العذاب الالهی للمجرمین

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 15
سورة البروج / الآیة 10 ـ 16 سورة البروج / الآیة 17 ـ 22

بعد ذکر عظم جریمة أصحاب الاُخدود التی ارتکبت ضد المؤمنین بحرقهم وهم أحیاء، یشیر القرآن الکریم فی هذه الآیات إلى ما ینتظر اُولئک الجناة من عذاب إلهی شدید، ویشیر أیضاً إلى ما اُعدّ للمؤمنین من ثواب ونعیم جراء صبرهم وثباتهم على إیمانهم باللّه.

فتقول الآیة الاُولى: (إنّ الذین فتنوا المؤمنین والمؤمنات ثمّ لم یتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحریق).

«فتنوا»: من مادة (فتن)، ـ على زنة متن ـ وهو إدخال الذهب النّار لتظهر جودته من رداءته، وقد استعملت (الفتنة) بمعنى (الاختبار)، وبمعنى (العذاب والبلاء)، وبمعنى (الضلال والشرک) أیضاً.

وهی فی الآیة بمعنى (العذاب)، على غرار ما جاء فی الآیتین 13 و14 من سورة الذاریات: (یوم هم على النّار یفتنون * ذوقوا فتنتکم هذا الذی کنتم به تستعجلون).

(ثمّ لم یتوبو): تدلّ على أنّ باب التوبة مفتوح حتى لاُولئک الجناة المجرمین، وتدلّ أیضاً على مدى لطف الباری جلّوعلا على الإنسان حتى وإن کان مذنباً، وفی الجملة تنبیه لأهل مکّة لیسارعوا فی ترک تعذیب المؤمنین ویتوبوا إلى اللّه توبة نصوح.

فباب التوبة لا یغلق بوجه أحد، وذکر العقاب الإلهی الشدید الألیم إنّما جاء لتخویف الفاسدین والمنحرفین عسى أن یرعووا ویعودوا إلى الحق مولاهم.

وقد ورد فی الآیة لونین من العذاب الإلهی، (عذاب جهنم) و(عذاب الحریق)، للإشارة إلى أن لعذاب جهنم ألوان عدیدة، منها (عذاب النّار)، وتعیین «عذاب الحریق»، للإشارة أیضاً إلى أنّ الذین فتنوا المؤمنین والمؤمنات وأحرقوهم بالنّار، سوف یجازون بذات أسالیبهم، ولکن، أین هذه النّار من تلک؟!

فنار جهنم قد سجّرت بغضب اللّه، وهی نار خالدة ویصاحب داخلیها الذلّ والهوان، أمّا نار الدنیا، فقد أوقدها الإنسان الضعیف، ودخلها المؤمنون بعزّة وإباء وشرف ملتحقین بصفوف شهداء رسالة السماء الحقة.

وقیل: إنّ (عذاب جهنم) جزاء کفرهم، و(عذاب الحریق) جزاء ما اقترفوا بحق المؤمنین الأخیار من جریمة بشعة.

وتعرض لنا الآیة التالیة ما سیناله المؤمنون من ثواب: (إنّ الذین آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنّات تجری من تحتها الأنهار ذلک الفوز الکبیر).

وأیّ فوز أرقى وأسمى من الوصول إلى جوار اللّه، والتمتع فی نعیمه الذی  لا یوصف! نعم، فمفتاح ذلک الفوز العظیم هو (الإیمان والعمل الصالح)، وما عداه فروع لهذا الأصل.

(عملوا الصالحات): إشارة إلى أنّ العمل الصالح لا یختص بشیء محدد، بل ینبغی أن یکون محور حیاة الإنسان هو: «العمل الصالح».

«ذلک»: إشارة للبعید، واستعملت هنا لتبیان عظمة وأهمیة المشار إلیه، أیّ: إنّ فوزهم الکبیر من عظمة الشأن، بقدر لا یخطر على بال أحد.

ویعود القرآن مرّة اُخرى لتهدید الکفّار الذین یفتنون المؤمنین، فیقول: (إنّ بطش ربّک لشدید).

ولا تظنوا بأنّ القیامة أمر خیالی، أو إنّ المعاد من الاُمور التی یشک فی صحة تحققها، بل: (إنّه هو یُبدیء ویعید).

«البطش»: تناول الشیء بصولة وقهر، وباعتباره مقدّمة للعقاب، فقد استعمل بمعنى العقاب والمجازاة.

«ربّک»: تسلیة للنبیّ(صلى الله علیه وآله)، وتأکید دعم اللّه اللامحدود له.

والجدیر بالملاحظة، إنّ الآیة تضمّنت جملة تأکیدات، لتبیان صرامة التهدید الإلهی بجدّیة وقطع.

فـ «البطش» یحمل معنى الشدّة المؤکّدة، والجملة الإسمیة عادةً ما تأتی للتأکید، ووصف البطش بأنّه «شدید»، وکذا وجود «إن»، ووجود لام التأکید فی «لشدید»، هذا بالإضافة إلى التأکید المتضمّن فی قوله تعالى: (إنّه یبدیء ویعید) کدلیل إجمالی على المعاد(1).

ثمّ یعرض لنا القرآن الکریم خمسة أوصاف للباری جلّ شأنه: (وهو الغفور الودود) الذی یغفر للتائبین ویحب المؤمنین.

(ذو العرش المجید) صاحب الحکومة المقتدرة على عالم الوجود وذو المجد والعظیمة.

(فعال لما یرید).

«الغفور» و«الودود»: کلاهما صیغة مبالغة، ویشیران إلى منتهى الغفران والود الإلهی، «الغفور» لعباده المذنبین، و«الودود» المحب لعباده الصالحین.

فذکر هذه الأوصاف بعد ما تضمّنته الآیات السابقة من تهدید ووعید، یبیّن أنّ طریق العودة إلى اللّه سالک وأنّ باب التوبة مفتوح لکلّ مَن ولغ فی الذنوب، فالباری جلّت عظمته فی الوقت الذی هو شدید العقاب فهو الغفور الرحیم أیضاً.

وعلى هذا الضوء فـ «الودود» جاء بصیغة اسم الفاعل، ولیس کما قیل من أنّه اسم مفعول، لیکون المعنى: بأنّ اللّه له محبّون کثیرون، فهذا المعنى لا ینسجم مع الصفة السابقة «الغفور» ولا یتناسب مع سیاق الکلام.

وصفة: «ذو العرش»: کنایة عن قدرته وحاکمیته ومالکیته سبحانه وتعالى، ویتبیّن بهذا الوصف أنّ حکم عالم الوجود بیده جلّ وعلا، فما شاء کان، وقوله تعالى: (فعال لما یرید) من لوازم هذه الحاکمیة المطلقة.

فـ «ذو العرش» تشیر إلى قدرته تعالى على: المعاد، إحیاء الموتى ومعاقبة الجبابرة والمجرمین والذین یفتنون المؤمنین والمؤمنات.

«المجید»: من (المجد)، وهو السعة فی الکرم والجلال، وهی من الصفات المختصة باللّه سبحانه، وقلّما تستعمل لغیره.(2)

وبنظرة بسیطة إلى هذه الصفات المذکورة سیتراءى أمامنا ذلک الإنسجام والترابط فیما بینها فالغفور والودود لمن له القدرة وسعة الکرم کی یفعل ما یرید، لا یمنعه شیء ولا یصد إرادته أمر، لأنّ إرادته فی مطلق القوّة والدوام ولا یصیبها تردد أو فسخ، سبحانه وتعالى.


1. وهذا یشبه دلیل الآیة 79 من سورة «یس»: (قل یحییها الذی أنشأها أول مرّة وهو بکل خلق علیم)، یقال: إنّ الفارابی تمنى لو کان أرسطو «الفیلسوف الیونانی المعروف» حیّاً لیرى جمال هذا الدلیل المحکم فی القرآن الکریم.
2. جاءت کلمة «المجید» فی الآیة مرفوعة (طبق القراءة المشهورة)، تکون صفة للّه تعالى ولیس صفة للعرش، وإلاّ لکانت مجرورة.
سورة البروج / الآیة 10 ـ 16 سورة البروج / الآیة 17 ـ 22
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma