بعد أن أکّد القرآن الکریم على حقیقة القیامة وحتمیة وقوعها فی الآیات السابقة، تتعرض الآیات أعلاه لبعض ما یصاحب یوم القیامة من علامات وأحداث، فتقول: (یوم ترجف الرّاجفة)، أی: یوم تحدث الزلزلة العظیمة المهولة.
ثمّ: (تتبعها الرّادفة).
«الراجفة»: من (الرجف)، بمعنى الاضطراب والتزلزل، ولذا یقال للأخبار التی توقع الاضطراب بین أوساط الناس بـ (الأراجیف).
«الرادفة): من (الردف)، وهو الشخص أو الشیء الذی یأتی بعد نظیره تتابعاً، ولذا یقال لمن یرکب خلف آخر، (ردیفه).
ویعتقد کثیر من المفسّرین بأنّ «الراجفة»: هی الصیحة ونفخة الصور الاُولى التی تعلن عن موت جمیع الخلائق، و«الرادفة»: هی الصیحة ونفخة الصور الثّانیة التی یبعث فیها الخلق مرّة اُخرى لیعیشوا یوم القیامة(1).
وعلیه، فالآیتان تشیران إلى نفس ما أشارت إلیه الآیة 68 من سورة الزمر: (ونفخ فی الصور فصعق مَن فی السماوات ومَن فی الأرض إلاّ مَن شاء اللّه ثمّ نفخ فیه اُخرى فإذا هم قیام ینظرون).
وقیل: «الراجفة»: إشارة إلى الزلزلة التی تدمّر الأرض، و«الرّادفة»: إشارة إلى الزلزلة التی تدمّر السماوات..
والتّفسیر الأوّل کما یبدو أقرب للصواب.
وتأتی الآیة الاُخرى لتقول: (قلوب یومئذ واجفة).
فقلوب العاصین شدیدة الاضطراب خوفاً من الحساب والجزاء.
«واجفة»: من (الوجف)، بمعنى سرعة السیر، و(أوجفت البعیر): حملته على الإسراع، وتستعمل أیضاً للاضطراب الشدید لما یصاحبه من اهتزاز وإسراع.
ویکون التزلزل الداخلی من الشدّة بحیث یظهر على وجوه کلّ المذنبین، ولذا یقول القرآن: (أبصارها خاشعة)(2).
فیبدو الاضطراب والخوف ظاهراً على أعین المذنبین، وتتوقف حرکتها وکأنّها قد فقدت حاسة النظر لما أصابها من خوف شدید.
وفی الآیة التالیة ینتقل الحدیث من أخبار یوم القیامة إلى الحیاة الدنیا: (یقولون أإنّا لمردودون فی الحافرة).
«الحافرة»: من (الحفر)، بمعنى شقّ الأرض، وما ینتج من ذلک یسمى (حفرة)، یقال: حافر الفرس، تشبیهاً لحفرة الأرض فی عَدوِه، و«الحافرة»: کنایة لمن یُرد من حیث جاء، کما لو سار إنسان على أرض، فیترک فیها حفراً لتحمل آثار قدمه، ثمّ یعود إلى نفس تلک الحفر، فالحافرة: تعنی الحالة الاُولى(3).
وتستمر الآیة فی سرد کلامهم: (أإذا کنّا عظاماً نخرة)(4).
فهکذا هو حال ودأب منکری المعاد وعلى الدوام باستفسارهم الدائم حول المعاد، وبقولهم المعروف: کیف للعظام البالیة النخرة والتی تحولت إلى ذرات تراب أن تعود مرّة اُخرى جسماً کاملاً، والأکثر من هذا.. أن تسری فیه الحیاة؟ ولکنّهم لم یفقهوا إلى أنّهم خلقوا من ذلک التراب، فکیف أصبحوا بهذه الهیئة الحیّة بعد أن لم یکونوا شیئاً؟
«نخرة»: صفة مشبهة، من (النخر)، بمعنى الشجرة المجوفة البالیة، والتی إذا دخل فیها الهواء أعطت صوتاً معیناً، مثله (النخیر)، وعمم الاستعمال لیشمل کلّ شیء بال فی حال تآکل وتلاش.
ولا یکتفی منکرو المعاد بحال الإعتراض على ما وعدهم به الباری سبحانه، بل وتحولوا إلى حال الاستهزاء بأحد اُصول دین اللّه!: (قالوا تلک إذاً کرّة خاسرة).
وثمّة احتمال آخر فی تفسیر هذه الآیة یقول: إنّهم جادون فی قولتهم غیر مستهزئین، لأنّهم یعتقدون أن لو کان ثمّة عود ورجعة فهی عبث زائد وخاسر، إذ لو کانت الحیاة الطیبة هی التی نعیشها، فلماذا لا تخلد؟ وإن کانت سیئة فما فائدة العود؟
ویمکن اعتبار «الحافرة» الواردة فی: (أإنّا لمردودون فی الحافرة) قرینة لهذا الإحتمال، بلحاظ کونها بمعنى (الحفرة).
ولکنّ المعروف بین المفسّرین هو التّفسیر الأوّل.
وقد عبّرت الآیة السابقة عن قولهم بصیغة المضارع «یقولون» اشارةً إلى دوام تردیدهم لما یقولون به، فی حین ذکر الفعل فی الآیة المبحوثة بصیغة الماضی «قالوا» إشارة إلى أنّهم قلیلاً ما یقولون ذلک.
وفی آخر آیة من الآیات المبحوثة یعود القرآن الکریم إلى مسألة القیامة، وبلسان قاطع، یقوق: (فإنّما هی زجرة واحدة * فإذا هم بالساهرة).
فالأمر لیس بمستصعب على الخالق القادر، فما أن یصدر الأمر الإلهی لنفخة الصور الثّانیة حتى تعود الحیاة ثانیة إلى جمیع الخلائق، نعم.. فتشرع کلّ تلک العظام النخرة وما صار منها تراباً للتجمع على الهیئة الاُولى، ولیخرج الناس من قبورهم بعد أن تسری فیهم روح الحیاة!
«الزجرة»: بمعنى صیحة بشدّة وانتهار، ویراد بها: نفخة الصور الثّانیة.
«زجرة واحدة»: إشارة إلى سهولة الأمر أمام قدرة اللّه سبحانه وتعالى، وإلى سرعة تنفیذ أمره سبحانه (لقیام القیامة)... فبصوت واحد من ملائکة القیامة، أو من صور
إسرافیل یرتدی جمیع الأموات لباس الحیاة من جدید لیحضروا عرصة المحشر للحساب.
«الساهرة»: من (السهر)، وهو الأرق، وقیل: لأرض القیامة «الساهرة» لذهاب النوم عن العیون لما سیصابون به من أهوال مرعبة، وقیل: الساهرة: اسم للصحراء، لأنّ جمیع الصحاری مخیفة، وکأنّ الخوف فیها یطرد النوم من العین(5).