أوردنا سابقا أنّ الإمام خطب بهذه الخطبة لما إنتهت إلیه أنباء السقیفة وأنّ الأنصار قالت للمهاجرین منا أمیر ومنکم أمیر، فقال(علیه السلام): «فهلاَّ احتججتم علیهم بأنَّ رسول اللّه صلَّى اللّه علیه وآله وسلّم وصّى بأن یحسن إلى محسنهم، ویتجاوز عن مسیئهم؟»( 1)فاستفسره الحاضرون «قالوا: وما فى هذا من الحجّة علیهم؟» فردّ علیهم الإمام(علیه السلام):«فقال: لوکانت الإمامة فیهم لم تکن الوصیّة بهم» فمن الواضح أنّ وصیة أحد بآخر تفید أنّ تصریف الاُمور بید الموصى إلیه، لابید ذلک الذی أوصی به. بالضبط کالأب الذی یسافر فیوصی ولده الأکبر قائلاً: اُوصیک باخوانک خیراً. فمفهوم ذلک أنی فوضتک القیام بالأعمال وأودعتک إخواتک. وعلیه فالذی یستفاد من حدیث النبی(صلى الله علیه وآله) أنّ الحکومة لیست للأنصار، إلاّ أن أصحاب السقیفة لم یلتفتوا لهذا الأمر وانحوا الأنصار بالقوة عن الخلافة. وقد استدل المتأخرون بمثل هذا الکلام على إثبات صحة دعواهم، ومن ذلک ما رواه ابن أبی الحدید قائلاً: حین توفی سعید بن العاص، دخل إبنه عمرو بن سعید على معاویة، فسأله معاویة: إلى من أوصى بک أبوک؟ فقال عمرو. لقد أوصى إلىّ ولم یوص بی. فتعجب معاویة من جوابه وقال: «إنّ هذا الغلام لاشدق» فعرف منذ ذلک الحین بین الناس بالاشدق أی الخطیب البلیغ. ثم طرح الإمام(علیه السلام)سؤالاً آخر بهذا الشأن: «ثمّ قال: فماذا قالت قریشٌ؟» فردوا علیه: «قالوا: احتجّت بأنّها شجرة الرسول صلّى اللّه علیه وآله وسلّم» فذهب الإمام(علیه السلام) إلى أنّ ذلک حجة علیهم «فقال: احتجّوا بالشّجرة، وأضاعوا الثّمرة». فاذا کانت الشجرة ذات أثر کان ثمرها أعظم أثراً. والعجیب ما أورده الشارح البحرانی الذی أورد احتمالین بشأن المراد بالثمرة فی هذه العبارة: أحدهما علی وأولاده، والاخر السنة النبویة التی توجب استحقاق علی(علیه السلام)للخلافة والولایة. فمن الواضح أنّ الاحتمال الثانی مستبعد رغم موافقته للاحتمال الأول، فاذا کانت الشجرة ترمز للقرب فان ثمرها یکون أکثر قربا، وعلیه فلیس المراد بهذه الثمرة سوى أهل البیت(علیه السلام).