بالأمس کانوا یضحکون من المؤمنین... أمّا!!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 15
سبب النّزولالإستهزاء سلاح بائس

بعد أن تحدثت الآیات السابقة عن النعم التی تنتظر الأبرار والصالحین فی الحیاة الآخرة، تبدأ الآیات أعلاه بتبیان جوانب ممّا یعانوه من مصائب ومشاکل فی الحیاة الدنیا بسبب إیمانهم وتقواهم...

وأنّ ما سیناله الأبرار من ثواب جزیل لیس اعتباطیاً.

فالآیات تنقل لنا أسالیب الکفّار القذرة التی کانوا یتعاملون بها مع المؤمنین البررة، وقد صنّفتها فی أربعة أسالیب:

الاُسلوب الأوّل: (إنّ الذین أجرموا کانوا من الذین آمنوا یضحکون)

فأصل الطغیان والتکبر والغرور والغفلة الذی زُرع فی نفوسهم، یدفعهم للضحک على المؤمنین والإستهزاء بهم والنظر إلیهم بسخریة واحتقار!

وهذا هو شأن کلّ من غرّته أحابیل الشیطان فی مواجهة مَن آمن واتقى، وعلى مرِّ الأیّام.

وجاء وصفهم بـ «أجرموا» بدلاً من «کفروا»، للإشارة إلى إمکان معرفة الکافرین من خلال أعمالهم الإجرامیة، فالکفر دائماً مصدر للجرائم والعصیان.

والاُسلوب الثّانی: (وإذا مرّوا بهم یتغامزون) فحینما یمرّ المشرکون على مجموعة من المؤمنین یغمزون بأعینهم ویشیرون إلیهم بالقول:

اُنظروا إلى هؤلاء الفقراء المعدمین... إنّهم أصبحوا مقرّبین عند اللّه!

اُنظروا إلى هؤلاء الحفاة العراة... إنّهم یدّعون نزول الوحی الإلهی لهم!

انظروا إلیهم.. فإنّهم یعتقدون بأنّ العظام البالیة ستعود إلى الحیاة مرّة اُخرى!! وما شابه ذلک، من الکلمات الرخیصة والموهنة...

ویبدو أنّ ممارسة الضحک من قبل المشرکین یکون حینما یمرّ المؤمنون من أمامهم وهم متجمعون، فی حین یمارسون الاُسلوب الثّانی وهو الإشارات الساخرة والغمز واللمز حین مرورهم أمام جمع من المؤمنین، لعدم تمکنهم من الضحک العلنی أمام جمع المؤمنین.(1)

«یتغامزون»: من (الغمز)، وهو الإشارة بالجفن أو الید مع قصد ما فی الطرف الآخر من عیوب، وعبّرت الآیة بهذا اللفظ «التغامز» للإشارة إلى اشتراکهم جمیعاً فی ذلک الفعل.

ولکنّهم لم یکتفوا بالنیل من المؤمنین فی حضورهم من خلال الضحک والتغامز، بل تعدوا إلى حال غیابهم أیضاً، حیث تنقل لنا الآیة التالیة.

الاُسلوب الثّالث بقولها: (وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فکهین).

وکأنّهم فی ضحکهم وتغامزهم قد نالوا فتحاً کبیراً! فتأخذهم نشوة تصور الغفلة والجهل لأن یتباهوا فیما قاموا به من فعل قبیح، ویبقون على حالة السخریة والاستهزاء بالمؤمنین رغم غیاب المؤمنین عنهم!...

«فکهین»: جمع (فکه)، وهی صفة مشبهة من (الفکاهة) بمعنى التمازح والضحک، مأخوذة من (الفاکهة)، وکأن لذة الخوض فی هکذا حدیث وسخریة کلذة أکل الفاکهة، کما ویطلق على حدیث مفرح اسم (فکاهة).

«الأهل»: هم العائلة والاقرباء، وقد تشمل الأصدقاء المقرّبین أیضاً.

والاُسلوب الرّابع: (وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالّون).

لماذا؟ لأنّهم ترکوا ما کان شائعاً من عبادة الأصنام، والخرافات التی یعتبرونها هدایة! واتجهوا نحو الإیمان باللّه والتوحید الخالص.

ولأنّهم باعوا لذة الدنیا الحاضرة بنعیم الآخرة الغائبة!...

ویمکن أن تکون هذه المواجهة قد حدثت بعد إنتهاء مرحلة الإستهزاء، بعد أن غُلّف الأمر بطابع الجدیّة ورأوا ضرورة المواجهة الشدیدة، لأنّ حال المشرکین والکافرین على مرّ التاریخ فی مواجهتهم لدعوة ورسالات الأنبیاء(علیهم السلام) تبدأ بالسخریة وعدم المبالاة، وکأنّهم لم یشاهدوا بعد من الدین الجدید ما یوجب الوقوف أمامه بجدٍّ وحزم، ولکن بمجرّد إحساسهم بأنّ الدین الإلهی راح ینفذ إلى قلوب النّاس، ورؤیتهم لازدیاد أتباعه، یزداد إحساسهم بالخطر، فیدخلون مرحلة المواجهة العنیفة مع الدین الجدید.

فتشیر الآیة إلى أوّل خطوة جادة من قبل المجرمین فی قبال المؤمنین، التی تتبعها خطوات وخطوات حتى تصل الحال إلى المواجهة الدمویة الحادّة.

وغالباً ما لا یکون المؤمنون من أثریاء أو وجهاء القوم، ولذلک یُنظر إلیهم باحتقار ویهزأ بدینهم وإیمانهم، فی مجتمع یسوده التمایز الطبقی بشکل راسخ وظاهر.

فیقول القرآن الکریم فی الآیة التالیة: (وما أرسلوا علیهم حافظین).

فبأی حقّ إذَن یهزأون بهم، ویقفون أمامهم؟!

وتنقل لنا الآیة 27 من سورة هود ما قاله المستکبرین من أثریاء قوم نوح(علیه السلام): (وما نراک اتبعک إلاّ الذین هم أراذلنا بادی الرأی)، وتنقل لنا الآیة 31 من نفس السّورة جواب

نوح(علیه السلام): (ولا أقول للذین تزدری أعینکم لن یؤتیهم اللّه خیراً اللّه أعلم بما فی أنفسهم).

فجواب نوح(علیه السلام) عام یشمل حتى اُولئک المغرورین فی صدر الإسلام... فما شأنکم وهؤلاء؟! وعلیکم أن تنظروا إلى هذا الدین، وإلى النّبی الذی جاء بهذا الدین، ولا تنظروا إلى مَن آمن به واتبعه!...

وتبقى أسالیب الذین یعادون الحقّ محدودة فی إطار الحیاة الدنیا، ولکن إذا کان یوم القیامة، فستختلف الحال تماماً: (فالیوم الذین آمنوا من الکفار یضحکون).

فیوم القیامة، یوم مجازات الأعمال وإجراء العدالة الإلهیة، والعدالة تقتضی بأن یستهزأ المؤمنون بالکافرین المعاندین للحقّ، والإستهزاء فی ذلک الیوم أحد ألوان عذاب الآخرة الألیم الذی ینتظر اُولئک المغرورین والمستکبرین.

وروی عن رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: «المستهزئون بالنّاس فی الدنیا یرفع لأحدهم یوم القیامة باب من أبواب الجنّة، فیقال له: هلم، فیجیء بکربه وغمّه، فإذا أتاه أغلق دونه، ثمّ یفتح له باب آخر، فیقال: هلم هلم، فیجیء بکربه وغمّه، فإذا أتاه أغلق دونه، فما یزال کذلک حتى أنّه لیفتح له الباب فیقال: هلم هلم، فلا یأتیه من أیاسه»(2)... (وهنا یضحک المؤمنون الذین یطلعون علیه وعلى بقیة الکفار من جنتهم).

وتقول الآیة التالیة: (على الأرائک ینظرون).

ماذا ینظرون؟

إنّهم ینظرون إلى: نعم اللّه التی لا توصف ولا تنفد فی الجنّة، وإلى کلّ ما فازوا به من الألطاف الإلهیة والکرامة، وإلى ما أصاب الکفار والمجرمین من العذاب الألیم خاسئین...

وفی آخر آیات السّورة، یقول القرآن مستفهماً: (هل ثوّب الکفار ما کانوا یفعلون)(3).

فهذا القول سواء صدر من اللّه، أو من الملائکة، أو من المؤمنین، فهو فی کلّ الحالات یمثل طعناً واستهزاءاً بأفکار وادعاءات اُولئک المغرورون، الذین کانوا یتصورون أنّ اللّه سیثیبهم على أعمالهم القبیحة، ویأتیهم النداء ردّاً على خطل تفکیرهم: (هل ثوّب الکفار ما کانوا یفعلون).

واعتبر کثیر من المفسّرین أنّ الآیة (جملة مستقلة)، فی حین اعتبرها آخرون تابعة للآیة التی قبلها، أیّ: إنّ المؤمنین سیجلسون على الأرائک ینظرون هل أنّ الکفار نالوا جزاءهم العادل؟

فإن کانوا یرجون ثواباً فلیأخذوه من الشیطان!... ولکن هل بإمکان هذا اللعین المطرود من رحمة اللّه أن یثیبهم على ما عملوا له؟!

«ثوّب»: من (الثوب) على وزن (جوف)، وهو رجوع الشیء إلى حالته الاُولى التی کان علیها، و«الثواب»: ما یرجع إلى الإنسان جزاء أعماله، ویستعمل للخیر والشرّ أیضاً، ولکن استعماله للخیر هو الغالب(4).

وعلیه، فالآیة تشیر إلى الطعن بالکفار کنتیجة طبیعیة لإستهزاءهم بالمؤمنین وبآیات اللّه فی الحیاة الدنیا، وما علیهم إلاّ أن یتقبلوا جزاء ما کسبت أیدیهم.


1. ذکر المفسّرون احتمالین فی ضمیر «مرّوا» و«بهم»، فارجع بعضهم الأوّل إلى المشرکین والثّانی إلى المؤمنین، وقال البعض الآخر عکس ذلک، ویبدو أن الاحتمال الأوّل أقرب بلحاظ ما ذُکر أعلاه.
2. تفسیر الدرّالمنثور، ج 6، ص 328، (بتفاوت یسیر).
3. الاستفهام فی الآیة.. استفهام تقریری.4. مفردات الراغب، مادة (ثوب).
سبب النّزولالإستهزاء سلاح بائس
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma