کلما إزداد عدد أقسام (جمع قَسَم) القرآن إزدادت أهمیة الموضوع، وفی هذه السّورة المبارکة أکبر عدد من الأقسام، خاصّة وأنّ القسم بالذات الإلهیّة المقدّسة تکرر ثلاث مرات، ثمّ جاء الترکیز على أنّ النجاح والفلاح فی تزکیة النفس، وأنّ الخیبة والخسران فی ترک التزکیة.
وهذه فی الواقع أهم مسألة فی حیاة الإنسان، والقرآن الکریم إذ یطرح هذه الحقیقة إنّما یؤکّد على أنّ فلاح الإنسان لا یتوقف على الأوهام ولا على جمع المال والمتاع ونیل المنصب والمقام، ولا على أعمال أشخاص آخرین (کما هو معروف فی المسیحیة بشأن إرتباط فلاح الإنسان بتضحیة السید المسیح)... بل الفلاح یرتبط بتزکیة النفس وتطهیرها وسمّوها فی ظل الإیمان والعمل الصالح.
وشقاء الإنسان لیس أیضاً ولید قضاء وقدر وبالاجبار، ولا نتیجة مصیر مرسوم، ولا بسبب فعل هذا وذاک، بل هو فقط بسبب التلوث بالذنوب والانحراف عن مسیر التقوى.
وفی الأثر أنّ زوج العزیز (زلیخا) قالت لیوسف لما أصبح حاکم مصر: «إنّ الحرص والشهوة تصیر الملوک عبیداً، وأنّ الصبر والتقوى یصیر العبید ملوکاً، فقال یوسف: (إنّه من یتق ویصبر فإنّ اللّه لا یضیع أجر المحسنین)»(1).
وعنها أیضاً قالت لما رأت موکب یوسف ماراً من أمامها: «الحمد للّه الذی جعل الملوک بمعصیتهم عبیداً، وجعل العبید بطاعتهم ملوکاً»(2)
نعم، عبادة النفس تؤدی إلى وقوع الإنسان فی أغلال الرقیة بینما تزکیة النفس توفّر أسباب التحکم فی الکون.
ما أکثر الذین وصلوا بعبودیتهم للّه تعالى درجة جعلتهم أصحاب ولایة تکوینیة، ومکنتهم بإذن اللّه أن یؤثروا فی حوادث هذا العالم وأن تصدر منهم الکرامات وخوارق العادات!!
إلهی! أعنّا على أنفسنا وعلى کبح جماح أهوائنا.
إلهی! لقد ألهمتنا «الفجور» و«التقوى» فوفقنا للاستفادة من هذا الإلهام.
إلهی! دسائس الشیطان خفیة غامضة فی نفس الإنسان، فوفقنا لمعرفتها.
آمین یا ربّ العالمین
نهایة سورة الشّمس
1. المحجة البیضاء، ج5، ص 116.
2. المصدر السابق، ص 117.
