(لا أعبد ما تعبدون... ولا أنا عابد ما عبدتم) الآیتان تکرران معنى واحداً، وهکذ(ولا أنتم عابدون ما أعبد... ولا أنتم عابدون ما أعبد)تکررت أیضاً، لماذا؟ للمفسّرین فی جواب هذا السؤال آراء مختلفة.
الجواب: ذهب بعضهم إلى أن الهدف من التکرار التأکید وبثّ الیأس فی قلوب المشرکین، وفصل المسیرة الإسلامیة بشکل کامل عن مسیرتهم، وتثبیت فکرة عدم أمکان المهادنة بین التوحید والشرک، بعبارة أخرى القرآن الکریم قابل دعوة المشرکین إلى المساومة والمهادنة وإصرارهم على ذلک وتکرارهم لدعوتهم، بتکرار فی الردّ علیهم.
ورد أن «أبا شاکر الدیصانی» وهو من زنادق عصر الإمام الصادق(علیه السلام) سأل أحد أصحاب الصادق(علیه السلام) وهو «أبو جعفر الأحول» (محمّد بن علی النعمانی المعروف بمؤمن
الطاق) عن سبب هذا التکرار، وهل الشخص الحکیم یرد فی کلامه مثل هذا التکرار؟
أبو جعفر الأحول أعیاه الجواب، فتوجه إلى المدینة، ودخل على الإمام الصادق(علیه السلام)وسأله عن ذلک، أجابه الإمام: کان سبب نزولها وتکرارها أن قریشاً قالت لرسول الله(صلى الله علیه وآله) : تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهک سنة وتعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهک سنة، فأصابهم بمثل ما قالوا فقال فیما قالوا تعبد آلهتنا سنة (قل یا أیّها الکافرون * لا أعبد ما تعبدون) وفیما قالوا نعبد إلهک سنة (ولا أنتم عابدون ما أعبد) وفیما قالوا تعبد آلهتنا سنة (ولا أنا عابد ما عبدتم) وفیما قالوا نعبد إلهک سنة (ولا أنتم عابدون ما أعبد * لکم دینکم ولی دین).
ذهب أبو جعفر الأحول بالجواب إلى أبی شاکر، فلما سمعه قال: «هذا ما حمله الإبل من الحجاز»(1)!(یشیر بذلک إلى أنّ هذا لیس کلامک بل کلام الصادق).
وقیل إن هذا التکرار یعود إلى أنّ الجملة الأولى ترکز على الحال، والجملة الثّانیة ترکز على المستقبل، ویکون معنى الجملتین لا أعبد ما تعبدون فی الحال والمستقبل. ولا یوجد شاهد فی الآیة على هذا التّفسیر.
ثمة تفسیر ثالث لهذا التکرار هو إن الأولى تشیر إلى الإختلاف فی المعبود والثّانیة إلى الإختلاف فی العبادة. أی لا أعبد الذی تعبدون، ولا أعبد عبادتکم لأنّ عبادتی خالصة من الشرک ولأنّها عبادة عن وعی وأداء للشکر لا عن تقلید أعمى(2).
والظاهر أنّ هذا التکرار للتأکید کما ذکرنا أعلاه، وجاءت الإشارة إلیه أیضاً فی حدیث الإمام الصادق(علیه السلام).
وهناک تفسیر رابع للتکرار هو إن الآیة الثّانیة تقول: لا أعبد ما تعبدون الآن.
والآیة الرابعة تقول: ما أنا عابد (فی الماضی) معبودکم، فما بالکم الیوم. هذا التّفسیر یستند إلى التفاوت بین فعلی الآیتین، فی الثّانیة الفعل مضارع «تعبدون»، وفی الآیة الرابعة «عبدتم» بصیغة الماضی ونحن لا نستبعده.(3)
وإن کان هذا یحل مسألة تکرار الآیتین الثّانیة والرابعة، وتبقى مسألة تکرار الآیتین الثّالثة والخامسة على حالها.(4)