استعانة على ندّ( 1) مثاور،(2) ولا شریک مکاثر،(3) ولا ضدّ منافر(4)»، إننا غالباً ما نرتکب بعض الاخطاء بحق صفات الجلال والکمال من جراء مقارنتنا للأشیاء بوجودنا وصفاتنا وأفعالنا، فنعتقد مثلاً بأنّ أفعال اللّه على غرار أفعالنا تهدف النفع وقضاء الحاجة، والحال أنّ وجوده مطلق غنی من جمیع الجهات ومن هنا کان جامعاً لجمیع الکمالات ولیس للنقص والحاجة من سبیل إلى ذاته المقدسة. وبناءاً على ما تقدم فانّ أفعاله لیست من قبیل أفعالنا، ولما کان اللّه فاعلاً حکیماً، فانّ أفعاله منزهة من العبث ولابدّ من تحری أهداف أفعاله خارج وجوده وبالنظر إلى عباده. والوصف الذی تضمنته العبارة قد أشار إلى هذا الأمر، حیث ینفى عن أفعال الحق سبحانه کافة الأهداف التی تستبطن رفع الحاجة وا لنقص. فهدفنا من أغلب أفعالنا هو مضاعفة قدراتنا واستزادة قوتنا، وأحیانا هدفنا التحسب لبعض المساوئ والعقبات التی قد تلوح فی آفاق مستقبلنا، وقد یکون للهم بالغلبة على من ینشدون ضعفناً أو یهبون لمواجهتنا من نظرائنا، وقد یکن الوقوف بوجه من ینافسنا من الأفراد الذین یعیشون من حولنا، وأخیراً فقد نهدف إلى ازالة بعض العقبات التی تعترض طریقنا، ومن هنا فان کافة أفعالنا إنّما تفرزها طبیعة مثل هذه الأهداف. أما الوصف الذی أورده الإمام(علیه السلام)بشأن اللّه سبحانه إنّما یشیر إلى أنّ أفعاله لا تستند لأی من هذه الأهداف. فلیس هنالک من ضعف فی قدرة اللّه ولا یخشى من أحداث المستقبل، ولیس له من شبیه أو نظیر یسعه منافسته، ولیس له من یطمع فیه من شریک وأخیراً لیس هنالک من موانع أو عقبات تعترض طریقه، ولیس لهذه الاُمور من سبیل إلى ذاته، بل وجودنا الناقص بالذات إنّما یصاب بهذه الاُمور. وهنا یبرز هذا السؤال وهو إذا کانت جمیع هذه الاُمور منتفیة على اللّه سبحانه، فماهدفه من الخلقة؟ ورد الرد على هذا السؤال فی العبارة اللاحقة من الخطبة «و لکن خلائق مربوبون، وعبادٌ داخرون»(5) نعم فلیس هدف اللّه من الخلق تحقیق نفع، بل هدفه الجود على العباد; الأمر الذی أکده التعبیر «مربوبون» فی العبارة الذی یعطی معنى التربیة والتکامل، کما أشیر إلى المعنى المذکور أیضاً بقوله «عباد داخرون»، وذلک لأنّ تکامل الإنسان إنّما یمر عبر عبودیته. وبناءا على هذا فان العباد والمخلوقات لیست شبیهة ومضادة للّه فقط، بل هى تستفیض من رحمة اللّه ولطفه وفضله. ثم قال(علیه السلام): «لم یحلل فى الأشیاء فیقال: هو کائنٌ،(6) ولمْ ین(7) عنها فیقال: هو منها بائنٌ»، وبالنظر إلى أنّ الذات اللهیة منزهة عن المکان والزمان فان هذین الوصفین یعدان من النتائج الحتمیة. فلیس هنالک من موضع یحتاج إلیه ویحل فیه من تنزهت ذاته وفاقت الزمان والمکان، ومن هنا یتعذر تصور البعد والقرب علیه سبحانه، فکل هذه الاُمور إنما تصدق على الأشیاء المحدودة، فاذا حلت فی مکان قربت من شئ وبعدت عن آخر، أما الذات الإلهیة المقدسة فهى مطلقة لامتناهیة حاضرة فی کل مکان وهى قریبة من کل شئ ولا یحویها مکان; الأمر الذی ورد فی القرآن: (وَهُوَ مَعَکُمْ أَیْنَ ما کُنْتُمْ وَاللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِـیرٌ)(8) وجاء فیه أیضاً (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ الوَرِیدِ)(9) وکذلک (وَلِلّهِ المَشْرِقُ وَالمَغْرِبُ فَأَیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ واسِـعٌ عَلِـیمٌ)(10). ومن الواضح أن لهذه الصفات الکمالیة أثرها البالغ فی تربیة الإنسان، حیث یرى اللّه سبحانه معه أینما کان فیتحرج من مقارفة الذنب والمجاهرة بالمعصیة. ثم قال(علیه السلام): «لم یؤده خلق ما ابتدأ، ولا تدبیر ماذرأ، ولا وقف به عجزٌ عمّا خلق» فقد أشارت العبارة إلى بعض الاُمور المهمة التی تعود جمیعاً الى قدرته الازلیة. الأول أنّ الخلق الأول الذی یتطلب قدرة أکثر لم یشق علیه سبحانه (لم یؤده من مادة أود على وزن عود بالفتح یعنی الثقل)، والاخر أن ربوبیة الخلق وتدبیر شؤونه لم یخلق له أیة صعوبة أو مشکلة، وأخیرا أن قدرته لم تنفد من جراء خلقه لکل هذا الخلق، بل له أن یخلق مالا نهایة من العوالم بقوله: «کن» (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَیْئاً أَنْ یَقُولَ لَهُ کُنْ فَیَکُونُ)(11). ویمکن أن یکون للعبارة الأخیرة معنى آخر وهو أن خلق هذه المخلوقات لم یعجزه عن إدارتها; وتکون العبارة فی هذه الحالة تأکید لما ورد فی العبارة السابقة. وهذه الصفات هى الاُخرى نابعة من ذاته اللامتناهیة; لأنّ العجز والتعب والثقل إنّما یصدق على الذات المحدودة القدرة التی تسعى للقیام بما یفوق قدرتها; ولیس هنالک من مفهوم للصغیر والکبیر والثقیل والخفیف والسهل والصعب على الذات اللامتناهیة القدرة ـ ثم قال(علیه السلام): «ولا ولجت علیه شبهة فیما قضى وقدر، بل قضاء متقن، وعلم محکم، وأمر مبرم» فالإنسان وبعلمه المحدود قد یتخذ قرارا مهما وحاسما إلاّ أنّ تکشف بعض الحقائق قد تثنیه عن ذلک القرار، کما یقف أحیاناً على عمق خطأه فلا یواصل الطریق الذی إبتدأه. أمّا من کان علمه أزلی ولا یخفى علیه شئ فی عالم الوجود ولا تتکشف له حقائق جدیدة، وله إحاطة تامة وکل زمان ومکان حاضر عنده، فلیس من سبیل للشبهة والشک إلى تدبیره وعزمه وتقدیره. ونقول مرة أخرى أنّ هذه الصفة تستند إلى کون الذات والصفات الإلهیة لامتناهیة. ثم یختتم الإمام(علیه السلام)الخطبة بالقول: «المأمول مع النّقم، المرهوب مع النّعم» وهذا ما أشار إلیه القرآن مرارا وکرارا ومن ذلک قوله: (فَإِنَّ مَعَ العُسْرِ یُسْراً * إِنَّ مَعَ العُسْرِ یُسْر)(12) وقوله (أَفَأَمِنَ أَهْلُ القُرى أَنْ یَأْتِـیَهُمْ بَأْسُنا بَیاتاً وَهُمْ نائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ القُرى أَنْ یَأْتِـیَهُمْ بَأْسُنا ضُحىً وَهُمْ یَلْعَبُونَ)(13). نعم فان المشاکل مهما بدت معقدة أمکن حلها بلطف اللّه وفضله، والنعم مهما کانت واسعة شاملة فان قبضها لیس صعب على الإرادة الإلهیة. وعلیه فلا یمکن الیأس عند البلاء والشدة، ولا الغفلة عند الرفاه والنعمة ومن هنا فان المؤمن یعیش الخوف والرجاء على الدوام فی حیاته. والصفتان الأخیرتان تستندان أیضاً إلى الذات والصفات اللامتناهیة، فلما کانت قدرته لامتناهیة فانّ حل الصعاب سهل یسیر علیه سبحانه کما یسهل علیه سلب النعم ممن یکفرها. فأدنى زلزال یمکنه أن یقضی على منطقة برمتها، کما أن مرضاً خطیراً یمکنه أن یودی بحیاة الالاف بل الملایین من الأفراد، أو أنّ برودة أو حرارة یمکنها أن تمیت الاف الأشخاص.


1. «ند» على وزن ضد بکسر النون النظیر والمثیل ولا یکون إلاّ مخالفاً، ومن هنا فسر «بالضد» أحیاناً.
2. «مثاور» من مادة «ثور» جاءت بمعنى الحرکة والانبعات والاثارة، ومن هنا فان «إثارة» تعنی تفرق الشیء، و«مثاورة» تأتی بمعنى وثوب شخصین لیقف أحدهما فی وجه الآخر، ویقال أیضا لکل ضدین، ومن هنا یأتی معناها بمعنى المحاربة.
3. «مکاثر» من مادة «کثرة» بمعنى الزیادة، ویطلق على الشخص الذی لدیه رغبة فی الزیادة، والذی یتفاخر بالمال والسلطة والجاه بالمکاثر.
4. «منافر» من مادة «النفرة» بمعنى الابتعاد والامتعاظ من الشئ.
5. «داخرون» من مادة «دخور» على وزن حضور بمعنى الذلة والصغر، تستعمل فی الاُمور السلبیة کما تستعمل فی الاُمور الإیجابیة حینما یوصف عبادالله بصفة «داخر» فیعنی ذلک التسلیم والتواضع أمام الحق.
6. فی الکثیر من نُسخ نهج البلاغة التی تعرض لشرحها الشارحون جاءت هذه الجملة والتی وردت أعلاه بهذه الصورة «فیقال: هو فیها کائن» ولا ریب فی أن مفهوم هذه الجملة التی جاءت فی هذه النسخة هى أوضح، وفی النسخة التی دُوّن النص منها، فان کلمة «فیها» جاءت مُقدرة.
7. «ینْأَ» من مادة «نَأْى» على وزن رأى بمعنى ابتعد، والبعض فسرها بمعنى الابتعاد عن الشیء والاتجاه إلى نقطة بعیدة.
8. سورة الحدید / 4.
9. سورة ق / 16.
10. سورة البقرة / 115.
11. سورة یس / 82 .
12. سورة الانشراح / 5 ـ 6.
13. سورة الاعراف / 97 ـ 98.  

 

القسم الثانی الآثار التربویة لمعرفة الله
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma