ممّا وعد اللّه المتقین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 15
سورة النّبأ / الآیة 31 ـ 37 1ـ ثواب المتقین وعقاب العاصین

کان الحدیث فی الآیات السابقة منصباً حول خاتمة المجرمین والطغاة وما یلاقونه من ألیم العذاب وموجباته، وینتقل الحدیث فی الآیات أعلاه لتفصیل بعض ما وعد اللّه المؤمنین والمتقین من النعم الخالدة والثواب الجزیل، عسى أن یرعوی الإنسان ویتبع طریق الحق من خلال مقایسته لما یعیشه کلّ من الفریقین، على ضوء تفکیره بمصیره الأبدی.

وکذا هو الحال فی الاُسلوب القرآنی، کما فی بقیة السور الاُخرى، فهو یضع متضادات الحالات والأحوال فی طبق واحد، لیتمکن الإنسان بسهولة من اکتشاف خصائص وشؤون أیّاً منها.

فیقول، مبتدءً الحدیث: (إنّ للمتقین مفاز).

«المفاز»: اسم مکان، أو مصدر میمی من (الفوز) بمعنى الوصول إلى الخیر بسلام، ویأتی بمعنى النجاة أیضاً وهو من لوازم المعنى الأوّل.

وقد جاءت «مفازاً» بصیغة النکرة للإشارة إلى الفتح العظیم والوصول إلى خیر وسعادة لا یعلم قدرهما إلاّ اللّه عزّوجلّ.

ومن مفردات الفوز والسعادة: (حدائق وأعناب)(1).

«الحدائق»: جمع «حدیقة»، وهی قطعة أرض مزروعة بالورود والأشجار ومحاطة بسور لحفظها، ویقول الراغب فی مفرداته «الحدیقة» قطعة من الأرض ذات ماء، سمّیت تشبیهاً بحدقة العین فی الهیئة وحصول الماء فیها.

أمّا ذکر «العنب» دون بقیة الفواکه فلما له من مزایا تفضله على بقیة الفواکه، ویقول علماء التغذیة فی هذا المجال: إضافة لکون العنب غذاءً کاملاً من حیث الخاصیة الغذائیة الموجودة فیه والتی تشبه حلیب الاُم فی کونه ثری بالمواد الغذائیة اللازمة للإنسان، إضافة لکل هذا، فهو یعطی للبدن ضعف ما یعطیه اللحم من سعرات حراریة، حتى وصف بصیدلیة متکاملة لما یحویه من مواد مفیدة.

ومن خواص وفوائد العنب، أنّه: مقاوم للسموم، مفید لتصفیة الدم، یقی من الروماتیزم والنقرس، مضاد فعّال ضد زیادة السموم الحاصلة فی الدم، مقو للأعصاب ومنشط ویعطی للإنسان القوّة والقدرة الکافیة لما فیه من کمیات مناسبة لأنواع (الفیتامینات).

وقد روی عن النّبی(صلى الله علیه وآله) فی خصوص العنب أنّه قال: «خیر فاکهتکم العنب».(2)

ویتطرق القرآن إلى نعمة اُخرى ممّا وعد اللّه به المتقین فی الجنّة، فیقول: (وکواعب أتراب).

«الکواعب»: جمع «کاعب»، وهی البنت حدیثة الثدی، للإشارة إلى شباب زوجات المتقین فی الجنّة.

«الأتراب»: جمع «ترب»، ویطلق على مجموعة الأفراد المتساوین فی العمر، واستعماله فی الإناث أکثر، قیل: إنّها من «الترائب» وهی: اضلاع الصدر، وذلک لما بینهما من شبه من حیث التساوی والتماثل.

ویحتمل أن یکون المراد من «أتراب» التساوی بین نساء أهل الجنّة فی العمر، فیکنّ شابات متساویات فی القد والقامة والجمال، أو تساوی العمر بینهن وبین أزواجهن من المؤمنین، لأنّ للتساوی فی العمر له أثره النفسی على إدراک مشاعر الطرف الآخر.. إلاّ أن المعنى الأوّل أکثر تناسباً.

وتأتی النعمة الرابعة: (وکأساً دهاق).

شراب لیس کأی شراب، فلا یُهب بالعقول ولا یحدر الإنسان إلى درکات الحیوانیة، بل هو مُذک للعقل، منشط للروح ومنعش للقلب.

«الکأس»: هو القدح المملوء بالشراب، وقد یطلق على القدح دون الشراب أو على شراب القدح.

«دهاقاً»: بمعنى الإمتلاء، عند أکثر المفسّرین وأهل اللغة، لکنّ (ابن منظور) قد ذکر معنیین آخرین هما: التتابع على شاربیها، صافیة.

وعلیه.. فیمکن حمل معنى الآیة، على ضوء ما ذکر من معان، على أنّ لأهل الجنّة أقداح مملوءة بشراب زلال طاهر.

ودفعاً لما یتبادر إلى الأذهان من تبعات شراب الدنیا الشیطانی، یقول القرآن: (لا یسمعون فیها لغواً ولا کذّاب).

إنّ شراب الدنیا..یُذهب العقل، یفقد الإحساس، یوقع شاربه بالهذیان واللغو.. وأمّا شراب الآخرة فنفحاته الطاهرة تضفی على العقل والروح نوراً وصفاء.

وثمّة احتمالان بخصوص ضمیر «فیها»:

الأوّل: إنّه یعود إلى الجنّة.

الثّانی: إنّه یعود إلى الکأس.

فعلى الاحتمال الأوّل، یکون معنى الآیة إنّ أهل الجنّة لا یسمعون فیها لغواً، کما جاء فی الآیتین 10 و11 من سورة الغاشیة: (فی جنّة عالیة * لا تسمع فیها لاغیة).

وعلى الاحتمال الثّانی، یکون معنى الآیة: إنّه سوف لا یصدر اللغو والهذیان والکذب من أهل الجنّة بعد شرابهم ما فی کأس الجنّة من شراب، کما جاء فی الآیة 23 من سورة الطور: (یتنازعون فیها کأساً لا لغو فیها ولا تأثیم).

وعلى أیّة حال، فالجنّة خالیة من: الأکاذیب، الهذیان، التهم، الإفتراءات، تبریر الباطل، بل وکلّ ما کان یؤذی قلوب المتقین فی الحیاة الدنیا.. إنّها الجنّة! وخیر تصویر لها ما جاء فی الآیة 62 من سورة مریم: (لا یسمعون فیها لغواً إلاّ سلام).

وفی آخر المطاف یذکر القرآن الکریم تلک النعمة المعنویة التی تفوق کلّ النعم علوّاً: (جزاءً من ربّک عطاءً حساب).(3)

وأیّة بشارة ونعمة أسمى وأجل، من أن أکون وأنا العبد الضعیف، موضع ألطاف وإکرام اللّه جلّ وعلا، فیطعمنی ویکسونی ویغرف علیّ بنعمه التی لا تحصى عدداً ولا تضاهى حبّاً وکرماً، وفطوبى للمؤمنین فی دار الخلد وهم منعمون بکل ما لذّ وطاب.

والتعبیر بکلمة «ربّ» مع ضمیر المخاطب، وکلمة «عطاء»، لتبیان ما اُودع من لطف خاص فی النعم التی وعِدَ بها أهل التقوى.

«حساباً»: یعتقد الکثیر من المفسّرین إن معناها هنا (کافیاً)، من أحسبه الشیء إذا کفاه حتى قال حسبی(4).

وروی عن أمیر المؤمنین(علیه السلام) أنّه قال: «حتى إذا کان یوم القیامة حسب لهم حسناتهم ثمّ أعطاهم بکل واحدة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، قال اللّه عزّوجلّ: (جزاء من ربّک عطاءً حساب)»(5).

ونستفید من الروایة المذکورة أنّ نعم اللّه فی الآخرة وإن کانت بصفة الفضل واللطف والزیادة، إلاّ أنّ مقدمتها الأعمال الصالحة التی یقوم بها الإنسان فی حیاته الدنیا، وعلیه.. فیمکن تفسیر «حساباً» فی الآیة بمعنى (الحساب)، ولا مانع من إرادة کلا المعنیین ـ فتأمل.

وفی آخر آیة من الآیات المبحوثة، یضیف: (ربّ السموات والأرض وما بینهما الرحمن).

نَعم: إنّه مالک العالم، ومدبّر ما فیه، وموجه کلّ حرکاته وسکناته، إنّه الرحمن الذی شملت رحمته کلّ شیء، وهو واهب الصالحین ما وعدهم به القرآن الکریم.

وبما أنّ صفة «الرحمن» تشمل رحمة اللّه العامّة لکلّ خلقه، فیمکن حمل إشارة الآیة إلى أنّ اللّه تبارک وتعالى یشمل برحمته أهل السماوات والأرض فی الحیاة الدنیا، إضافة لما وعد به المؤمنین من عطاء دائم فی الجنّة.

وذیل الآیة، یقول: (لا یملکون منه خطاب).

ویمکن شمول «لا یملکون» جمیع أهل السماوات والأرض، أو جمیع المتقین والعاصین الذین یجمعون فی عرصة المحشر للحساب والجزاء.

وعلى أیّ القولین.. فالآیة تشیر إلى عدم القدرة على الإعتراض أو الردّ من قبل کلّ المخلوقات أمام محکمة العدل الإلهی، لأنّ حسابه جلّ اسمه من الدقّة والعدل واللطف ما لا یفسح المجال أمام أی اعتراض.

بل ولا یسمح فی ذلک الیوم بالتشفع لأیٍّ کان إلاّ بإذن خاص منه جلّت عظمته، وهو ما تشیر إلیه الآیة 255 من سورة البقرة: (مَن ذا الذی یشفع عنده إلاّ بإذنه).


1.«الحدائق» بدل «مفازة»، أو عطف بیان لها.
2. مستدرک الوسائل، ج 16، ص 393، ح 20291 ـ 5; وبحارالانوار، ج 59، ص 292، ووردت فی أحادیث متعددة هذه العبارة: «خیر طعامکم الخبز و خیر فاکهتکم العنب».
3.«جزاءً» حال لإعطاء النعم التی ذکرت فی الآیات السابقة، فیکون التقدیر: (أعطاهم جمیع ذلک جزاء من ربّک)، واحتمل البعض: إنّه مفعول مطلق لفعل محذوف. واعتبره آخرون: إنّه مفعول لأجله، لکنّ التّفسیر الأوّل أقرب.
4. تفسیر البیضاوی، ذیل الآیة مورد البحث.
5. تفسیر نور الثقلین، ج5، ص495، ح29.
سورة النّبأ / الآیة 31 ـ 37 1ـ ثواب المتقین وعقاب العاصین
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma