تعرض القرآن الکریم للتطفیف فی الوزن مراراً، ومن ذلک ما جاء فی الآیات 181 ـ 183 من سورة الشعراء، حینما خاطب شعیب(علیه السلام) قومه قائلاً: (اُ وفوا الکیل ولا تکونوا من المخسرین * وزنوا بالقسطاس المستقیم ولا تبخسوا النّاس أشیاءهم ولا تعثوا فی الأرض مفسدین)
فالتطفیف فی الوزن والکیل من الفساد فی الأرض، وذلک لما تنتج عنه من مفاسد اجتماعیة ذات أبعاد واسعة.
کما جاء التأکید فی الآیتین 7 و8 من سورة الرحمن على ضرورة الالتزام بالعدالة حین استعمال المیزان، بعد الإشارة إلى أن العدل أصلٌ قد روعی فیه حتى نظام الخلق فی عالم الوجود: (والسماء رفعها ووضع المیزان * ألاّ تطغوا فی المیزان).
ولذا، نجد أئمّة أهل البیت(علیهم السلام) قد أَولوا هذا الموضوع اهتماماً بالغاً، حتى روی عن الأصبغ بن نباتة، أنّه قال: سمعت أمیر المؤمنین(علیه السلام) یقول على المنبر: «یا معشر التجار! الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر، الفقه ثمّ المتجر» إلى أن قال: «التاجر فاجر، والفاجر فی النّار، إلاّ من أخذ الحقّ وأعطى الحقّ».(1)
وفی روایة عن الإمام الباقر(علیه السلام) أنّه قال: «کان أمیر المؤمنین(علیه السلام) بالکوفة یغتدی کل یوم بکرة من القصر، فیطوف فی أسواق الکوفة سوقاً سوقاً، ومعه الدّرة على عاتقه (لمعاقبة المخالفین)، فینادی: یا معشر التجّار اتقوا اللّه عزّوجلّ، فإذا سمعوا صوته(علیه السلام) ألقوا ما بأیدیهم، وأرعوا إلیه بقلوبهم، وسمعوا بآذانهم، فیقول(علیه السلام): قدموا الإستخارة، وتبرکوا بالسهولة، واقتربوا من المبتاعین، وتزیّنوا بالحلم، وتناهوا عن الیمین، وجانبوا الکذب، وتجافوا عن الظلم، وانصفوا المظلومین، ولا تقربوا الربا، وأوفوا الکیل والمیزان، ولا تبخسوا النّاس أشیاءهم، ولا تعثوا فی الأرض مفسدین، فیطوف(علیه السلام) فی جمیع أسواق الکوفة ثمّ یرجع فیقعد للناس»(2).
وبشأن نزول الآیات، قال النّبی الأکرم(صلى الله علیه وآله): «ولا طففوا الکیل إلاّ منعوا النبات واُخذوا بالسنین».
وزبدة ما تقدم: یعتبر التطفیف فی المیزان من العوامل الأساسیة فی عذاب وهلاک بعض الاُمم السالفة، حیث أدّى ذلک إلى اختلال النظام الاقتصادی عندهم من جهة، وإلى نزول العذاب الإلهی علیهم من جهة اُخرى.
وقد حثّت الرّوایات الواردة فی خصوص آداب التجارة على الأخذ ناقصاً والعطاء راجحاً، أی بعکس سلوکیة مَن ذمتهم الآیات المبحوثة، فهم یأخذون بدقّة ویعطون ناقصاً.(3)
وکما قلنا فی تفسیر الآیة، فثمّة من یذهب إلى أنّ مفهوم التطفیف أوسع من أن یحدد بالکیل والمیزان، ویمتد لیشمل أیّ انقاص فی عمل، وأیّ تقصیر فی أداء وظیفة فردیة أو اجتماعیة أو إلهیة.
1. أصول الکافی، ج 5، ص 150، باب (آداب التّجارة، ح 1).
2. أصول الکافی، ج 5، ص 151، باب (آداب التّجارة، ح 3)، بالاختصار.
3. ولمزید من الإطلاع، راجع وسائل الشیعة، ج 12، ص 290، (أبواب التجارة، الباب 7).
