اللمسات الرّبانیة فی عالم الطبیعة ونظام الکون

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 15
سورة النّازعات / الآیة 27 ـ 33 سورة النّازعات / الآیة 34 ـ 41

ینتقل البیان القرآنی مرّة اُخرى إلى عالم القیامة، بعد ذکر تلک اللمحات البلاغیة فی قصّة موسى(علیه السلام) مع فرعون، فیعرض صوراً من قدرة اللّه المطلقة فی عالم الوجود، لیستدل به على إمکان المعاد، ویشرح بعض النعم الإلهیة على البشریة (التی لا تعدّ ولا تحصى)، لیحرک فیهم حس الشکر والذی من خلاله یتوصلون لمعرفة اللّه.

وابتدأ الخطاب باستفهام توبیخی (لمنکری المعاد) هل أنّ خلقکم (وإعادتکم إلى الحیاة بعد الموت) أصعب من خلق السماء: (أأنتم أشدُّ خلقاً أم السماء بناه)(1).

والآیة فی واقعها جوابٌ لما ذکر من قولهم فی الآیات السابقة: (ءإنّا لمردودون فی الحافرة) ـ أی هل یمکن أن نعود إلى حالتنا الاُولى ـ فکلّ إنسان ومهما بلغت مدارکه ومشاعره من مستوى، لیعلم أنّ خلق السماء وما یسبح فیها من نجوم وکواکب ومجرّات، لهو أعقد وأعظم من خلق الإنسان... وإذاً فَمَن له القدرة على خلق السماء وما فیها من حقائق، أیعقل أن یکون عاجزاً عن إعادة الحیاة مرّة اُخرى إلى الناس؟!

ویضیف القرآن فی بیان خلق السماء، فیقول شارحاً بتفصیل: (رفع سمکها فسواه).

«سمک»: ـ على وزن سقف ـ لغةً: بمعنى الإرتفاع، وجاءت بمعنى (السقف) أیضاً، وعلى قول الفخر الرازی فی تفسیره: إنّ الشیء المرتفع لو قیس ارتفاعه من الأعلى إلى الأسفل فالنتیجة تسمّى (عمق)، أمّا لو قیس الإرتفاع من الأسفل إلى الأعلى فهو (سمک)(2).

«سواها»: من (التسویة)، بمعنى التنظیم، وهی تشیر إلى دقّة التنظیم الحاکمة على الأجرام السماویة، وإذا اعتبرنا «سمکها» بمعنى «سقفها»، فهی إشارة إلى الغلاف الجوی الذی حفّ وأحاط بالکرة الأرضیة کالسقف المحکم البناء، والذی یحفظها من شدّة آثار الأحجار السماویة، والشهب، والأشعة الکونیة والممیتة والمتساقطة علیها باستمرار.

وقیل: إنّ «سواها» إشارة إلى کرویة السماء وإحاطتها بالأرض، حیث إنّ التسویة هنا تعنی تساوی الفاصلة بین أجزاء هذا السقف نسبة إلى المرکز الأصلی (الأرض)، ولا یتحقق ذلک من دون کرویة الأرض وما حولها (السماء).

وقیل أیضاً: إنّ الآیة تشیر إلى ارتفاع السماء والأجرام السماویة وبعدها الشاسع عن الأرض، بالإضافة لإشارتها للسقف المحفوظ المحیط بالأرض.

وعلى أیّة حال، فالآیة قد نهجت بذات سیاق الآیة 57 من سورة المؤمن: (لخلق السماوات والأرض أکبر من خلق الناس ولکنّ أکثر الناس لا یعلمون).

ثمّ تنتقل بنا الآیة التالیة إلى إحدى الأنظمة الحاکمة فی هذا العالم الکبیر، (نظام النور والظلمة): (وأغطش لیلها وأخرج ضحاه).

فلکلّ من النور والظلمة دور أساس ومهم جدّاً فی حیاة الإنسان وسائر الأحیاء من حیوان ونبات، فلا یتمکن الإنسان من الحیاة دون النور، لما له من إرتباط وثیق فی حرکة وإحساس ورزق وأعمال الإنسان، وکذا لا یتمکن من تکملة مشوار حیاته من غیر الظلمة، والتی تعتبر رمز الهدوء والسکینة.

«أغطش»: من (الغطش)، بمعنى الظلام، ولکنّ الراغب فی مفرداته یقول: وأصله من «الأغطش» وهو الذی فی عینه شبه عمش.

«الضحى»: إنبساط الشمس وامتداد النهار(3).

وتنتقل بنا الآیة الاُخرى من السماء إلى الأرض، فتقول: (والأرض بعد ذلک دحاه).

«دحاها»: من «الدحو» بمعنى الإنبساط، وفسّرها بعضهم بتحریک الشیء و نقله من مکانه.

وللمعنیین أصل واحد، لوجود التلازم بینهما.

ویقصد بدحو الأرض، إنّها کانت فی البدایة مغطاة بمیاه الأمطار الغزیرة التی انهمرت علیها من مدّة طویلة، ثمّ استقرت تلک المیاه تدریجیاً فی منخفظات الأرض، فشکلت البحار والمحیطات، فیما علت الیابسة على أطرافها، وتوسعت تدریجیاً، حتى وصلت لما هی علیه الآن من شکل، (وحدث ذلک بعد خلق السماء والأرض)(4).

وبعد دحو الأرض، وإتمام صلاحیتها لسکنى وحیاة الإنسان، یأتی الحدیث فی الآیة التالیة عن الماء والنبات معاً: (أخرج منها ماءها ومرعاه).

ویظهر من التعبیر القرآنی، إنّ الماء قد نفذ إلى داخل الأرض بادیء ذی بدء، ثمّ خرج على شکل عیون وأنهار، حتى تشکلت منهما البحیرات والبحار والمحیطات.

«المرعى»: اسم مکان من (الرعی)(5)، وهو حفظ ومراقبة اُمور الحیوان من حیث التغذیة وما شابهها.

ولهذا، تستعمل کلمة (المراعاة) بمعنى المحافظة والمراقبة وتدبیر الاُمور، وکلّ مَن یسوس نفسه أو غیره یسمّى (راعی)، ولذا جاء فی الحدیث الشریف: «کلکم راع وکلکم مسؤول عن رعیته»(6).

ثمّ ینتقل البیان القرآنی إلى «الجبال»، حیث ثمّة عوامل تلعب الدور المؤثر فی استقرار وسکون الأرض، مثل: الفیضانات، العواصف العاتیة، المدّ والجزر، والزلازل.. فکل هذه العوامل تعمل على خلخلة استقرار الأرض، فجعل اللّه عزّوجلّ «الجبال» تثبیتاً للأرض، ولهذا تقول الآیة: (والجبال أرساه)(7).

«أرسى»: من (رسو)، بمعنى الثبات، وأرسى: فعل متعد، أی، ثَبَّتَ الجبال فی مواقعها.

وتلخص الآیة التالیة ما جاء فی الآیات السابقة: (متاعاً لکم ولأنعامکم).

نعم... فالسماء رفعها.

خلق نظام النور والظلمة.

دحى الأرض.

أخرج من الأرض ماءً ونباتاً.

أرسى الجبال لحفظ الأرض.

هیأ مستلزمات عیش الإنسان، وسخر له کلّ شیء.

کلّ ذلک، لیغرف الإنسان من نِعم اللّه، ولکی لا یغفل عن طاعة اللّه والوصول لساحة رضوانه جّل شأنه.

وما جاء فی الآیات یبرز قدرته سبحانه على المعاد من جهة، ویدلل من جهة اُخرى على وجود اللّه تعالى وعظمة شأنه، لیدفع المخلوق إلى الإذعان بسلامة سلک طریق معرفة اللّه وتوحیده.


1. فی الآیة حذف، والتقدیر: (أم السماء أشدّ خلق). و«بناها» جملة استئنافیة، وهی مقدّمة للآیات التالیة.
2. التفسیر الکبیر، ج 31، ص 46، ذیل الآیة مورد البحث.
3. یرجع ضمیرا «لیلها» و«ضحاها» إلى السماء، فنسبة النور والظلمة إلى السماء باعتبار أنّ لهما منشأ سماویاً.
4. فسّر بعض المفسّرین «بعد ذلک» فی الآیة، بمعنى (إضافة لهذ)، فیکون معنى الآیة: (إضافة إلى ما فی الآیات السابقة فالأرض دحاها).
5. واعتبره البعض: مصدراً میمیاً، بمعنى الحیوانات السائمة، ولکنّ المعنى المذکور أعلاه أقرب.
6. مفردات الراغب، مادة (رعى); وبحارالانوار، ج 72، ص 38.
7. بحثنا مفصلاً موضوع الجبال وأهمیتها فی حیاة الإنسان وفی تثبیت الأرض، فی ذیل الآیة 3 من سورة الرعد ـ فراجع.
سورة النّازعات / الآیة 27 ـ 33 سورة النّازعات / الآیة 34 ـ 41
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma