نِعَم إلهیّة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 15
سورة الشّرح / الآیة 1 ـ 8 بحثان

سیاق الآیات ممزوج بالحب والحنان وبألطاف ربّ العالمین لنبیّه الکریم.

أهم هبة إلهیة تشیر إلیها الآیة الاُولى: (ألم نشرح لک صدرک).

«الشرح»: فی الأصل ـ کما یقول الراغب ـ توسعة قطع اللحم بتحویلها إلى شرائح أرق، و«شرح الصدر» سعته بنور إلهی وبسکینة واطمئنان من عند اللّه، و«شرح معضلات الحدیث» التوسّع فیه وتوضیح معانیه الخفیة، و«شرح الصدر» فی الآیة کنایة عن التوسعة فی فکر النّبی وروحه، ولهذه التوسعة مفهوم واسع، تشمل السعة العلمیة للنّبی عن طریق الوحی والرسالة، وتشمل أیضاً توسعة قدرة النّبی فی تحمله واستقامته أمام تعنت الأعداء والمعارضین.

ولذلک حین اُمر موسى بن عمران(علیه السلام) بدعوة فرعون: (اذهب إلى فرعون إنّه طغى) دعا ربّه وقال: (ربّ اشرح لی صدری * ویسّر لی أمری)(1).

وفی موضع آخر یخاطب اللّه نبیّه بقوله سبحانه: (فاصبر لحکم ربّک ولا تکن کصاحب الحوت)(2) أی لا تکن کیونس الذی ترک الصبر فوقع فی المشاکل ولاقى أنواع الإرهاق.

وشرح الصدر یقابله «ضیق الصدر»، کما فی قوله تعالى: (ولقد نعلم أنّک یضیق صدرک بما یقولون)(3).

ولا یمکن أساساً لقائد کبیر أن یجابه العقبات دون سعة صدر، ومن کانت رسالته أعظم (کرسالة النّبی الأکرم) کانت الضرورة لشرح صدره أکبر،... کی لا تزعزعه العواصف ولا تثنی عزمه الصعاب ولا تبعث فی نفسه الیأس مکائد الأعداء، ولا یضیق بالملتوی من الأسئلة، وهذه کانت أعظم هبة إلهیة لرسول ربّ العالمین.

لذلک روی عنه(صلى الله علیه وآله) أنّه قال: لقد سألت ربّی مسألة وددت أنّی لم أسأله، قلت: أی ربّ إنّه قد کان أنبیاء قبلی منهم من سخرت له الریح ومنهم من کان یحیی الموتى.قال، فقال: ألم أجدک یتیماً فآویتک؟ قال: قلت: بلى. قال: ألم أجدک ضالاً فهدیتک؟ قال: قلت: بلى أی ربّ، قال: ألم أشرح لک صدرک ووضعت عنک وزرک؟قال: قلت: بلى أی ربّ(4).

وهذا یعنی أنّ نعمة شرح الصدر تفوق معاجز الأنبیاء. والمتمعّن فی دراسة حیاة الرّسول(صلى الله علیه وآله)، وما فیها من مظاهر تدل على شرح عظیم لصدره تجاه الصعاب والمشاق یدرک بما لا یقبل الشک أنّ الأمر لم یتأت لرسول اللّه بشکل عادی، بل إنّه حتماً تأیید إلهی ربّانی.

وقیل إنّ شرح الصدر إشارة لحادثة واجهت الرّسول فی طفولته حین نزلت علیه الملائکة فشقّت صدره وأخرجت قلبه وغسلته، وملأته علماً وحکمة ورأفة ورحمة.(5)

المقصود طبعاً من القلب فی هذه الرّوایة لیس القلب الجسمانی، بل إنّه کنایة وإشارة إلى الإمداد الإلهی من الجانب الروحی، وإلى تقویة إرادة النّبی وتطهیره من کل نقص خلقی ووسوسة شیطانیة.

ولکن، على أی حال، لا یتوفر عندنا دلیل على أنّ الآیة الکریمة مختصة بالحادثة المذکورة، بل لها مفهوم واسع، وقد تکون هذه القصّة أحد مصادیقها.

وبسعة الصدر هذه إجتاز الرسول(صلى الله علیه وآله) العقبات والحواجز والصعاب على أفضل وجه، وأدّى رسالته خیر أداء.

ثمّ یأتی ذکر الموهبة الثّانیة.

(ووضعنا عنک وزرک) أی ألم نضع عنک الحمل الثقیل؟

(الذی انقض ظهرک).

«الوزر» بمعنى الثقل، ومنها «الوزیر» الذی یحمل أعباء الدولة، وسمّیت الذنوب «وزراً» لأنّها تثقل کاهل صاحبها.

«انقض» من (النقض) أی حلّ عقدة الحبل، أو فصل الأجزاء المتماسکة من البناء، و«الإنتقاض» صوت انفصال أجزاء البناء عن بعضها، أو صوت فقرات الظهر حین تنوء بعبء ثقیل.

والکلمة تستعمل أیضاً فی نکث العهود وعدم الإلتزام بها، فیقال نقض عهده.

والآیة تقول إذن، اللّه سبحانه وضع عنک أیّها النّبی ذلک الحمل الثقیل القاصم الظهر.

وأی حمل وضعه اللّه عن نبیّه؟ القرائن فی الآیات تدل على أنّه مشاکل الرسالة والنّبوّة والدعوة إلى التوحید وتطهیر المجتمع من ألوان الفساد، ولیس نبیّ الإسلام وحده بل کلّ الأنبیاء فی بدایة الدعوة واجهوا مثل هذه المشاکل الکبرى، وتغلبوا علیها بالإمداد الإلهی وحده، مع فارق فی الظروف، فبیئة الدعوة الإسلامیة کانت ذات عقبات أکبر ومشاکل...

وقیل أیضاً: أنّ «الوزر» یعنی ثقل «الوحی» فی بدایه نزوله.

وقیل: إنّه عناد المشرکین وتعنتهم.

وقیل: إنّه أذاهم.

وقیل: إنّه الحزن الذی ألمّ بالنّبی لوفاة عمّه أبی طالب وزوجه خدیجة.

وقیل: أیضاً إنّه العصمة وإذهاب الرجس.

والظاهر أنّ التّفسیر الأوّل أنسب من غیره والتفاسیر الاُخرى تفریع من التّفسیر الأوّل.

وفی الموهبة الثّالثة یقول سبحانه.

(ورفعنا لک ذکرک)(6).

فاسمک مع اسم الإسلام والقرآن قد ملأ الآفاق، وأکثر من ذلک اقترن اسمک باسم اللّه سبحانه فی الأذان یرفع صباح مساء على المآذن. والشهادة برسالتک  لا تنفک عن الشهادة بتوحید اللّه فی الإقرار بالإسلام وقبول الدین الحنیف.

وأی فخر أکبر من هذا؟ وأی منزلة أسمى من هذه المنزلة؟

وروی عن الرّسول(صلى الله علیه وآله) فی تفسیر هذه الآیة قال: «قال لی جبرائیل قال اللّه عزّوجلّ: إذا ذُکرتُ ذُکرتَ معی». (وکفى بذلک منزلة).

والتعبیر بکلمة (لک) تأکید على رفعة ذکر النّبی رغم کل عداء المعادین وموانع الصّادین.

وقد ذکرنا أنّ هذه السّورة مکّیة، بینما الآیة الکریمة تتحدث عن انتشار الإسلام، وتجاوز عقبات الدعوة، وإزالة الأعباء التی کانت تثقل کاهل الرّسول(صلى الله علیه وآله)، وارتفاع ذکر النّبی فی الآفاق... وهذا ما حدث فی المدینة لا فی مکّة.

قیل: إنّ السّورة تبشّر النّبی بما سیلقاه فی المستقبل، وکان ذلک سبباً لزوال الحزن والهم من قلبه، وقیل أیضاً: إنّ الفعل الماضی هنا یعنی المستقبل.

ولکن الحق أنّ قسماً من هذه الاُمور قد تحقق فی مکّة خاصّة فی أواخر السنین الثلاث عشرة الاُولى من الدعوة قبل الهجرة، تغلغل الإیمان فی قلوب کثیر من النّاس وخفّت وطأة المشاکل، وذاع صیت النّبی فی کلّ مکان، وتهیأت الأجواء لإنتصارات أکبر فی المستقبل.

شاعر النّبی «حسان بن ثابت» ضمّن معنى الآیة الکریمة فی أبیات جمیلة، وقال:

وضمّ الإله اسم النّبی إلى اسمه *** إذ قال فی الخمس المؤذن أشهد

وشقّ له من اسمه لیجلّه *** فذو العرش «محمود» وهذا «محمّد»

الآیة التالیة تبشّر النّبی(صلى الله علیه وآله) بأعظم بشرى، وتقول:

(فإنّ مع العسر یسر)

ویأتی التأکید الآخر:

(إنّ مع العسر یُسر).

لا تغتمّ أیّها النّبی، فالمشاکل والعقبات لا تبقى على هذه الحالة، ودسائس الأعداء لن تستمر، وشظف العیش وفقر المسلمین سوف لا یظلّ على هذا المنوال.

الذی یتحمل الصعاب، ویقاوم العواصف سوف ینال یوماً ثمار جهوده، وستخمد عربدة الأعداء، وتحبط دسائسهم، ویتمهّد طریق التقدم والتکامل ویتذلل طریق الحق.

بعض المفسّرین ذهب إلى أنّ هذه الآیات تشیر إلى فقر المسلمین فی معیشتهم خلال الفترة الاُولى من الدعوة، لکن المفهوم الواسع للآیات یستوعب کلّ ألوان المشاکل، اُسلوب الآیتین یجعلهما لا تختصان بشخص النّبی(صلى الله علیه وآله) وبزمانه، بل بصورة قاعدة عامّة مستنبطة ممّا

سبق، وتبشّر کلّ البشریة المؤمنة المخلصة الکادحة، وتقول لها: کّل عسر إلى جانبه یسر، ولم ترد فی الآیة کلمة «بعد» بل «مع» للدلالة على الإقتران.

نعم، کلّ معضلةً ممزوجة بالإنفراج، وکلّ صعوبة بالیسر، والإقتران قائم بین الإثنین أبداً.

وهذا الوعد الإلهی یغمر القلب نوراً وصفاءً. ویبعث فیه الأمل بالنصر، ویزیل غبار الیأس عن روح الإنسان(7).

وعن رسول اللّه(صلى الله علیه وآله) قال: «واعلم أنّ مع العسر یسراً، وأنّ مع الصبر النصر، وأنّ الفرج مع الکرب...».(8)

وروی أنّ إمرأة شکت زوجها لأمیر المؤمنین علی(علیه السلام)، لعدم إنفاقه علیها، وکان الزوج معسراً فأبى علی أن یسجن الزوج وقال للمرأة: إنّ مع العسر یسراً (ودعاها إلى الصبر).(9)

(فإذا فرغت فانصب) أی إذا انتهیت من أداء أمر مهم فابدأ بمهمّة اُخرى، فلا مجال للبطالة والعطل. کن دائماً فی سعی مستمر ومجاهدة دائمة، واجعل نهایة أیة مهمّة بدایة لمهمّة اُخرى.

(وإلى ربّک فارغب)، أی فاعتمد على اللّه فی کلّ الاحوال.

اطلب رضاه، واسع لقربه.

الآیتان ـ حسب ما ذکرناه ـ لهما مفهوم واسع عام یقضی بالبدء بمهمّة جدیدة بعد الفراغ من کلّ مهمّة. وبالتوجه نحو اللّه فی کلّ المساعی والجهود، لکن أغلب المفسّرین ذکروا معانی محددة لهما یمکن أن یکون کلّ واحد منها مصداقاً للآیتین.

قال جمع منهم: المقصود، إنّک إذا فرغت من فریضة الصلاة فادع اللّه واطلب منه ما ترید.

أو: عند فراغک من الفرائض إنهض لنافلة اللیل.

أو: عند فراغک من اُمور الدنیا ابدأ بأمور الآخرة والصلاة وعبادة الربّ.

أو: عند فراغک من الواجبات توجه إلى المستحبات التی حثّ علیها اللّه.

أو: عند فراغک من جهاد الأعداء انهض إلى العبادة.

أو: عند فراغک من جهاد الأعداء ابدأ بجهاد النفس.

أو: عند انتهائک من أداء الرسالة انهض لطلب الشفاعة.

الحاکم الحسکانی ـ عالم أهل السنة المعروف ـ روی عن الإمام الصادق(علیه السلام) فی «شواهد التنزیل» فی تفسیر الآیة إنّها تعنی: «إذا فرغت فانصب علیّاً بالولایة»(10).

القرطبی فی تفسیره روى عن بعضهم أنّ معنى الآیة: «إذا فرغت فانصب إماماً یخلفک». (لکنّه ردّ هذا المعنى)(11).

موضوع «الفراغ» فی الآیة لم یذکر، وکلمة «فانصب» من النصب أی التعب والمشقّة، ولذلک فالآیة تبیّن أصلاً عاماً شاملاً، وهدفها أن تحث النّبی باعتباره القدوة ـ على عدم الخلود إلى الراحة بعد انتهائه من أمر هام، وتدعوه إلى السعی المستمر.

انطلاقاً من هذا المعنى یتّضح أنّ التفاسیر المذکورة للآیة کلّها صحیحة، ولکن کل واحد منها یقتصر على مصداق معین من هذا المعنى العام.

وما أعظم العطاء التربوی لهذا الحثّ، وکم فیه من معانی التکامل والإنتصار!! البطالة والفراغ من عوامل الملل والخمول والتقاعس والإضمحلال، بل من عوامل الفساد والسقوط فی أنواع الذنوب غالباً.

وحسب الإحصائیات، مستوى الفساد عند عطلة المؤسسات التعلیمیة یرتفع إلى سبعة أضعاف أحیاناً.

وبإیجاز، هذه السّورة تبیّن بمجموعها عنایة ربّ العالمین الخاصّة للنّبی الأعظم(صلى الله علیه وآله)، وتسلیة قلبه أمام المشاکل، ووعده بالنصر أمام عقبات الدعوة، وهی فی الوقت ذاته تحیی الأمل والحرکة والحیاة فی جمیع البشریة المهتدیة بهدى القرآن.


1. طه، 24 و26.
2. القلم، 48.
3. الحجر، 97.
4. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 508.
5. تفسیر الدر المنثور، نقلاً عن تفسیر المیزان، ج 20، ص 452; والتفسیر الکبیر، ج 32، ص 2. وهذه الرّوایة ذکرها البخاری والترمذی والنسائی أیضاً فی قصّة المعراج.
6. التعبیر بـ «رفع» بعد «وضع» مع تضادهما له لطافة خاصة.
7. ممّا ذکرنا یتّضح أنّ الألف واللام فی (العسر) للجنس لا للعهد، و(یسر) وردت نکرة، لکنّها تعنی الجنس أیضاً، وتنکیرها فی مثل هذه المواضع للتعظیم.
8. تفسیر نورالثقلین، ج 5، ص 604، ح 11 و13.
9. المصدر السابق.
10. شواهد التنزیل، ج 2، ص 349، ح 1116 ـ 1119.
11. تفسیر القرطبی، ج 10، ص 7199.
سورة الشّرح / الآیة 1 ـ 8 بحثان
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma