نحو الکمال المطلق

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 15
سورة الإنشقاق / الآیة 1 ـ 9 1ـ خذ العلم من علیّ(علیه السلام)

تبدأ السّورة فی ذکرها لأحداث نهایة العالم المهولة بالإشارة إلى السماء فتقول: (إذا السماء انشقت)(1) (فتلاشت نجومها وأجرامها واختل نظام الکواکب فیها)، کإشارة الآیتین 1 و2 من سورة الإنفطار التی أعلنت عن نهایة العالم بخرابه وفنائه: (إذا السماء انفطرت * وإذا الکواکب انتثرت).

وتحکی الآیة التالیة حال السماء: (وأذنت لربّها وحقّت).

فلا یتوهم أن السماء بتلک العظمة بامکانها اظهار أدنى مقاومة لأمر اللّه..بل ستستجیب لأمر اللّه خاضعة طائعة، لأنّ إرادته سبحانه فی خلقه هی الحاکمة، ولا یحق لأی مخلوق أن یعصی أمره جلّ وعلا.

«أذِنَتْ»: من (الاذن) على وزن (اُفق)، وهی آلة السمع وتستعار لمن کثر استماعه، وفی الآیة: کنایة عن طاعة أمر الآمر والتسلیم له.

«حُقّت»: من (الحق)، أی: وحق لها أن تنقاد لأمر ربّها.

وکیف لها لا تسلّم لأمره عزّوجلّ، وکلّ وجودها وفی کلّ لحظة من فیض لطفه، ولو انقطع عنها بأقل من رمشة عین لتلاشت.

نعم، فالسماء والأرض مطیعتان لأمر ربّهما منذ أوّل خلقهما حتى نهایة أجلهما، کما تشیر الآیة 11 من سورة فصّلت عن قولهما فی ذلک: (قالتا أتینا طائعین).

وقیل: یراد بـ «حقّت»: إنّ الخوف من القیامة سیجعل السماء تنشق... ولکنّ التّفسیر الأول أنسب.

وفی المرحلة التالیة تمتد الکارثة لتشمل الأرض أیضاً: (وإذا الأرض مدَّت).

فالجبال ـ کما تقول آیات قرآنیة اُخرى ـ ستندک وتتلاشى، وستستوی الأرض فی کافة بقاعها، لتلمّ جمیع العباد فی عرصتها، کما أشارت الآیات 105 ـ 107 من سورة طه إلى ذلک: (ویسئلونک عن الجبال فقل ینسفها ربّی نسفاً * فیذرها قاعاً صفصفاً * لا ترى فیها عوجاً ولا أمت)!

فمحکمة ذلک الیوم من العظمة بحیث تجمع فی عرصتها جمیع الخلق من الأولین والآخرین، ولابدّ للأرض من هذا الانبساط الواسع.

وقیل فی معنى الآیة: إنّ اللّه عزّوجلّ سیمدّ الأرض یوم القیامة أکثر ممّا هی علیه الآن لتسع حشر الخلائق جمیع(2).

وفی ثالث مرحلة تقول الآیة التالیة: (وألقت ما فیها وتخلّت).

والمعروف بین المفسّرین أنّ الآیة تشیر إلى إلقاء الأرض بما فیها من موتى فیخرجون من باطن القبور إلى ظاهر الأرض، مرتدین لباس الحیاة من جدید.

وقد تناولت آیات اُخرى هذا الموضوع، کالآیة 2 من سورة الزلزال: (وأخرجت الأرض أثقاله)، والآیتین 13 و14 من سورة النازعات: (فإنّما هی زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة).

وقال بعض المفسّرین: إنّ المعادن والکنوز المودعة فی الأرض ستخرج مع الأموات أیضاً.

وثمّة احتمال آخر فی تفسیر الآیة، یقول: إنّ المواد المذابة التی فی باطن الأرض ستخرج نتیجة الزلازل الرهیبة التی تقذفها إلى الخارج، فتملأ الحفر والمنخفضات الموجودة على سطح الأرض، وستهدأ الأرض بعد أن یخلو باطنها من هذه المواد.

والجمع بین المعانی التی وردت فی تفسیر الآیة، ممکن.

و...: (وأذنت لربّها وحقّت).

فتسلیم الموجودات لما سیحدث من کوارث کونیة مدمرة ینم عن جملة اُمور، فمن جهة: إنّ الفناء سیعم الدنیا بکاملها بأرضها وسمائها وإنسانها وکلّ شیء آخر، ومن جهة اُخرى: فالفناء المذکور یمثل انعطافة حادّة فی مسیر عالم الخلیقة، ومقدّمة للدخول فی مرحلة وجود جدیدة، ومن جهة ثالثة، فکلّ ما سیجری ینبئ بعظمة قدرة الخالق المطلقة، وخصوصاً فی مسألة المعاد.

نعم، فسیرضخ الإنسان، بعد أن یرى باُمّ عینیه وقوع تلک الحوادث العظام، وسیرى حصیلة أعماله الحسنة والسیئة.

وتبیّن الآیة التالیة معالم طریق الحیاة للإنسان مخاطبة له: (یاأیّها الإنسان إنّک کادح إلى ربّک کدحاً فملاقیه).

«الکدح»: ـ على وزن مدح ـ السعی والعناء الذی یخلق أثراً على الجسم والروح، ویقال: ثور فیه کدوح، أی آثار من شدّة السعی.

وجاء فی (تفسیر الکشّاف) و(روح المعانی) و(تفسیر الفخر الرازی): الکدح: جهد النفس فی العمل والکد فیه حتى یؤثر فیها، من کدح جلده: إذا خدشه.

والآیة تشیر إلى أصل أساسی فی الحیاة البشریة، فالحیاة دوماً ممزوجة بالتعب والعناء، وإن کان الهدف منها الوصول إلى متاع الدنیا، فکیف والحال إذا کان الهدف منها هو الوصول إلى رضوان اللّه ونیل حسن مآب الآخرة؟!

فالحیاة الدنیا قد جبلت على المشقة والتعب والألم، حتى لمن یرفل بأعلى درجات الرفاه المادی.

وما ذکر «لقاء اللّه» فی الآیة إلاّ لتبیان أنّ حالة التعب والعناء والکدح حالة مستمرة إلى الیوم الموعود، ولا یتوقف إلاّ بانتهاء عجلة الحیاة الدنیا، ولا فرق فی توجیه معنى «اللقاء» سواء کان لقاء یوم القیامة والوصول إلى عرصة حاکمیة اللّة المطلقة، أو بمعنى لقاء جزاء اللّه من عقاب أو ثواب، أو بمعنى لقاء ذاته المقدّسة عن طریق الشهود الباطنی.

نعم، فراحة الدنیا لا تخلو من تعب، والراحة الحقة.. هناک، حیث ینعم الإنسان بین فیافی جنان الخلد.

وکان نداء الآیة مخاطباً عموم «الإنسان»، لیشیر إلینا بأن اللّه عزّوجلّ قد وضع القدرة والقوّة اللازمة لهذه الحرکة الإلهیة المستمرة فی وجود وتکوین هذا المخلوق، والذی جعل من أشرف المخلوقات قاطبة.

واستعمال کلمة «ربّ» فیه إشارة إلى ثمّة إرتباط ما بین سعی وکدح الإنسان من جهة، وذلک البرنامج التربوی الذی أعدّه الخالق لمخلوقه فی عملیة توجیه الإنسان نحو الکمال المطلق من جهة اُخرى.

نعم، فمشوار حرکة الوجود قد بدأ من العدم، والأقدام سائرة فی خطوها صوب لقاء اللّه، شاء ذلک الموجود أمّ أبى.

وقد تحدثت لنا آیات قرآنیة اُخرى عن السیر التکاملی المستمر للمخلوقات نحو خالقها سبحانه وتعالى، ومنها.

الآیة 42 من سورة النجم: (وأنّ إلى ربّک المنتهى).

والآیة 18 من سورة فاطر: (وإلى اللّه المصیر)... بالإضافة إلى آیات مبارکات اُخر.

وإلى ذلک المطاف، ستنفصل البشریة إلى فریقین: (فأمّا مَن اُوتی کتابه بیمینه * فسوف یحاسب حساباً یسیراً * وینقلب إلى أهله مسرور).

فالذین ساروا على هدی المخطط الربّانی لحرکة الإنسان على الأرض، وکان کلّ عملهم وسعیهم للّه دائماً، وکدحوا فی السیر للوصول إلى رضوانه سبحانه، فسیعطون صحیفة أعمالهم بیمینهم، للدلالة على صحة إیمانهم وقبول أعمالهم والنجاة من وحشة ذلک الیوم الرهیب، وهو مدعاة للتفاخر والإعتزاز أمام أهل المحشر.

وحینما توضع أعمال هؤلاء فی المیزان الإلهی الذی لا یفوته شیء مهما قلّ وصغر، فإنّه سبحانه وتعالى: سییسّر حسابهم، ویعفو عن سیئاتهم، بل ویبدل لهم سیئاتهم حسنات.

أمّا ما المراد من «الحساب الیسیر»؟ فذهب بعض إلى أنّه العفو عن السیئات والثواب على الحسنات وعدم المداقة فی کتاب الأعمال.

وحتى جاء فی الحدیث الشریف: «ثلاث مَن کنّ فیه حاسبه اللّه حساباً یسیراً، وأدخله الجنّة برحمته.

قالوا: وما هی یا رسول اللّه؟!

قال: تعطی من حرمک، وتصل مَن قطعک، وتعفو عَمَّن ظلمک»(3).

وجاء فی بعض الرّوایات، أنّ الدقّة والتشدید فی الحساب یوم القیامة تتناسب ودرجة عقل وإدراک الإنسان.

فعن الإمام الباقر(علیه السلام)، أنّه قال: «إنّما یداق اللّه العباد فی الحساب یوم القیامة على ما آتاهم من العقول فی الدنیا»(4).

ووردت أقوال متفاوتة فی تفسیر کلمة «الأهل» الواردة فی الآیة (إلى أهله).

فمنهم مَن قال: هم الزوجة والأولاد المؤمنین، لأنّه سیلتحق بهم فی الجنّة، وهی بحدّ ذاتها نعمة کبیرة، لأنّ الإنسان یأنس بلقاء مَن یحب، فکیف إذا کان معهم أبداً فی الجنّة!

ومنهم مَن قال: الأهل: الحور العین اللاتی ینتظرنّهم فی الجنّة.

وآخرین قالوا: هم الاُخوة المؤمنون الذین کانوا معه فی الدنیا.

ولا مانع من قبول کلّ هذه الأقوال فی معنى الآیة وما رمزت له.


1.«إذا»، أداة شرط، حُذف جزاؤها، والتقدیر: (إذا السماء انشقت... لاقى الإنسان ربّه فحاسبه وجازاه).
2. التفسیر الکبیر، ذیل الآیة مورد البحث.
3. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیات مورد البحث; وبحارالانوار، ج 7، ص 96.
4. تفسیر نور الثقلین، ج 5، ص 537; وأصول الکافی، ج 1، ص 11، (بتفاوت یسیر). 
سورة الإنشقاق / الآیة 1 ـ 9 1ـ خذ العلم من علیّ(علیه السلام)
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma