التقوى والإمداد الإلهی

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 15
سبب النّزولسورة اللّیل / الآیة 12 ـ 21

هذه السّورة المبارکة أیضاً تبتدیء بثلاثة أقسام تثیر التفکیر فی المخلوقات وفی الخالق.

تقول: (واللیل إذا یغشى)

فالقَسَم الأوّل باللیل حین یغطّی... یغطّی بظلامه نصف الکرة الأرضیة... أو یغطّی قرص الشمس، وهذا القسم تأکید على أهمیة اللیل ودوره الفاعل فی حیاة الأفراد، من تعدیله لحرارة الشمس، ونشره السکینة على کل الموجودات الحیة.

وتوفیر الجوّ لعبادة المتهجّدین ومناجاة الصالحین.

ویستمر السیاق القرآنی فی القسم بالقول: (والنّهار إذا تجلّى)(1).

والنهار یبدأ من اللحظة التی یطلع فیها الفجر، فیشقّ قلب ظلام اللیل، ثمّ یمتدّ لیملاء کلّ السماء، ویغمر کلّ شیء بالنور... بهذا النور الذی هو رمز الحرکة والحیاة، والعامل على نمو کلّ الموجودات الحیة.

فی القرآن الکریم ترکیز على مسألة نظام «النور» و«الظلمة» ودورهما فی حیاة البشر، لأنّهما من نعم اللّه الکبرى ومن آیاته العظمى سبحانه.

ثمّ القَسَم الأخیر فی السّورة بالخالق المتعال: (وما خلق الذکر والاُنثى).

فوجود الجنسین فی عالم «الإنسان» و«الحیوان» و«النبات»... والمراحل التی تمرّ بها النطفة منذ انعقادها حتى الولادة... والخصائص التی یمتاز بها کلّ جنس متناسبة مع دوره ونشاطه... والأسرار العمیقة المخبوءة فی مفهوم الجنسیة... کلّها من دلالات وآیات عالم الخلیقة الکبیر... وبها یمکن الوقوف على عظمة الخالق.

والتعبیر بـ «ما» عن الخالق سبحانه کنایة عن عظمة الذات الإلهیّة، وما یحیط بهذه الذات من غموض تجعله سبحانه فوق کلّ وهم وخیال وظن وقیاس.

قال بعضهم أن «ما» فی الآیة مصدریة، ومعناها أقسم بخلق الذکر والاُنثى وهذا الاحتمال ضعیف فی معنى الآیة.

الحقیقة أنّ القَسَمین الأوّل والثّانی یشیران إلى الآیات «الآفاقیة»، والقَسم الثّالث إلى الآیات «الأنفسیة».(2)

ثمّ یأتی الهدف النهائی من کلّ هذه الأقسام بقوله سبحانه: (إن سعیکم لشتى).

اتجاهات سعیکم مختلفة، ونتائجها مختلفة أیضاً، هذا یعنی أنّ أفراد البشر لا یستقرون فی حیاتهم على حال... بل هم فی سعی مستمر... وفی استثمار دائم للطاقة التی أودعها اللّه فی نفوسهم... فانظر أیّها الإنسان فی أی مسیر تبذل هذه الطاقة التی هی رأس مال وجودک... فی أیّ اتجاه... وفی سبیل أیّة غایة؟!

حذار من تبدید کلّ هذه الطاقات فی سبیل نتیجة تافهة... وحذار من بیعها بثمن بخس!

«شتى» جمع «شتیت» من مادة «شتَّ» أیّ فرّق الجمع، وهنا بمعنى التفرق والتشعب فی المساعی من حیث الکیفیة والهدف والنتیجة.

ثمّ یأتی تقسیم النّاس على قسمین، ویبیّن خصائص کلّ قِسم، یقول سبحانه: (فأمّا من أعطى واتقى * وصدّق بالحسنى * فسنیسره للیسرى).

المقصود من الإعطاء فی قوله: «أعطى» هو الإنفاق فی سبیل اللّه ومساعدة المحتاجین.

والتأکید على « التقوى» عقب الإعطاء قد یشیر إلى ضرورة تنزیه النیة وإخلاص القصد عند الإنفاق، وإلى الحصول على المال من طریق مشروع، وإنفاقه فی طریق مشروع أیضاً، وإلى خلوه من المنّ والأذى... فکلّ هذه الصفات تجتمع فی عنوان التقوى.

قال بعض إن «أعطى» إشارة إلى العبادات المالیة و«اتقى» إشارة إلى سائر العبادات العملیة من أداء الواجبات وترک المحرمات، غیر أنّ التّفسیر الأوّل أنسب مع ظاهر الآیة،ومع سبب نزولها.

و«الحسنى» مؤنث «أحسن» إشارة إلى مثوبة اللّه وجزاءه الأوفى، والتصدیق بالحسنى هو الإیمان بها، وفی سبب النزول ذکرنا أن «أبا الدحداح» أنفق أمواله لإیمانه بما سیعوضه اللّه فی الآخرة. والحسنى وردت بهذا المعنى أیضاً فی قوله سبحانه: (وکلاًّ وعد اللّه الحسنى)(3).

قیل إنّ المقصود هو «الشریعة الحسنى»، والتصدیق بالحسنى هو الإیمان بالإسلام، الذی هو أکمل الأدیان.

وقیل إنّها کلمة «لا إله إلاّ اللّه»، وقیل: إنّها الشهادتان.

غیر أنّ سیاق الآیات وسبب النزول وذکر «الحسنى» بمعنى «الجزاء الحسن» فی کثیر من الآیات کلّه یرجح التّفسیر الأوّل.

عبارة (فسنیسره للیسرى) قد تکون إشارة إلى التوفیق الإلهی وإلى تیسیر الطاعة لمثل هؤلاء الأفراد، أو فتح طریق الجنّة أمامهم وما یقابلونه من استقبال الملائکة وتحیتهم، أو کلّ ذلک.

من المؤکّد أنّ الذین سلکوا طریق الإنفاق والتقوى، واطمئنوا إلى جزاء اللّه وثوابه فی الآخرة، تتذلل أمامهم المشاکل وینعمون فی الدنیا والآخرة بالسکینة والإطمئنان.

أضف إلى ما سبق، قد یکون الإنفاق المالی شاقاً وثقیلاً على طبع الإنسان فی البدایة، ولکن بتوطین النفس على ذلک والاستمرار فیه، یتحول إلى أمر میسور... بل أمر فیه لذّة وارتیاح.

ما أکثر الأفراد الأسخیاء الذین ینشرحون لحضور الضیف على مائدتهم، ولا یرتاحون إذا خلت مائدتهم یوماً من ضیف... وهذا نوع من تیسیر الاُمور لهؤلاء.

ولا یفوتنا أن نذکر أیضاً أنّ الإیمان بالمعاد وبثواب الآخرة یهون المشاکل والصعاب، ویجعل بذل المال بل النفس میسوراً، ویخلق الدافع نحو طلب الشهادة فی میادین الجهاد عن رغبة مقرونة باحساس باللذة والنشوة.

«الیسرى» من الیُسر، وهی فی الأصل بمعنى إسراج الفرس والجامها وإعدادها للرکوب. ثمّ اُطلقت الکلمة على کلّ عمل سهل ممهّد(4).

وفی الجهة المقابلة تقف المجموعة الاُخرى التی تتحدث عنها الآیات التالیة:

(وأمّا من بخل واستغنى * وکذب بالحسنى، فسنیسره للعسرى).

«من بخل» فی هذه المجموعة مقابل «من أعطى» فی تلک.

کلمة «استغنى» أیّ طلب الغنى، قد تکون إشارة إلى ذریعتهم لبخلهم، ووسیلتهم لإکتناز المال، أو قد تکون إشارة إلى ظنهم بأنّهم مستغنون عن ثواب الآخرة، عکس الطائفة الاُولى المنشدة إلى مثوبة اللّه، أو قد تکون بمعنى الإحساس بالاستغناء عن طاعة اللّه وبالتالی التخبط المستمر فی الآثام.

من بین هذه التفاسیر الثلاثة یبدو التّفسیر الأوّل أنسب، وإن أمکن أیضاً الجمع بین الثلاثة.

المقصود من التکذیب بالحسنى، هو إنکار ثواب الآخرة، أو إنکار الدین الإلهی.

(فسنیسّره للعُسرى)... والتیسیر للعسر بالنسبة لهذه المجموعة، یقابله التیسیر للیسر للمجموعة الاُولى التی یشملها الله بتوفیقه، وییسر لها طریق الطاعة والإنفاق، وبذلک تتذلل أمامها مشاکل الحیاة... أمّا هذه المجموعة فتُحرم التوفیق، ویتعسّر علیها شقّ الطریق وتواجه الضنک والنصب فی الدنیا والآخرة، وهؤلاء البخلاء الخاوون من الإیمان یشقّ علیهم فعل الخیر وخاصّة الإنفاق، بینما هو للمجموعة الاُولى مقرون باللذة والإنشراح.(5)

ثمّ یأتی التحذیر لهؤلاء البخلاء المغفلین بالآیة: (وما یغنی عنه ماله إذا تردى).

لا یستطیع أن یصطحب ماله من هذه الدنیا، ولا یستطیع هذا المال ـ إذا اصطحبه ـ أن یقیه من السقوط فی نار جهنّم.

«ما» فی الآیة قد تکون نافیة، وقد تکون للاستفهام الإنکاری، أی ماذا یجدیه المال إذا سقط فی حفرة القبر أو فی هاویة جهنّم؟!

«تردى» من (الردى) بمعنى الهلاک، وبمعنى السقوط من مکان مرتفع یؤدّی إلى الهلاک، وقیل إن أصل الکلمة بمعنى السقوط: ولما کان السقوط من مکان مرتفع یؤدّی إلى الهلاک، فقد اُطلقت الکلمة واُرید بها الهلاک، والتردی فی الآیة قد یعنی السقوط فی القبر، أو فی جهنّم، أو بمعنى الهلاک الذی هو جزاء هؤلاء.

وبهذا... تحدثت الآیات الکریمات عن مجموعتین: الاُولى: مؤمنة، تقیة، سخیة; والثّانیة، خاویة الإیمان، عدیمة التقوى، بخیلة ونموذج المجموعتین موجود فی سبب نزول الآیات بوضوح.

المجموعة الاُولى، طوت طریقها بیسر بتوفیق اللّه، واتجهت نحو الجنّة ونعیمها، بینما المجموعة الثّانیة واجهت فی مسیرتها الحیاتیة المشاکل المتفاقمة جمعت الأموال الطائلة، وترکتها وولت تجرّ أذیال الحسرة والهّم والوبال، ولم تنل سوى العقاب الإلهی.


1. یلاحظ فی السّورة المبارکة أن الفعل «یغشى» بصیغة المضارع، أمّا «تجلّى» فبصیغة الماضی، قیل إنّ ذلک یعود إلى عصر نزول السّورة، حیث کانت الجاهلیة فی بدایة الدعوة مخیّمة بظلامها على الأرض، وفی هذه الحالة سیکون القسم بظلام الجاهلیة، ولیس ذلک بجیّد، ومن الأفضل القول إنّ هذا الفعل الماضی یفید معنى المضارع لوقوعه بعد «إذا» الشرطیة; أو إنّ أصل الفعل «تتجلى» حذفت إحدى التائین، عندئذ سیکون الفعل مؤنثاً، ولا یکون فاعله «نهار»، بل سیکون التقدیر: (إذا تتجلى الشمس فیه).
2.هذا التقسیم للآیات مستلهم من قوله سبحانه: (سنریهم آیاتنا فی الآفاق وفی أنفسهم).
3. النساء، 95.
4. تفسیر الکشّاف، ج4 ، ص762.
5.«الیسرى» مؤنث أیسر، و«العسرى» مؤنث أعسر، إنّما جاءا بصیغة المؤنث إمّا لأنّهما صفتان للأعمال والتقدیر: (فسنیسره لأعمال یسرى... أو ـ لأعمال عسرى)، أو صفتان لحوادث الحیاة، وإن کان الموصوف مفرداً فقد یکون «طریقة» أو «خلة».
سبب النّزولسورة اللّیل / الآیة 12 ـ 21
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma